عبدالله كمال / ... ولكن / ولو كان أخي!

تصغير
تكبير
خلف هذا الملياردير الشهير، الذي كان يتناول الغداء على مائدة الرئيس المصري يوم الأحد الماضي في فندق شيراتون بمدينة دلهي، قصة لها وجهان... صراع عائلي معقد بين الأشقاء، ونجاح عصامي مذهل أصبح قصة عالمية.
كنت أجلس في «منتدى الأعمال الهندي - المصري» حيث صادفت مقعداً سمح لي أن أرى المليارديرات وهم يدلفون إلى مائدة الغداء، ليست بينهم وجوه معروفة من تلك التي تروجها وسائل إعلام الغرب، لكن أسماء المجموعات التي يديرونها ميزانياتها، وأصولها، وثرواتها، بحجم ميزانيات دول متوسطة الحجم: «ايثار»، «باجاج»، «ريلاينس»، «لولو»، «بريلا»، وغيرها. إن حكة من ظفر أحد هؤلاء في ذقنه قد تكفي لتمهيد شارع في قرية فقيرة في بلده نفسه... الهند.
عددهم 12، ووجهت لهم الدعوة لكي ينالوا تشجيعاً إضافياً وخاصاً للاستثمار في مصر من خلال اللقاء والغداء مع الرئيس المصري، غير أن مجريات النقاش أظهرت أن كلا منهم لا ينتظر تحفيزاً جديداً، وأنهم جاهزون للعمل من الآن، إذ تحدث كل منهم مع الرئيس عن مشروع كبير وطموح يرغب أن يبدأ به في مصر.
بينهم، كان هناك انيل إمباني أحد شقيقين يديران ويملكان واحدة من أكبر المجموعات الصناعية في الهند والعالم «ريلاينس» ومجال عملها الأساسي البتروكيماويات، ولكن لها أنشطة متنوعة صناعية واتصالاتية وترفيهية، ولا تندهش إذا قلت لك إن والد انيل واسمه دهيروبهاي بدأ عاملاً في محطة بنزين، قصة نجاح عصامية مذهلة تحولت إلى فيلم هندي شهير اسمه «جورو»، وقد مات وترك الإمبراطورية لانيل وأخيه الأكبر موكيش... عفواً الترتيب الصحيح هو: موكيش، وانيل... وسوف أشرح لك!
انيل في اجتماع غداء الرئيس المصري تحدث عن مشروع للبتروكيماويات في مصر، وقد جلس على المائدة بديلاً عن أخيه الذي كان مقرراً أن يحضر الاجتماع، لكن أمراً ما قد دفعه للسفر خارج الهند، وحين علمت أن انيل حضر بدلاً من موكيش فإنني أعدت قراءة القصة الدرامية المثيرة بين الشقيقين والتي تناولتها صحف عدة قبل أسابيع، وأبرزها «صنداي تايمز»، و«فايننشيال تايمز».
الأب ربى الشابين على أن يكون كلاهما قائداً، وأن ينافس الآخرين لكي يتقدم عليهم حتى لو كان أخاه، وحين تم تقسيم التركة تقدم موكيش على انيل بضع خطوات في الحسابات والمكانة والأرصدة، لكن كليهما ظلا شريكين، وصار التنافس بينهما وقوداً أدى إلى مزيد من التضخم، فانطلقت الشركة الأم إلى أعلى.
في القائمة الأخيرة لأغنى أغنياء العالم، التي تصدرها مجلة «فوربس» تناثر في مواقع مختلفة منها عدد كبير من الأثرياء الهنود أولهم لاكشي ميتال الذي احتل المركز الرابع بـ «47» مليار دولار، وهو صاحب أكبر شركة صلب في العالم، ويعيش في بريطانيا، وقرأت عنه مقالاً منذ أيام روى فيه صحافي بريطاني مغامراته وهيامه بلاكشي خلال غداء تمكن من أن يفوز به معه في مطعم لا يمكن تصنيفه إلا على أنه متواضع، حسب الوصف المذكور في المقال.
بعد لاكشي جاء الشقيقان دهيروبهاي امباني. لكن موكيش يسبق انيل... الأول ترتيبه الخامس بـ «50» مليار دولار، والثاني ترتيبه السابع بـ «48» مليار دولار وتلك هي المعضلة، أن موكيش الأكبر يسبق انيل الأصغر، وعلى هذا الأساس فسر خلافهما الأخير، إذ قيل أن موكيش رفض إتمام صفقة اندماج مع شركة «إم. تي. إن» الجنوب أفريقية للاتصالات لأن هذه الخطوة سوف ترفع حصة أخيه بحيث يتخطاه في الترتيب، ويكون انيل قبل موكيش.
من المؤكد أن هناك تنافساً بين الشقيقين لكني لا أعتقد شخصياً أن التطاحن قد يصل إلى حد الإطاحة بصفقة كبيرة بهذا الحجم، وإلا لماذا جاء انيل مكان موكيش في غداء الرئيس؟ الصحيح بالطبع أن الحوار بينهما يدور غالباً عن طريق شركات المحاماة، وأن الصحف تمعن، هندياً وعالمياً، في المقارنة بين الأخين وتصف عجائب هذا ونوادر ذاك، وتقول الكثير عن تدخل الوالدة في خلافات ابنيها، لكنني أظن أن الصفقة فشلت لأن هناك أسباباً اقتصادية أهمها أن عدد مشتركي «إم. تي. إن» يفوق عدد مشتركي الشبكة الهندية بعشرين مليون نسمة، والأكثر أهمية أن موجودات «ريلاينس للاتصالات» 27.5 مليار دولار وتقل عن موجودات «إم. تي. إن» بعشرة مليارات دولار.
ما يعنينا في الموضوع ليس هو خلاف الشقيقين أو تنافسهما، أو حتى أن تندلع الحرب العائلية بينهما، ولكن أن الاثنين اتخذا قراراً من خلال شركتهما الأكبر «ريلاينس» باستثمار 3 مليارات دولار في مشروع بتروكيماويات محوره الأساسي شركة سيدي كرير «شمال غرب مصر»، ومصانع أخرى ستنشأ حولها حسب الاقتراح الذي يبدو أنه يدرس الآن.
عبدالله كمال
رئيس تحرير «روزاليوسف» ومستشار «الراي» بالقاهرة
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي