No Script

عصام العبدالله شاعِر الصمت... سكتَ

u0639u0635u0627u0645 u0627u0644u0639u0628u062fu0627u0644u0644u0647
عصام العبدالله
تصغير
تكبير

لم يكن قراره خوض ذاك «الصمت» المفتوح. فَعَلَها ذات يوم وسَكت. عزا ذلك إلى غياب فسحة الأمل التي تشدّه عادةً إليها وتالياً إلى الشعر، فطال في انتظار «الحكي» الصمتُ وامتدّ إلى الأبد.
رحل الشاعر اللبناني عصام العبدالله أمس عن عمر ناهز السابعة والسبعين بعدما خانته «محكيّته». هو الذي صاغ في خمسينات القرن الماضي شعارات الاعتصامات والتظاهرات ورددها بصوت جهوري محمولاً على الأكتاف، فتناسلتْ من القريحة نفسها تباعاً قصائده.
... لم تفارقه كلماته، ولكنها تمرّدت على الجسد الوهن. ظلّت فتيّة شقيّة تتقافز وتتسابق، وبقيت على ثورتها وحركتها وتوهجها، فيما كانت الحياة في حنجرة الشاعر تنطفئ.


ينتمي عصام العبدالله إلى ذاك الجيل الهجين من الشعراء اللبنانيين. هو لم يكتب من رهافةٍ، بل من وجع، ولم يلقِ قصيدته ليفتنَ فقط، بل ليلهب القلوب في شباب متحمّس آمن بالثورة ثم أصابته انتكاستها، واعتنق العقيدة التي دحضت في ما بعد نفسها بنفسها. وهو ابن الخيام الجنوبية، الذي وُلد في انطلياس (شرق بيروت) ونشأ فيها، فرسمت البيئتان ملامح الشاب الثائر سليل شعراء جبل عامل.
وهو أيضاً أستاذ اللغة العربية الذي درّس أجيالاً من الطلاب قواعد اللغة وإعراب الجمل وتحليل المعاني، لكنه كتب الشعر خاصته بالمحكية حيث للهجة اللبنانية شعرية تنبع فيها الإيقاعات من رشاقة الجمل وموسيقى كلماتها. وفي هذا الإطار، وفيما شبّه كاتب «قهوة مرة»، «سطر النمل»، «مقام الصوت» الفصحى بـ «بنت الملك» والعامية بـ «بنت البواب» واعتبر أن قلة الإقبال على كتابة الأخيرة ترفُّع من قبل الشعراء، أكد في المقابل أن كتابة المحكية ليست بالأمر السهل وأن صعوبتها تكمن في قلّة مفرداتها ليخلص إلى أنه يعمل بالصعب «ليضيء بين يديه»... وفي صوته أيضاً - بعدما عمد إلى إرفاق دواوينه الشعرية بتسجيل صوتي تظلّله موسيقى زياد الرحباني ويبدد عبره برخامة تجمع ما بين الجد والسخرية - الشاعرية والصلابة، الغضب والهدوء، الثورة والاستسلام... تلك الصعوبة التي قد تواجه قرّاء إملاء المحكية.
... قبل ما يزيد على عام من الآن، أعلن الشاعر عصام العبدالله، وبشيء من الحيادية، عن دخوله مرحلة «السكت» (السكوت). في ذلك اليوم جلس على مقعده المعتاد في أحد مقاهي بيروت مسنداً شماله إلى زرقة البحر فيما ترك ليمناه هامشاً من الحركة بين منفضة السجائر وفمه. استذكر الماضي، وتحدّث بكثير من التهكم عن حال الشعر وتصنيفه «الطبِقي». مرّ على جمهور الشعر الذي تَناقص حتى بات «قلّة قليلة»، واعتبر بكثير من الأسى «أننا نعيش في عصر Anti– شِعري»، مؤكداً «أنها مأساة وتراجيديا إنسانية حين يكون المرء شاعراً الآن».
في ذلك اليوم نفسه، وكعادته، لم يبخل عصام العبدالله على جمل العتاب بفواصل ابتسامته ونكاته. ظرافته كانت سمة المترفّع عن الأسى الذي يدور من حوله، والمتقبّل لكل التقلبات التي قد لا تسرّ خاطره بالضرورة بالفكاهة المرّة التي تُضْحِك مَن به ألمٌ وتعينه على السكوت.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي