No Script

خواطر تقرع الأجراس

هل غيّرنا التغيير؟

No Image
تصغير
تكبير

قوانين الطبيعة الصمّاء يصوغها العقل البشري صياغة منطقية علمية صارمة، بعد عمليات الملاحظة والتجربة والخطأ والبرهان والاستنتاج والاستقراء، ثم القانون أو النظرية. العقل البشري العلمي المنهجي يُرغم الطبيعة على الإفصاح عن قوانينها المبثوثة في مظاهرها المادية والحيوية،... وهكذا يتغير العالم في عقولنا، لكنْ بعض العقول فينا، ومنا... لا تتغير!
يبدو أن العلم قاصر عن إحداث التغيير في مظاهر الحياة الإنسانية السلوكية، بالمقارنة مع قدرته على تغيير العالَم والطبيعة، وأحياناً... بعض العقول!
 قد يعجز العلم عن مواجهة كثير من تحديات الطبيعة. ونحن نشهد اليوم أعاصير مدمّرة في قارتَي آسيا، والأميركيتين وبخاصة أميركا الأم العظمى؛ غازية الكواكب، وإلهة الدولار، وقاهرة المحيطات والبحار... ومرغمة الشعوب المحتلة أراضيها على القبول بالاحتلال !!


 وقد يقف العلم حائراً، عاجزاً إلا عن التنبُّؤ بقدوم الأعاصير، وسرعتها، وزمن اجتياحها، وقدرتها التدميرية بتحديد درجات الخطورة.
في اليابان، معشوقة الزلازل، صراع بين الإنسان والطبيعة الغاضبة؛ فقد صمم العقل الهندسي عمارات تهتز متراقصة بمرونة عند حدوث الزلازل، فتمتص حركات رقصها المجنون، فتسكن في أساساتها ولا تنهار. ونحن نسمع بين الحين والآخر عن انهيارات عمارات في هذه المدينة العربية أو تلك، في المشرق والمغرب. وحظ الإسكندرية منها أكبر، ربما لأنها تحمل ذكرى مؤسسها الإسكندر الأكبر!
 في الصين، وهي أكبر مصنع مستهلك للطاقة وملوِّث للبيئة، مع أميركا، تستخرج الطاقة النظيفة من الجليد، جليد النار، فللجليد طاقته الحرارية الغازية الهائلة. كذلك اليابان تتحدى أعماق البحر على بعد 1300 م حيث تتوافر كميات هائلة من الجليد (المتأجج)! تحت قاع المحيط!
وهنا نتذكر تلك الآيات القرآنية العجيبة: «والبحرِ المسجور».«وإذا البحار فُجِّرتْ». «وإذا البحار سُجِّرتْ» وفي قراءة أخرى «سُجِرَتْ». أي أُقِدتْ واشتعلت. فالماء غازات قابلة للاشتعال: هيدروجين وأُكسجين. ومن معاني سجره في هذا المقام: سجرَ النارَ:أوقدها، وسجر التنورَ: أحماه! ومن هنا نفهم مصطلح (جليد النار، ونار الجليد، والجليد المشتعل...) في أعماق المحيطات، وباطن القطب المتجمد.
وفي الحياة الاجتماعية، والسلوك البشري ومنظومة القيم والأخلاق والأديان الإلهية والوضعية... فإن المفكرين والشعراء والأدباء والفنانين والمصلحين الاجتماعيين والفلاسفة عبر التاريخ لم يقدروا على اجتثاث الإيمان بالخوارق، والخرافات، والأوهام والدجل والشعوذة من عقول الملايين في مختلف القارات، وعلى مختلف المستويات الفكرية والثقافية والاجتماعية...والسياسية!
هل الفكر الفلسفي التأملي، والمنطقي، وعلوم الاجتماع، وحركات الإصلاح، والأديان، والأخلاق، وحركات الثقافة العالمية، والفنون والآداب... عبر التاريخ، قدرتْ على تغيير النفوس البشرية، كما غيّرت العلومُ العقول، بل بعض العقول؟؟ قضية شائكة تؤيدها حجج، وتنقضها أخرى! للعلم تأثير أسرع من الفلسفات والأديان والقوانين الأخلاقية والحركات الإصلاحية.
بماذا نفسر انتشار وتعاظم الفكر الغيبي الإرهابي، والتعصب العنصري، والديني، والقومي والمذهبي إلخ... في عصر العقل والعلم ؟ بماذا نفسر حرق البوذيين مسلمين أحياء في ميانمار، وبوذا عندهم نبي الرحمة والإنسانية والعدالة؟ وبماذا نفسر قطع الرؤوس، ونشر الأعضاء الحية، أو دفن البشر أحياء باسم الإله والأنبياء تارةً، وباسم الطغاة والمستبدين تارة أخرى؟
أين رحمة الكتب المقدسة وإنسانيتها ؟ ترى هل نحن مازلنا في عصور ما قبل التاريخ، وعصور ما قبل الأديان وقبل الفلسفات الإنسانية، والنظريات الأخلاقية إلخ...؟ وهل غيَّر التغيير- جذرياً- عقولَ البشر، ونفوسهم عبر العصور، وسلوكهم الإجرامي العدواني... ؟
قضية للتأمل العميق.

* شاعر وناقد سوري

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي