No Script

حشد من محبيه شيّعوه إلى مثواه الأخير في الرياض أمس

«أبو أصيل» رحل... وبقيت الأسطورة

تصغير
تكبير

نبيل شعيل:
أبو أصيل أبونا الروحي وهو أبو الفن...
تتلمذنا على صوته واقتدينا بنهجه

عبدالكريم عبدالقادر: ستظل محبته
في قلوبنا...
كان مبدعاً وصادقاً

أحمد فتحي:
بوفاته فقد الفن الخليجي والعربي أحد رموزه الكبار

أنور عبدالله:
نعزي أنفسنا
في رحيل «المدْرسة»

يعقوب الخبيزي:
رحيله فاجعة لنا...
فهو أبونا و«أبو الفن»

فايز السعيد:
كان حنوناً إلى أبعد الحدود... ويعاملني
كأحد أبنائه

فهد الكبيسي:
أخذ على عاتقه التجديد والتلوين في الغناء وحافظ على الفولكلور

بلقيس أحمد فتحي:
خسرنا فناناً صنع إرثاً ومخزوناً فنياً وثقافياً
لا مثيل لهما

عبدالله القعود:
كان محبوباً من كل عاشق للصوت الجميل والإحساس المرهف والكلمة العذبة

رمزي محمد:
أبو أصيل لم يمُت... بل سيعيش بيننا مدى الحياة صوتاً وإحساساً وأصالةً

مسيرة حافلة، تلك التي تركها خلفه مضاءةً بطيف إبداعي متنوع، قبل أن يرحل الفنان الكبير المطرب والمؤلف والملحن أبو بكر سالم!
 رحل «أبو أصيل» عن عمر ناهز 78 عاماً، ولو كان يستطيع النظر خلفه لوجد ملايين القلوب المحبة التي طالما أنصتت إليه، وحلّقت عالياً مع أنغامه، وهي الآن «تحتفل بالجرح»، بينما تودعه في مناجاة حزينة، ولسان حالها يناديه قائلاً: «يا مسافر»... تريد أن تستوقفه حباً وتقديراً وتكريماً... ولكنه في ما يبدو مصمم على الرحيل النهائي، بعدما عزف لحنه الأخير - وهو الموسيقار البارع - مسدلاً الستار على صراع مع المرض، وهو الرجل الذي تعود طوال حياته أن يشعل المسرح فرحاً وروعة وإبداعاً... مطمئناً إلى أنه ترك إرثاً فنياً ثرياً يجعل جماهيره العريضة راضيةً عنه وفخورةً به، بل وستظل تحتفظ بمحبته، منفذةً لوصيته الغالية عندما قال: «حطني في عيونك»، التي عنونت أحد ألبوماته!

«أبو أصيل» الذي طالما أشاع الفرح في قلوب الملايين، كان في وداعه حشد من ذويه ومحبيه، حيث واروا جثمانه الثرى في مقبرة «بنبان»، شمال الرياض بحضور ابنه أصيل أبو بكر، وذلك بعدما أقاموا عليه صلاة الجنازة عقب صلاة عصر أمس، في مسجد «الجوهرة البابطين» بحي الياسمين في العاصمة السعودية الرياض.
 عاصر الفنان الأصيل...«أبو أصيل» أجيالاً من الفنانين، ولأنه كان فناناً شاملاً فقد جمع الإبداع من أطرافه، ليس فقط بتنويعه فنون الغناء وطرائق الطرب، بل إنه أيضاً أتقن الغناء وصياغة الكلمات وتلحين النغمات وتوزيعها، حتى بلغ الذروة في كل منها... وفاضت إبداعاته وزادت فلم يكتفِ الراحل بأن يلحن لنفسه وكفى، بل قدم العديد من الأعمال لكوكبة من الفنانين في الخليج والوطن العربي، إلى ان أصبح في ذاته مكتبة فنية ومؤسسةً إبداعية ليس من السهل أن يجاريها فنان آخر، وكان كريماً معطاءً فلم يبخل بالنصح والمساندة والدعم لكثير من الفنانين، وهم يرسمون الخطوات الأولى في بدايات مسيراتهم.
 وُلد الفنان والشاعر والملحن الراحل أبو بكر سالم في 17 مارس 1939، وهو سعودي متحدِّر من أصول حضرمية. انتقل للسعودية منذ سبعينات القرن الماضي عاش متنقلا بين عدن وبيروت وجدة والقاهرة، إلى أن استقر في الرياض.
 تميز بثقافة عالية انعكست وعيًّا فنيًّا واسعًا في تجربته الطويلة، كما تميز بعذوبة صوته، وتعدد طبقاته بين القرار والجواب، وبالقدرة على استظهار الأبعاد الوجدانية للنص فرحًا وحزنًا من خلال أدائه المتميز، كما تميز بقدرته على أداء الألوان الغنائية المختلفة، فإلى جانب إجادته للأغنيتين الحضرمية والعدنية، أجاد الغناء الصنعاني الذي بدأ يمارسه منذ بداياته الفنية، واللون الخليجي,,, بالإضافة إلى القصائد الفصيحة لأبي القاسم الشابي وجده أبوبكر بن شهاب.
 حقق أبو بكر سالم نجاحاً كبيراً على مستوى الجزيرة العربية والوطن العربي في بداية مشواره الفني، وظل يحقق النجاحات الكبيرة، ويتواصل مع جمهوره سنويا عبر الحفلات الغنائية التي كان يحييها في مهرجانات الأغنية العربية المتعددة، وتغنى بكثير من أغانيه فنانون خليجيون وعرب كثر، بينهم وليد توفيق وراغب علامة، فضلاً عن طلال مداح، كما قدم أبو أصيل أغاني لكبار فناني الوطن العربي مثل الراحلة وردة الجزائرية.
 اشتهرت أغانيه بأنها تحمل في ثناياها الحكمة والعبر وهموم المغتربين، وعُرف عن أبو بكر سالم أنه نقل تجربته الشخصية وترجمها إلى جمهوره من خلال أغانيه التي اكتست بالطابع الأخلاقي والاجتماعي، والهموم التي يعانيها المغترب عن وطنه، وكيف لا وقد عاش هو ذاته مغترباً عن وطنه الأم، وبحكم نشأته في بيئه دينية محافظة وأسرة مثقفة، إذ كان جده أبوبكر بن شهاب من كبار شعراء مدينة تريم الغَنّاء مسقط رأس أبوبكر سالم، والتي تغنى بها لاحقا في أغنية «فرصة من العمر» من كلمات المحضار، وأيضا في أغنية «الله لطيف الله» من كلماته، و«بشراك هذا» من كلمات جده ابن شهاب.
 أصيل... ابن الفنان الراحل اختار أن يسير على خطى والده، ومضى في الطريق ذاته، وحقق وما زال يحقق حضوراً جيداً تجسد في عدد من الألبومات الناجحة، كما لديه ديوان شاعر قبل الطرب يحتوي على القصائد التي كتبها طوال مشواره الفني والأدبي منذ دخوله عالم الفن والأدب في العام 1992.
 يعتبر الفنان أبوبكر سالم من أشهر الفنانين على الساحة اليمنية والخليجية والعربية، ويلقب بـ «أبو الغناء الخليجي»، وهو أيضاً أحد الفنانين القلائل في الوطن العربي الكبير الذين نجحوا في الجمع بين الغناء والشعر والتلحين والتوزيع الموسيقي في آن واحد، ويعد بذلك فناناً شاملاً في صناعة الأغنية بأركانها الثلاثة، بالإضافة إلى التوزيع الموسيقي، كما يملك حنجرة ذهبية جعلت من صوته أندر الاصوات في العالم ،بالإضافة إلى قدرته العجيبة على التنقل بمرونة فائقة بين درجات صوته إلى الحد الذي يثير دهشة الجمهور، وهو يراه يتعامل مع حنجرته كأنها آلة موسيقية مستقلة بذاتها.
«دروب مغلقة» هو آخر ألبومات الفنان أبوبكر سالم الذي أطلقه في نهاية العام 2010. ومن أشهر أغانيه خلال مشواره الفني «يا سمار» و»عطني الحل» و»يا مسافر» و»ما حسبنا حسابه» و»أحب الفراق» وغيرها الكثير.
حصل الفنان أبو بكر سالم - الذي يُعد من أبرز فناني العالم - خلال مسيرته الفنية على العديد من الأوسمة والجوائز والتكريمات الفنية... منها «الكاسيت الذهبي» من إحدى شركات التوزيع الألمانية، وجائزة منظمة «اليونسكو» كثاني أحسن صوت في العالم، ووسام «الثقافة» العام 2003، و»تذكار صنعاء عاصمة الثقافة العربية» العام 2004.

رفقاء الدرب... ماذا قالوا؟
 قال الفنان نبيل شعيل: «فور خروجي من لقائي في محطة مارينا أف أم، صُعقت بنبأ رحيل أبو أصيل، وتواصلت على الفور مع أخي أحمد، نجل الراحل، الذي أكد لي الخبر، وطلب مني أن أوصل رسالته للجمهور الكويتي بدعواتهم الصادقة لوالده في قبره».
واستطرد شعيل: «أبو أصيل أبونا الروحي، وهو أبو الفن، وأنا أحد الذين تتلمذوا على صوته وساروا على نهجه الموسيقي الصادق، واحترامه لزملائه ولجمهوره، هو قامة وقيمة فقدناها، ولكن ما عسانا أن نقول غير: هذه هي سُنة الحياة، وهو سبقنا وعسى الله أن يُلحقنا به في خير، وما لنا غير الدعاء له بالرحمة، وأن يلهم الله أهله وذويه الصبر، وأن يطيل عمر أبنائه».
 بدوره قال الفنان عبدالكريم عبدالقادر: «مهما تكلمنا فالكلام لا يوفي هذا الفنان الكبير حقه... فهو علم من أعلام الفن الخليجي والعربي، وبرحيله فقدنا قامة فنية عالية، وإبداعاً كبيراً... وأنا قد التقيتُه كثيراً، ووجدته فناناً شاملاً صادقاً رفيع الخلق، ويكتب ويلحن كذلك، وحتى بعد رحيله ستظل محبته في قلوبنا... ولن نوفيه حقه، وهو أسطورة فنية يصعب تكرارها... وأعزي أبناءه وأسرته الكريمة والوسط الفني والجمهور برحيله».
 وقال الفنان القدير أحمد فتحي: «خبر رحيل الفنان الكبير والصديق العزيز أبو بكر سالم كان صادماً بالنسبة إلي، وبوفاته فقد الفن الخليجي والعربي أحد رموزه الكبار. أبو أصيل مسيرة عمر من العطاء الأصيل الذي أثر في إيقاع الوطن العربي، وكان مخلصاً ومتفانياً لفنه ودؤوباً في تحصيل أفضل الأعمال، وخير دليل ما قدمه مع الكاتب الراحل حسين المحضار من أغانٍ خالدة، وهو من أعطى الفن أكثر من ستة عقود من أعمال متجددة وباهرة لجمهوره ومواكبة لأذواق الناس».
واضاف: «كان ذا شخصية محبوبة عند جميع المطربين، ولم أسمع يوماً عن مناكفات أو مشاكسات كان هو أحد أطرافها، واهتمامه الوحيد انصب على فنه فقط، وأدعو الله له بالرحمة والمغفرة وأن يسكنه فسيح جناته».
من جانبه، قال الملحن القدير أنور عبدالله: «نعزي أنفسنا في رحيل المدرسة... وهو أثرى المكتبة الخليجية والعربية بفنه الجميل والأصيل، طوال سنوات عمره، ولكن هذه هي حال الدنيا والرحيل لا بد منه، وقد التقينا في عدد من المحافل... وكان متواضعاً، وهو شاعر وأديب وملحن بارع كذلك، ونعزي أبناءه وأفراد أسرته في فقده».
 أما الملحن الدكتور يعقوب الخبيزي فأعرب عن حزنه بقوله: «وفاة الراحل فاجعة بالنسبة إلينا. فهو بمنزلة أبينا الذي يعتبر (أبا الفن) ومنبعه، فقبل أيام اتصلت على ابنه أحمد، واتفقت معه على أن يحيي أبو بكر حفل يوم الأحمدي 16 فبراير المقبل، وكان محافظ الأحمدي الشيخ فواز الخالد يريد أن يحضِّر مفاجأة للجماهير، فقال لي ابنه أحمد: والدي ذبحني بخاطره يأتي للكويت لو أربعة أيام، فعندما أتت هذه الفرصة لإحياء حفل الأحمدي فرح قلبه، ولكن ليس لدينا ما نقوله إلا الرضا بقضاء الله وقدره، وندعو الله أن يجعل مثواه الجنة»، متابعاً: «لن ننساك يا أسطورة الفن، فأنت علم أجيال الغناء، وأنت الفن الأصيل للخليج والوطن العربي أجمعه».
 وقال الفنان فايز السعيد: «أحسن الله عزاءنا جميعاً في فقدان والد الفن والفنانين، وأعزي نفسي أنا لأنني كنت من المقربين عند الفنان أبو بكر سالم طيب الله ثراه، كان فعلاً يعاملني مثل واحد من أبنائه، وتجمعني علاقة طيبة معه، أدعو الله أن ينير قبره، كان حنوناً إلى أبعد الحدود، ويسارع بالاعتذار لمن يستشعر أنه حتى رفع صوته عليه، كان بالنسبة إليّ أكثر من والدي، وكان يقول لي: أنت واحد من أبنائي... الفاجعة كبيرة، إنا لله وإنا إليه راجعون».
 وعبَّر الفنان فهد الكبيسي عن تأثره برحيل الفنان الكبير بقوله: «ذهب رجل كان يمثل دفء الفن، لكنه ترك تاريخاً وتراثاً كبيرين نهلنا منهما الكثير، هذا الفنان أخذ على عاتقه التجديد والتلوين في الأغنية الخليجية واليمنية والحفاظ على الفولكلور، وكنت أحلم في يوم من الأيام بأن ألتقيه منذ بدايتي لأنه كان بمنزلة المعلم بالنسبة إلي، حتى مع أنني كنت بعيداً عنه، لدرجة أنني تعلمت منه كيف يقول العُرب وطريقة الأداء، كما أن والدي أيضاً من محبيه كثيراً، ويحرص على سماعه على الدوام».  
وتابع: «الموقف الجميل الذي جمعني بالراحل أبو بكر سالم عندما طرحت أغنية (الحب أسرار) طلبني شخصياً وزرته في منزله بالرياض بحضور عدد من الصحافيين والإعلاميين، وقال لي: (أنت فنان حقيقي)، وهي شهادة مازلت وسأظل أعتز وأتباهى بها للغاية، وحضني على تقديم مثل هذا اللون وهذا المقام، رحمه الله وألهمنا جميعاً الصبر على فراقه».
 بدورها أفصحت الفنانة بلقيس أحمد فتحي عن مشاعرها، فقالت: «أنا حزينة جداً لفراق هذا العملاق، ولكنه أمر الله وسنة الحياة التي يجب أن نقبلها راضين، ولا أخفيكم أيضاً أنني أعتبر نفسي محظوظة لأنني عاصرت الراحل أبو بكر سالم وسمعته جيداً وتشرفت بالغناء معه في (ديوان الشعر)، وكنتُ على تواصل دائم مع ابنه أحمد للاطمئنان على حالته الصحية في الفترة الماضية، ونحن برحيله خسرنا فناناً صنع إرثاً ومخزوناً فنياً وثقافياً لا مثيل لهما».
ولم يُخف الملحن عبدالله القعود حزنه الشديد على رحيل «أبو أصيل»، مؤكداً أن الساحة الغنائية فقدت عموداً من أعمدتها، لطالما أضاء ليل العاشقين بأعمال عريقة، «فرغم ولادتها في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، إلا أن تلك الأعمال عاشت فترة طويلة جداً وظلت خالدة حتى يومنا هذا، تتلقفها الأجيال، جيلاً بعد جيل».
وتابع: «إن سر حب الجماهير لأبو بكر سالم لم يكن غامضاً على الإطلاق، بل كان معروفاً لكل من يعشق الصوت الجميل والإحساس المرهف، وكان هذا السر مكشوفاً لكل متذوق للكلمة العذبة ومحباً للألحان العدنية التي تلامس المشاعر وتضرب بقوة على أوتار القلوب».
بدوره، أماط الفنان الشاب رمزي محمد اللثام عن تأثره البالغ بالأسلوب الغنائي لأبو بكر سالم، لافتاً إلى أنه يعتبره بمنزلة الأب الروحي للفنانين في اليمن، «لاسيما أن الجميع كان يسير على دربه».
وعبّر محمد عن فخره واعتزازه بأداء بعض من روائع سالم في حفلاته الغنائية والجلسات الشعبية، التي يحييها بين الحين والآخر، وقال: «لم أحيِ حفلة أو جلسة إلا وكان أبو أصيل حاضراً فيها، فهو أستاذنا وملهمنا في الغناء»، مكملاً: «أبو أصيل لم يمت، بل سيعيش بيننا مدى الحياة، صوتاً وإحساساً وأصالةً».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي