قال القاضي بهاء الدين بن شداد واصفاً صلاح الدين الأيوبي: «كان رحمه الله عنده من القدس أمر عظيم لا تحمله الجبال»، وهو كالوالدة الثكلى، يجول بفرسه من طلب إلى طلب، ويحث الناس على الجهاد، ويطوف بين الطلاب بنفسه وينادي: «يا للإسلام، وعيناه تذرفان بالدموع، ولقد هجر في محبة الجهاد في سبيل الله أهله وأولاده ووطنه وسائر بلاده، وقنع من الدنيا بالسكون في ظل خيمة تهب بها الرياح ميمنة وميسرة».
لم يهاجم صلاح الدين القدس مباشرة، لكنه بدأ بتحرير عكا ثم فتح نابلس والقيسارية وحيفا والناصرة وصفورية!
وعمل خلال تحركه على توطيد علاقته بجميع الأطراف التي تدعم مسيرته وتسانده وأشعل في الناس روح الجهاد وحثهم على ضرورة تحرير فلسطين حتى قيل إن المساجد كانت تمتلئ بالمصلين في صلاة الفجر مثل امتلائها في صلاة الجمعة!
وقد بدأ بإسقاط الدولة العبيدية الباطنية المسماة بالفاطمية في مصر، وذلك قبل أن يواجه الصليبيين في معركة حطين وينتصر عليهم ويحرر بيت المقدس من رجسهم بعد 195 سنة من الحروب القاتلة ضد الصليبيين!
إن الذين يبكون اليوم على تحويل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس مأجورون على سعيهم الشريف، ولكن دعونا نتعلم من تاريخنا بدلاً من أن نضحي بدماء أبنائنا في معركة فاشلة، فقد قطع الكيان الصهيوني المحتل خلال ما يقارب السبعين سنة مراحل كثيرة في تهويد فلسطين وطمس هويتها الإسلامية وتهجير أهلها، واستطاع الصهيوني كوشنر - زوج ابنة ترامب - أن يحكم قبضته على الإدارة الأميركية لكي يستصدر قراراً من ترامب بتحويل القدس عاصمة أبدية لإسرائيل ولنقل السفارة الأميركية إليها!
عندما بث عبدالله بن الزبير - رضي الله عنه - شكواه لأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق، رضي الله عنها - بأنه يخشى إن ظفر به الحجاج أن يمثل بجثته - أي يشوهها، أجابته بروح المؤمن الواثق بربه: «يا بني إن الشاة لا يضيرها السلخ بعد الذبح».
وهؤلاء المجرمون اليهود قد ذبحوا فلسطين مرات ومرات، فماذا يضير أهلها إن نقلوا سفارة الولايات المتحدة إلى القدس؟!
لا بد أن ندرك بأننا أمة قوية بشريعتها وأخلاقها وثرواتها، وأن دورنا التاريخي المشرف - وإن تعطل برهة من الزمن - لم ينته، ولا يمكن له أن يتوقف، فالمسلمون أصحاب رسالة خالدة والعالم متعطش لظهورهم وإمساكهم بزمام الأمور!
إن هذه الامم التافهة التي تتطاول علينا وتسومنا سوء العذاب لا تفعل فعلتها إلا بسبب إدراكهم بأننا ضعفاء وممزقون!
ولو أننا هببنا هبة رجل واحد ووحدنا كلمتنا ونظمنا صفوفنا، لما استطاعوا أن يتجرأوا علينا!
لقد قالها عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عندما كان في طريقه لفتح بيت المقدس مخاطباً أبا عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه -: «نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بغيره، أذلنا الله».