ماذا لو... ؟
بيوتنا القديمة
عندما تحيطنا الأجواء الشتائية، ونتنسم نسائمها المنعشة التي توحي برودتها بنقاء عجيب، نتذكر طفولتنا، وسني مراهقتنا الأولى، ونحن نلعب أمام بيت الجدة تحت زخات المطر، فإذا اشتد البرد وقرس الجو، احتمينا بدفء الدار المبنية بالطوب اللبن، تلك البيوت القديمة التي كانت- رغم بساطتها- تلم الجميع في حضنها، فيلتفون حول راكية الفحم، يسمعون طقطقات النار فيها، وتمتزج في الأنوف روائح الشاي بشواء الكستناء، فتسري في الأجساد قشعريرة دفء لذيذ ممزوج بهسهسات البرودة، فنستشعر جمالهما معا.
إيهٍ يا بيوتنا القديمة، كم لك من ذكريات في القلوب! ذكريات نفتقدها كما افتقدنا الألفة والمحبة الخالصة بلا غرض أو منفعة، نفتقد مساندة الجيران لنا وقت الأزمات، وطرقهم أبوابنا لاستعارة أبسط الحاجات، أتذكر يوم كنت طفلة لدي لثغة في اللسان، وما زلت أقلب حروف الكلام، أرسلتني جدتي لجارتها الحيية، التي لا نراها كثيرا بسبب عزلتها الاجتماعية، وكانت تدعى: الخالة خيرية.
أرسلتني جدتي لأستعير مصفاتها الكبيرة، ووقفت حد الباب الخشبي الكبير أطرقه بيدي الصغيرة التي لا تكاد تبين طرقتها، وقصر قامتي لا يعينني على تلمس مطرقته الحديدية المستديرة، فجعلت أنادي عليها بصوت جهوري وهي لا تجيب، وأنا لا آلو جهدا في رفع عقيرتي باسمها أعيد وأكرر، وإذ بيدي جدتي تجذباني بقوة، وتسحباني داخل الدار ووجهها ممتقع غضبا، وعنفتني قائلة: من الأدب أن تعودي إن لم يرد عليك الجار ولا تلحي عليه ليفتح لك، لا أن تنادي باسمه هكذا في الطرقات؟
لكني سمعتها تحكي الموقف لأمي عندما أتت لتصطحبني من عندها، واكتشفت أن غضبتها لم تكن لإلحاحي على الجارة فقط، وإنما لخجلها الشديد من إحراجي للجارة، لأنني كنت أنادي اسمها بقلب حرفي جعله اسما مهينا، وصارت تردد ذلك في همس لأمي وتتضاحكان خجلا.
أتذكر أيضا لما كبرت قليلا، وكانت حروفي قد تعدلت كثيرا، ذهبت لاقتراض شيء من نفس الجارة وأنا أحمل خجلي القديم مما فعلت، لكنها احتضنتني بقوة وهي تتبسم، وظلت تذكرني بذلك اليوم، وأنها لشدة خجلها من الجيران لم تفتح لي الباب، وكلما تذكرته ضحكت ملء روحها وتحسرت على أيام زمان.
آهٍ يا خالة، كم كانت أيام براءة ونقاء رغم ما فيها من تعب وشقاء، وكنا فيها تجمعنا أفراحنا، وتقوينا أتراحنا.
ماذا لو عادت تلك العادات الجميلة، التي تقرب القلوب، وتقوي الأواصر؟، ماذا لو غرسنا في أولادنا بصدق تعاليم محمد صلى الله عليه وسلم، وتوصيته بالجار؟، فقد جاء على لسانه صلى الله عليه وسلم: «مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه».
[email protected]
إيهٍ يا بيوتنا القديمة، كم لك من ذكريات في القلوب! ذكريات نفتقدها كما افتقدنا الألفة والمحبة الخالصة بلا غرض أو منفعة، نفتقد مساندة الجيران لنا وقت الأزمات، وطرقهم أبوابنا لاستعارة أبسط الحاجات، أتذكر يوم كنت طفلة لدي لثغة في اللسان، وما زلت أقلب حروف الكلام، أرسلتني جدتي لجارتها الحيية، التي لا نراها كثيرا بسبب عزلتها الاجتماعية، وكانت تدعى: الخالة خيرية.
أرسلتني جدتي لأستعير مصفاتها الكبيرة، ووقفت حد الباب الخشبي الكبير أطرقه بيدي الصغيرة التي لا تكاد تبين طرقتها، وقصر قامتي لا يعينني على تلمس مطرقته الحديدية المستديرة، فجعلت أنادي عليها بصوت جهوري وهي لا تجيب، وأنا لا آلو جهدا في رفع عقيرتي باسمها أعيد وأكرر، وإذ بيدي جدتي تجذباني بقوة، وتسحباني داخل الدار ووجهها ممتقع غضبا، وعنفتني قائلة: من الأدب أن تعودي إن لم يرد عليك الجار ولا تلحي عليه ليفتح لك، لا أن تنادي باسمه هكذا في الطرقات؟
لكني سمعتها تحكي الموقف لأمي عندما أتت لتصطحبني من عندها، واكتشفت أن غضبتها لم تكن لإلحاحي على الجارة فقط، وإنما لخجلها الشديد من إحراجي للجارة، لأنني كنت أنادي اسمها بقلب حرفي جعله اسما مهينا، وصارت تردد ذلك في همس لأمي وتتضاحكان خجلا.
أتذكر أيضا لما كبرت قليلا، وكانت حروفي قد تعدلت كثيرا، ذهبت لاقتراض شيء من نفس الجارة وأنا أحمل خجلي القديم مما فعلت، لكنها احتضنتني بقوة وهي تتبسم، وظلت تذكرني بذلك اليوم، وأنها لشدة خجلها من الجيران لم تفتح لي الباب، وكلما تذكرته ضحكت ملء روحها وتحسرت على أيام زمان.
آهٍ يا خالة، كم كانت أيام براءة ونقاء رغم ما فيها من تعب وشقاء، وكنا فيها تجمعنا أفراحنا، وتقوينا أتراحنا.
ماذا لو عادت تلك العادات الجميلة، التي تقرب القلوب، وتقوي الأواصر؟، ماذا لو غرسنا في أولادنا بصدق تعاليم محمد صلى الله عليه وسلم، وتوصيته بالجار؟، فقد جاء على لسانه صلى الله عليه وسلم: «مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه».
[email protected]