ضوء / ملامح محققة على هامش معرض الكويت الدولي

«الكتب الأكثر مبيعاً»... على منهج «الإيحاء» ونشر التسطيح

u0645u0646 u0623u062cu0648u0627u0621 u0627u0641u062au062au0627u062d u0645u0639u0631u0636 u0627u0644u0643u0648u064au062a u0627u0644u062fu0648u0644u064a u0644u0644u0643u062au0627u0628 u0641u064a u062fu0648u0631u062au0647 u0627u0644u0640 42
من أجواء افتتاح معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ 42
تصغير
تكبير
اتسعت دائرة التسطيح في الثقافة العربية إلى درجة لا يمكن- بأي حال من الأحوال- تجاهلها، والنظر إليها من منظور الظاهرة، أو الحالة الطارئة، لأنها- للأسف- تتوغل بشدة وتشق طريقها بقوة في عمق الثقافة، بغية إرهاقها، وتأكيد رخاوتها، هذا الاتساع يمكن ملاحظته بوضوح في معارض الكتب العربية عامة، وهو اتساع يأخذ أشكالا غير قابلة للتفسير، وفي تناسق لافت للنظر مع الانحدار الذي تتعرض له المعرفة بكل أشكالها.

وفي معرض الكويت الدولي للكتاب- كمثال قريب إلى المشهد الثقافي العربي الراهن- يمكن استشراف هذا الاتساع ومشاهدته خلال تجولك السريع او البطيء في أجنحة المعرض، هذا التجول سيجعلك في أجنحة بعينها مشدودا إلى النظر في الزحام الذي يجعلك غير قادر على التحرك بحرية، من كثرة الحشود- التي في معظمها شبابية- بينما في أجنحة اخرى ستجد الفراغ والصمت والهدوء وكأنك في معرض آخر غير الذي تتجول في ردهاته.

ومن ثم يدفعك الفضول للبحث في الأسباب التي جعلت من دور نشر بعينها تتمتع بالإقبال الجماهيري، وتشهد حركة بيع كبيرة، خصوصا في مسألة «الكتب الأكثر مبيعا»، فيما تظل دور نشر أخرى ليوم كامل لا تبيع كتابا واحدا.

لتكون المحصلة النهائية التي تفجعك نتائجها، وأنت تكتشف أن الازدحام الشديد على دور نشر بعينها بسبب ما تتضمن من كتب حصلت على شهرتها عن طريق الدعاية المكثفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، هذه الدعاية التي ربما تُكرس لها كل الجهود والإمكانيات المتاحة وغير المتاحة، على سبيل تأكيد وجود هذه الكتب في الأذهان بالإيحاء وليس بالتميز... وبالتكرار والتمادي في الوصف الخادع، وليس بالمحتوى الجيد، وبحشد الأقارب والأصدقاء والمتعاطفين وليس بالفكرة الخلاقة.

والسؤال: ما قيمة هذه الكتب التي حصلت على الشهرة وأصبحت- بالإيحاء- كتبا متصدرة سوق المبيعات في المعرض؟ كي تتفاجأ وأنت تتصفح هذه الكتب سواء كانت خواطر بسيطة يقدر على كتابتها أي شخص لا يمتلك إلا موهبة «فك الخط»، أو روايات تتبع أخبار العفاريت والجن، وتسرد بأسلوب مبتذل ومكشوف حكايات عاطفية سطحية، تخلو في محتواها من المنظور الأدبي الذي يدخل إلى النفس البهجة، ويحرك المشاعر في اتجاهات إنسانية وحياتية شتى، ويجعلنا نحترم إنسانيتنا ونمجد أحلامنا، ونحترم أذواقنا... أقول ستتفاجأ، لأن المسألة في مجملها غامضة، وتريد من يكشف لنا أسرارها، لأنه في الجانب الآخر من المعرض ستجد أن كتبا مهملة، لا يقربها القراء، ولا يمسها- حتى على سبيل التصفح- الجائلون في المعرض بلا هداية، ولا يقتنيها إلا قلة فليلة، يمكن إحصاء أعدادها، وهذه القلة تأتي مدفوعة بحب المعرفة، وللأسف- هذه القلة- ليست لها أي تأثير لأنها قلة صامتة، محبطة من واقع الحال، مستريحة- في بعض الأحيان- لعزلتها، مستكينة في مواقعها، لا ترفض أو تتمرد، بالقول أو الفعل، فهي تقرأ في صمت وبلا ضجيج.

ما الذي يحدث لك وأنت تريد للثقافة العربية أن تتطور في منظومتها التي تقترب من حافة السقوط- إن لم تكن سقطت بالفعل- وأنت تشاهد شخصا يرتدي قناعا وملابس تشبه الشخصية المرسومة على غلاف الكتاب الذي يعرضه على الجمهور... متجولا به أمام دار النشر المعنية بهذا الإصدار، في طريقة هزلية ورخيصة، والمفاجأة أن هذه الطريق تروق لشبابنا وفتياتنا فيسارعون في شراء هذا الكتاب من دون معرفة محتواه... فقط لأن دعايته أعجبتهم خصوصا طريقة دعايته وصور غلافه، ولكن المحتوى في هذه الحالة لا يهم.

فيما تجد الباعة- ومعظمهم من الشباب- يروجون للكتب وكأنهم في الأسواق الشعبية، لشد الانتباه، فهم يحفظون بعض ما يحتويه الكتاب من معان، تلاعب المشاعر الباحثة عن الإثارة أو الأحداث الغريبة، التي يدخل في نسيجها الشعوذة والسحر والخيال المسطح، أو الإرهاصات العاطفية المفتعلة، التي لا تنمي أي حس ولا تدفع المشاعر إلى الرقي والتطور.

إنها الجلبة والضجيج، والحضور الحاشد على كتب لا منفعة فيها ولا رجاء، وحركة شراء بدوافع غير مبررة، لا تخضع- بأي حال من الأحوال- إلى نسق معرفي حقيقي، أو منظومة ثقافية، ذات قيمة، فيما تظل الكتب الفكرية النافعة التي يقضي أصحابها في تأليفها كل أعمارهم، والروايات الجادة لكتاب نابهين ودواوين الشعر... مهملة، يتعاطى معها- فقط- أولئك الذين نطلق عليهم النخبة، إنها حالة معرفية وثقافية، ليس بمقدورنا التأكيد على أن سببها يعود إلى الفضاء الإلكتروني الشاسع الذي يتقبل الصالح والطالح في حيزه الكبير، ولكن هو الاقتناع الذي وصلنا إليه بأن هذه الحالة هي التي يجب أن تسود لأن الزمن تغيّر، والأجيال تبدلت اهتماماتها وأفكارها، ونحن لا نقدر- مع هذا الاقتناع الضارب في الألم- أننا نهدم حياتنا العربية، ونحطم أحلامنا، لنترك المجال أمام شباب آخر في مجتمعات أخرى يتثقف وينمي أفكاره، ويتطور، ويقرأ المفيد من الكتب، بينما نترك أجيالنا الصاعدة تقرأ للتسلية، وتقتني الكتب التي ترى أنها حظيت بالشهرة، من دون التدقيق في محتواها.

ومن الأمور التي تزيد من الألم والفجيعة على حد سواء... أن الكثير من الكتاب والمؤلفين والمبدعين- في ظل تصاعد إحباطاته- جنح إلى مجاراة واقع الحال، وأصبح يكتب بتسطيح شديد، كلاما لا يمت بصلة له ولتاريخه الأدبي والمعرفي، آخذا في اللهاث خلف الشهر المصطنعة، التي لن تفيدهم في شيء.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي