صدى / داء جنون العظمة ينتظر الدواء

No Image
تصغير
تكبير
عادة ما يتم تعريف البارانويا أو ميغالومانيا كمرض «جنون العظمة» لوصف حالة من أوهام غير واقعية، حيث يبالغ المصاب بتقديره لذاته وهذا المرض يعد من أقدم الأمراض النفسية في العالم، وقد صنف العلماء جنون العظمة بأنه خلل عقليّ يشعر المرءَ لاشعورياً بقوّة وعظمة غير عاديّة، فيخترع وقائع خياليَّة تتَّسق مع هذه المشاعر للهروب من الواقع الفعلي الذي يعيشه.

إن البارانويا حالة مرضية يبالغ المصاب بها بوصف نفسه بما يخالف الواقع إذ تسيطر عليه مجموعة من المعتقدات الثابتة لديه حيث تتركز على مشاعر العظمة ومشاعر الاضطهاد، ويعتقد أن له ذكاء خارقاً ويتمتع بكل الاستحقاقات والامتيازات وبذلك يصعب إقناعه بأخطائه لسيطرة حالته الصحية على كامل نقاط تخيلاته.

لم يصل العلم حتى اللحظة لسبب علمي رئيسي ينجم عنه أسباب الإصابة بجنون العظمة، ولكن ثمة أسباب محتملة للإصابة بهذا النوع من المرض، وتكرارها تمهد الطريق للإصابة، ويمكن تقسيم هذه العوامل الى نفسية واجتماعية وعضوية، وقد يصل الأمر لعوامل بيولوجية وراثية، حيث تفيد بعض الدراسات بأنه إذا كان مصاباً بجنون العظمة فإن ذلك يغدو سبباً محتملاً أكثر من غيره لأن ينتقل المرض الى أطفاله.

إذا كان جنون العظمة نتيجة مرض عقلي، فعندئذ يجب إدخال المصاب إلى مستشفى نفسي لكي يُعالج ويُعطى أدوية مضادة ومهُدئة، ويتطلب من المريض أن يستمر على العلاج لفترةٍ طويلة، وهناك علاجات أخرى للبارانويا، فالعلاج الطبي يستخدم للمساعدة على التخفيف من إشكاليات الحالة وعدم تفاقمها وبالتالي للبدء في مرحلة استجابة الشخص للعلاج النفسي، ولكنه لا يحل محله.

ولأن مريض البارانويا لا يستجيب للتأثر بالإقناع المنطقي فالعلاج النفسي يستخدم للحد من حدة قلق المريض وتجديد قدرته على الاتصال مع الآخرين ويجب على المعالج أن يكون حريصاً في تعامله مع المريض لأن المصاب بالبارانويا عدواني اتجاه الآخرين واتجاه المعالج خصوصاً، فهو يجر المعالج إلى موضوع يجهله ليثبت قصوره فتزداد مشاعر العظمة لديه.

إن التحليل النفسي لمريض البارانويا يستغرق وقتاً طويلاً، لأن المريض يغرق عادة في التفصيلات والمواضيع الفرعية إلى أن ينسى الموضوع الأصلي ولا يعود إليه. وهناك أيضاً العلاج السلوكي الذي يهدف إلى تعزيز وتدعيم السلوك التوافقي مع الآخرين ويستخدم في بعض الحالات العلاج بالعمل والعلاج الاجتماعي والعلاج الأسري والعلاج بتعديل البيئة المحيطة كأشكال مساعدة في تطوير شخصية المريض واستمرار تحسنه. ولكن يبقى العلاج النفسي دائماً الحل الأمثل.

أما من ناحية المحيطين بالمصابين في داء البارانويا فيتطلب منهم تقديراً كبيراً وتشجيعاً دائماً للوصول إلى بر الأمان، وكما قال عالم الطب الشهر ابن سينا: (الوهم نصف الداء، والاطمئنان نصف الدواء، والصبر بداية الشفاء) ولعل عوارض هذا المرض تبرز في أحيان كثيرة على من يتبؤون مناصب عليا فتنسيهم مسؤولياتهم أدوارهم الخدمية ويسلكون طريق هذا المرض الذي يبدأ حالة شخصية وفكرية الى أن تتحول مرضاً يصعب معالجته بالأطر التقليدية لذلك يستوجب الخضوع للمعالجة النفسية للتحرر من قيود الجنون وسلاسل العظمة.

* كاتبة كويتية

[email protected]

انستغرام suhaila.g.h

تويتر suhailagh1
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي