مقابلة / مديره الإقليمي أكد لـ «الراي» ضرورة تهيئة القطاع الخاص حتى يستوعب المواطنين
البنك الدولي: حجم الإنفاق الكبير في الكويت لن يستمر ولا بدّ من العمل لترشيد الدعوم للمواطنين
فراس رعد
رعد متحدثاً للزميل أحمد زكريا (تصوير سعد هنداوي)
فراس رعد: استمرار الحكومة في التوظيف بالوتيرة نفسها عملية غير مستدامة
برنامج تطوير التعليم فريد من نوعه لأنه يتسم بالشمول ويعتمد على الكفاءات الوطنية
حزمة من الإجراءات لا بدّ من اتخاذها بالمرحلة المقبلة لجذب الاستثمارات
الدعوم يجب أن توجّه لأفراد وليس لخدمات أو سلع لأنها تذهب لأصحاب الدخل المرتفع
برنامج تطوير التعليم فريد من نوعه لأنه يتسم بالشمول ويعتمد على الكفاءات الوطنية
حزمة من الإجراءات لا بدّ من اتخاذها بالمرحلة المقبلة لجذب الاستثمارات
الدعوم يجب أن توجّه لأفراد وليس لخدمات أو سلع لأنها تذهب لأصحاب الدخل المرتفع
دعا البنك الدولي الكويت إلى العمل على إنشاء نظام ضريبي حديث، مؤكداً أن «الاستمرار في التوظيف بنفس الوتيرة القائمة عملية غير مستدامة على المدى البعيد، ولابدّ للحكومة من اتخاذ الإجراءات اللازمة لتننويع الاقتصاد الكويتي».
وقال مدير البنك الدولي في الكويت، فراس رعد «على الكويت إلى جانب الدول الأخرى في الخليج أن تعمل جادة على إنشاء نظام ضريبي حديث ومتطور»، لافتاً إلى أن «حجم الإنفاق المتكرر في الكويت كبير ومن الصعب استدامته عبر المدى البعيد، لذلك يجب على الحكومة أن تفكر في الآليات لتمكينها في الانتقال من هذه الوضعية الى أخرى جديدة».
وفيما ذكر رعد في مقابلة مع «الراي» أن «على الحكومة الكويتية أن تفكّر مستقبلاً في كيفية إعادة توصيل الدعوم لذوي الحد الأدنى»، أوضح في الوقت ذاته أن «الدعوم يجب أن تذهب إلى أفراد وليس إلى خدمات أو سلع، لأنه في واقع الحال الدعوم تذهب لأصحاب الدخل المرتفع أكثر من ذوي الدخل المتوسط أو المتدني». وشدد على أنه «يجب تهيئة الأرضية في القطاع الخاص حتى يستوعب المواطنين»، مشيراً إلى أن «ثمة رزمة من السياسات والإجراءات لابد من اتخاذها خلال المرحلة المقبلة لتوفير البيئة الجاذبة للاستثمارات».
وفي الوقت الذي أشار فيه إلى أن هناك «تعاونا بين البنك الدولي والكويت في مجال المبادرات الإقليمية ومنها مساعدة اللاجئين والأطفال الفلسطينين وإعادة إعمار العراق واليمن»، أوضح أن «العلاقة بينهما علاقة شراكة قديمة ووطيدة تعود إلى عقود طويلة منذ بداية الستينات».
وفي ما يلي نص المقابلة:
• شاركت الكويت أخيراً في الاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي في واشنطن، فما أهم نتائج هذه الاجتماعات؟ مجموعة البنك الدولي استضافت هذا العام عددا كبيرا من الضيوف ما يتجاوز 10 آلاف ضيف، بمن فيهم أعضاء الوفود الرسمية من الدول المساهمة في البنك الدولي، وهم نحو 89 دولة، بالإضافة إلى ممثلي القطاع الخاص وقطاع المجتمع المدني والأكاديمي وايضاً الاعلام. وجاءت هذه الاجتماعات لتؤكد أن النمو الاقتصادي العالمي سيرتفع في هذا العام إلى 2.7 في المئة حسب تقديرات مجموعة البنك الدولي. كما كان هناك تركيز في هذه الاجتماعات على غايتين رئيستين، وهما القضاء على الفقر المدقع وتعزيز ودعم الرخاء المشترك في دول العالم بحلول عام 2035، وكذلك تم التطرق إلى استراتيجية مجموعة البنك الدولي لتمكين الدول من بلوغ وتحقيق هذه الأهداف. وترتكز هذه الاستيراتيجية على ثلاثة محاور رئيسة، حيث يتعلق المحور الأول بدعم النمو الاقتصادي المستدام والضامن لجميع شرائح المجتمع، فيما يتعلق المحور الثاني بالاستثمار في الرأسمال البشري «التربية، الرعاية الصحية السليمة والتغذية والوظائف والمهارات»، بينما يرتكز المحور الثالث على مساعدة الدول في حماية نفسها من الأزمات الطبيعية وغير الطبيعية مثل المجاعات والتغيرات المناخية وكذلك الأزمات الناجمة عن النزاعات في مناطق مختلف في العالم. وبخصوص مشاركة الكويت في هذه الاجتماعات، فقد ترأس نائب رئيس الوزراء وزير المالية أنس الصالح الوفد الرسمي، وتم مناقشة التحديات التي تواجهها الكويت، بالاضافة إلى التطرق إلى ما يحدث في أسواق النفط العالمية وتقديراتنا مرة أخرى للنمو الاقتصادي الدولي خلال السنوات المقبلة. وبشكل عام ناقشت هذه الاجتماعات المواضيع الدولية العامة والإصلاحات التي تنفذها الكويت في الوقت الحاضر، فضلا عن التحديات الاقتصادية والتنموية والتصورات لكيفية تحقيق الرؤية الأميرية التنموية بعيدة المدى، والتي ترتكز على مفهوم التنمية ومصادر الدخل وضرورة تنوعها بحلول عام 2035.
• كانت هناك مشاركة لوزير التربية والتعليم العالي الدكتور محمد الفارس في هذه الاجتماعات، فما أبرز ما تم التطرق إليه؟ كان هناك أربعة جوانب لزيارة الوفد التربوي برئاسة الدكتور محمد الفارس إلى الولايات المتحدة، فقبل ذهابه إلى الاجتماعات السنوية في واشنطن، قام بزيارة سريعة في مدينة بوسطن للمشاركة في ملتقى عالمي حول التطويرات التربوية، وتم الاطلاع على التجارب المختلفة في مجال الإبداعات والتطويرات التربوية عالميا. كما تضمنت الزيارة بعض اللقاءات مع مسؤولين في المدارس المختلفة في ولاية ماساتشوستس والتي حققت نجاحات كبيرة في قطاع التعليم العام. وبعد ذلك انتقل الوزير الفارس إلى واشنطن للمشاركة في الاجتماعات الرسمية برئاسة نائب رئيس الوزراء ووزير المالية أنس الصالح، وكان هناك نقاش معمق حول التحديات، كما تم التطرق للتصورات في القطاعات المختلفة لتحقيق الأهداف التنموية المرجوة. ولاشك أن قطاع التعليم له دور كبير في الإصلاحات في سوق العمل ومحاولة زيادة الإنتاجية الاقتصادية، فضلا عن خلق فرص عمل للمواطنين في القطاع الخاص، فلابد أن يكون قطاع التعليم جزءا من هذا الحوار العام باعتباره قطاعا استيراتيجيا مهما. وخلال زيارته إلى واشنطن، استعرض الفارس التجربة الكويتية وتم التطرق إلى المحاور المختلفة لهذه التجربة كما تحدث عن البرنامج الوطني لتطوير منظومة التعليم العام بمكوناته المختلفة والتي تشمل المنهج والمدرسة والمعلم والمسؤول. وهذا البرنامج فريد من نوعه، حيث لا توجد برامج إصلاحية يتم تنفيذها بهذه الطريقة. وأعتقد ان برنامج الكويت فريد، لانه يتسم بالشمول ويعتمد على الكفاءات الكويتية، حيث كما سعى البنك إلى توفير التجارب و بعض الكفاءات من الخارج لتعزيز ما تنجزه هذه الفرق الوطنية، حيث لاقى العرض استحسانا كبيرا من قبل المسؤولين الذين حضروا اللقاء.
• كيف تقيمون العلاقة بين مجموعة البنك الدولي والكويت؟ هناك علاقة شراكة قديمة ووطيدة، تعود إلى بداية الستينات في عهد الاستقلال، ولهذه الشراكة هناك جوانب مختلفة لهذه العلاقة عبر العقود جانب كبير ومهم يتعلق ببرامج توسع التعاون الفني. فهناك وسائل مختلفة لمجموعة البنك الدولي لمساعدة الدول، منها وحدات التمويل عن طريق القروض الميسرة أو الهبات أو عن طريق المعرفة، بما ان الكويت ودول مجلس التعاون تعتبر دولا غنية بالتركيز على الخبرات الفنية من قبل البنك والدخول في برامج مع الحكومة. وهناك جانب أخر يتعلق بالدعم المقدم من قبل الحكومة الكويتية لبرامج ومبادرات تنموية دولية على مر السنوات. وأخيراً هناك تعاون في مجال المبادرات الإقليمية، منها مساعدة اللاجئين والأطفال الفلسطنين وإعادة إعمار العراق واليمن وكذلك هناك تعاون في المشاريع الإقليمية مثل ( سكة الحديد الخليجية). إلى جانب التعاون في مجال تجارة الكهرباء والطاقة، حيث سيتم استضافة مجموعات عربية في الكويت في نهاية نوفمبر الجاري للحديث عن التجارة في الكهرباء. ونفخر كعرب أن يتولى منصب رئيس مجلس ادارة مجموعة البنك الدولي الدكتور ميرزا حسن وهو مواطن كويتي.
• بدأت الكويت في تنفيذ مجموعة من إجراءات الإصلاح الاقتصادي، كيف تقيمون هذه الخطوة؟ كما أسلفت سابقا أن الرؤية الأميرية مبنية على ضرورة ابتعاد الكويت عن فكرة الاعتماد على مورد واحد بحلول 2035، والتنوع في الموارد، فضلا عن جعل دور القطاع الخاص اكثر حيوية في تحريك الاقتصاد في البلاد. حتى نحقق هذه الرؤية لابد من اتخاذ بعض السياسات والاجراءات التطويرية. هناك جانب مهم يتعلق بتهيئة القطاع الخاص وذلك من خلال تهيئة الأرضية حتى يستوعب المواطنين، كذلك لابد من التركيز على بيئة الأعمال. وهناك جوانب أخرى خاصة بتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة لإفساح المجال للجميع للمشاركة في الاقتصاد الكويتي والمنافسة والاستثمار والتجارة وقوانين الإعسار، إضافة إلى رزمة من السياسات والإجراءات التي لابد من اتخاذها خلال المرحلة المقبلة لتوفير البيئة الجاذبة للاستثمارات ومساعدة الحكومة في خلق فرص العمل للمواطنين. وفي ما يتعلق بالقطاع العام، في اعتقادي لا بد أن تسير الحكومة إلى الأمام في ترشيد الدعوم والإنفاق على التوظيف في القطاع العام. نعلم أن الاستمرار في التوظيف بنفس الوتيرة هي عملية غير مستدامة على المدى البعيد فلابد من الحكومة تأخذ الاجراءات. والمبدأ العام الذي تؤمن به مجموعة البنك الدولي ان الدعوم يجب ان تذهب إلى أفراد وليس إلى خدمات أو سلع، لأنه في واقع الحال الدعوم تذهب لأصحاب الدخل المرتفع أكثر من ذوي الدخل المتوسط او المتدني، وهذا الواقع لا يخدم العدالة الاجتماعية. يجب توجيه الدعوم بشكل سليم وعادل.
• هل قدمتم مقترحات معينة للحكومة الكويتية بهذا الصدد؟ كان هناك نقاشات مع الحكومة حول تصوراتنا لترشيد الدعوم والمناقشات مستمرة وجارية مع وزارة المالية والجهات الأخرى. وهناك جانب مهم، وهو مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص، فالكثير من المشاريع المدرجة في الخطة التنموية الخمسية هي برامج تعتمد على الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وهناك حيز كبير في برنامج الإصلاح الذي تبنته وزارة المالية أخيراً، فوثيقة الإصلاح تركز على الإصلاحات المالية والتطويرات في مجالات الخصخصة والشراكة والإصلاحات في سوق العمل.
• ما تقييمكم للدعم الحكومي الذي يتم توفيره للمواطنين؟ لا أريد الدخول في التفاصيل، ولكن العنوان الكبير هو قدرة الكويت على الانتقال من دولة ريعية الى دولة تمكينية، بحيث تمكن المواطنين من الدخول في سوق العمل والمساهمة في تنويع الدخل. فحجم الإنفاق المتكرر كبير ومن الصعب استدامته عبر المدى البعيد، لذلك يجب على الحكومة ان تفكر في الآليات لتمكينها في الانتقال من هذه الوضعية الى اخرى جديدة. وبالعودة إلى الدعوم، فكما نعلم أن جيب المواطن ليس واحداً فهناك جيب صاحب الدخل المرتفع وجيب صاحب الدخل المتوسط، فالدعوم الآن مرتبطة ارتباطا وثيقا بنسبة الاستهلاك، وبالتالي فإن أغلبية الدعوم تذهب إلى الطبقات الأكثر حظا ولذلك نعتقد أن حكومة الكويت تفكر الآن في كيفية اعادة توصيل الدعوم بطريقة أفضل.
• طرح البعض فكرة فرض الضرائب على الوافدين المقيمين في الكويت، كيف ترون ذلك؟ نعتقد بشكل عام مرة أخرى إذا ذهبنا إلى الرؤية الأميرية أن على دولة الكويت، إلى جانب الدول الأخرى في الخليج، أن تعمل جادة على انشاء نظام ضريبي حديث ومتطور. الجميع يعلم أن حكومة الكويت في السنوات الماضية عملت على تطوير جهازها الضريبي.
• عندما نقول نظاما ضريبيا، فهل هذا يشمل المواطنين والوافدين؟ طبعا، فهذا نظام ضريبي لدولة الكويت. كان في السابق ومازال، حديث عن ضريبة القيمة المضافة، وأرباح الشركات. وعندما نتحدث عن اقتصاد متنوع المصادر فلابد ان الإنفاق العام يمول من قبل الضرائب التي ستأتي من المواطنين والمقيمين الذين يعملون في البلاد، وهذا هو التصور العام.
• هناك جدل قانوني واقتصادي كان مثارا حول قضية فرض الضرائب على الوافدين. كيف تراه؟ ننظر الى الأمور بشكل كامل وشامل، وكان لنا برنامج كبير مع وزارة المالية لتطوير النظام الضريبي. ونأمل ان يتطور هذا النظام كي يلعب دورا في توفير الموارد المالية اللازمة للكويت مستقبلا.
• هل هناك اي تعاون مع الحكومة الكويتية فيما يتعلق بالمنح الخارجية؟ هناك تعاون مع الصندوق الكويتي للتنمية في عدة مجالات، أهمها انعقاد مؤتمر اعادة إعمار العراق الذي أعلنت الكويت استعدادها لاستضافته. نحن الآن نقوم بدور مساند وذلك بالتنسيق مع الحكومة العراقية والصندوق الكويتي للتنمية ونقوم حاليا بإجراء دراسة لقياس مدى الأضرار التي وقعت في المناطق المحررة، ونأمل انعقاد المؤتمر في بداية العام المقبل في الكويت.وكذلك هناك تعاون فيما يتعلق بالبرامج في فلسطين واليمن.
قضايا ومبادرات
... مبادرة القطاع الخاص
بالحديث عن المحور الأول من استيراتيجية مجموعة البنك الدولي، كشف رعد عن مبادرة جديدة من البنك الدولي من أجل تحفيز رؤس الأموال في القطاع الخاص نحو الاستثمار في العملية التنموية في كل دول العالم وذلك عن طريق توفير آليات جديدة «الضمانات، والتأمين ضد المخاطرة السياسية»، مضيفا «نعي وندرك أهمية دور القطاع الخاص لدفع عجلة التقدم إلى الأمام وخلق فرص عمل ولذلك تريد مجموعة البنك الدولي أن تحفز هذه الأموال من خلال هذه الآليات، لذلك نعتقد أن حجم التمويل سيتم مضاعفته ربما إلى عشر أضعاف اذا تم تحفيز القطاع الخاص واستثمار أمواله في المشاريع التنموية المختلفة».
أزمة عالمية في التعليم
لفت رعد إلى أن مجموعة البنك الدولي أطلقت تقريرها السنوي من جديد والذي سلط الضوء على أهمية التعلم، وتعليق الجرس بأن هناك أزمة عالمية في التعليم يجب التصدي لها، كاشفا عن نية المجموعة لإطلاق مشروع جديد تحت عنوان «مشروع الرأسمال البشري» لتسليط الضوء على أهمية هذا الجانب وعلاقته بالنمو الاقتصادي.
وأكد رعد أهمية الاستمرار في الإصلاحات والتطويرات في القطاع التعليمي الكويتي، مضيفا «نعتقد أنه إذا واصلت الحكومة تنفيذ التطويرات والإصلاحات بوتيرة سريعة، فسيكون هناك أمل كبير لتحقيق الرؤية الأميرية».
التنمية البشرية
ذكر مدير البنك الدولي في الكويت، أن الدراسات أظهرت أن هناك علاقة وثيقة بين التنمية البشرية والنمو الاقتصادي، كما بينت أن ثلثي الفروقات في الدخل ما بين الدول سببها الفروقات في مستوى التنمية البشرية.
التغيرات المناخية
أشار رعد إلى الجهود الكبيرة المبذولة من قبل مجموعة البنك لإقرار آليات جديدة في مجال التغيرات المناخية وهناك استثمارات كبيرة لمشاريع وبرامج لتقدير مستوى انبعاثات غاز الكربون في الغلاف الجوي، لافتاً إلى الجهود المبذولة لمساعدة اللاجئين أو النازحين نتيجة أعمال العنف والنزاعات التي نشأت أخيرا وكذلك مساعدة الدول المستضيفة التي تتحمل أعباء استضافة هؤلاء الأشخاص.
وأضاف أن البنك الدولي توجه إلى إنشاء آلية دولية جديدة لمساعدة الدول في التصدي لأي أوبئة محتملة، مستشهدا بوباء «إيبولا» وآثاره المدمرة التي دامت لفترة من الزمن (عام او عامان) في المجتمعات الكبيرة في أفريقيا.
وقال مدير البنك الدولي في الكويت، فراس رعد «على الكويت إلى جانب الدول الأخرى في الخليج أن تعمل جادة على إنشاء نظام ضريبي حديث ومتطور»، لافتاً إلى أن «حجم الإنفاق المتكرر في الكويت كبير ومن الصعب استدامته عبر المدى البعيد، لذلك يجب على الحكومة أن تفكر في الآليات لتمكينها في الانتقال من هذه الوضعية الى أخرى جديدة».
وفيما ذكر رعد في مقابلة مع «الراي» أن «على الحكومة الكويتية أن تفكّر مستقبلاً في كيفية إعادة توصيل الدعوم لذوي الحد الأدنى»، أوضح في الوقت ذاته أن «الدعوم يجب أن تذهب إلى أفراد وليس إلى خدمات أو سلع، لأنه في واقع الحال الدعوم تذهب لأصحاب الدخل المرتفع أكثر من ذوي الدخل المتوسط أو المتدني». وشدد على أنه «يجب تهيئة الأرضية في القطاع الخاص حتى يستوعب المواطنين»، مشيراً إلى أن «ثمة رزمة من السياسات والإجراءات لابد من اتخاذها خلال المرحلة المقبلة لتوفير البيئة الجاذبة للاستثمارات».
وفي الوقت الذي أشار فيه إلى أن هناك «تعاونا بين البنك الدولي والكويت في مجال المبادرات الإقليمية ومنها مساعدة اللاجئين والأطفال الفلسطينين وإعادة إعمار العراق واليمن»، أوضح أن «العلاقة بينهما علاقة شراكة قديمة ووطيدة تعود إلى عقود طويلة منذ بداية الستينات».
وفي ما يلي نص المقابلة:
• شاركت الكويت أخيراً في الاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي في واشنطن، فما أهم نتائج هذه الاجتماعات؟ مجموعة البنك الدولي استضافت هذا العام عددا كبيرا من الضيوف ما يتجاوز 10 آلاف ضيف، بمن فيهم أعضاء الوفود الرسمية من الدول المساهمة في البنك الدولي، وهم نحو 89 دولة، بالإضافة إلى ممثلي القطاع الخاص وقطاع المجتمع المدني والأكاديمي وايضاً الاعلام. وجاءت هذه الاجتماعات لتؤكد أن النمو الاقتصادي العالمي سيرتفع في هذا العام إلى 2.7 في المئة حسب تقديرات مجموعة البنك الدولي. كما كان هناك تركيز في هذه الاجتماعات على غايتين رئيستين، وهما القضاء على الفقر المدقع وتعزيز ودعم الرخاء المشترك في دول العالم بحلول عام 2035، وكذلك تم التطرق إلى استراتيجية مجموعة البنك الدولي لتمكين الدول من بلوغ وتحقيق هذه الأهداف. وترتكز هذه الاستيراتيجية على ثلاثة محاور رئيسة، حيث يتعلق المحور الأول بدعم النمو الاقتصادي المستدام والضامن لجميع شرائح المجتمع، فيما يتعلق المحور الثاني بالاستثمار في الرأسمال البشري «التربية، الرعاية الصحية السليمة والتغذية والوظائف والمهارات»، بينما يرتكز المحور الثالث على مساعدة الدول في حماية نفسها من الأزمات الطبيعية وغير الطبيعية مثل المجاعات والتغيرات المناخية وكذلك الأزمات الناجمة عن النزاعات في مناطق مختلف في العالم. وبخصوص مشاركة الكويت في هذه الاجتماعات، فقد ترأس نائب رئيس الوزراء وزير المالية أنس الصالح الوفد الرسمي، وتم مناقشة التحديات التي تواجهها الكويت، بالاضافة إلى التطرق إلى ما يحدث في أسواق النفط العالمية وتقديراتنا مرة أخرى للنمو الاقتصادي الدولي خلال السنوات المقبلة. وبشكل عام ناقشت هذه الاجتماعات المواضيع الدولية العامة والإصلاحات التي تنفذها الكويت في الوقت الحاضر، فضلا عن التحديات الاقتصادية والتنموية والتصورات لكيفية تحقيق الرؤية الأميرية التنموية بعيدة المدى، والتي ترتكز على مفهوم التنمية ومصادر الدخل وضرورة تنوعها بحلول عام 2035.
• كانت هناك مشاركة لوزير التربية والتعليم العالي الدكتور محمد الفارس في هذه الاجتماعات، فما أبرز ما تم التطرق إليه؟ كان هناك أربعة جوانب لزيارة الوفد التربوي برئاسة الدكتور محمد الفارس إلى الولايات المتحدة، فقبل ذهابه إلى الاجتماعات السنوية في واشنطن، قام بزيارة سريعة في مدينة بوسطن للمشاركة في ملتقى عالمي حول التطويرات التربوية، وتم الاطلاع على التجارب المختلفة في مجال الإبداعات والتطويرات التربوية عالميا. كما تضمنت الزيارة بعض اللقاءات مع مسؤولين في المدارس المختلفة في ولاية ماساتشوستس والتي حققت نجاحات كبيرة في قطاع التعليم العام. وبعد ذلك انتقل الوزير الفارس إلى واشنطن للمشاركة في الاجتماعات الرسمية برئاسة نائب رئيس الوزراء ووزير المالية أنس الصالح، وكان هناك نقاش معمق حول التحديات، كما تم التطرق للتصورات في القطاعات المختلفة لتحقيق الأهداف التنموية المرجوة. ولاشك أن قطاع التعليم له دور كبير في الإصلاحات في سوق العمل ومحاولة زيادة الإنتاجية الاقتصادية، فضلا عن خلق فرص عمل للمواطنين في القطاع الخاص، فلابد أن يكون قطاع التعليم جزءا من هذا الحوار العام باعتباره قطاعا استيراتيجيا مهما. وخلال زيارته إلى واشنطن، استعرض الفارس التجربة الكويتية وتم التطرق إلى المحاور المختلفة لهذه التجربة كما تحدث عن البرنامج الوطني لتطوير منظومة التعليم العام بمكوناته المختلفة والتي تشمل المنهج والمدرسة والمعلم والمسؤول. وهذا البرنامج فريد من نوعه، حيث لا توجد برامج إصلاحية يتم تنفيذها بهذه الطريقة. وأعتقد ان برنامج الكويت فريد، لانه يتسم بالشمول ويعتمد على الكفاءات الكويتية، حيث كما سعى البنك إلى توفير التجارب و بعض الكفاءات من الخارج لتعزيز ما تنجزه هذه الفرق الوطنية، حيث لاقى العرض استحسانا كبيرا من قبل المسؤولين الذين حضروا اللقاء.
• كيف تقيمون العلاقة بين مجموعة البنك الدولي والكويت؟ هناك علاقة شراكة قديمة ووطيدة، تعود إلى بداية الستينات في عهد الاستقلال، ولهذه الشراكة هناك جوانب مختلفة لهذه العلاقة عبر العقود جانب كبير ومهم يتعلق ببرامج توسع التعاون الفني. فهناك وسائل مختلفة لمجموعة البنك الدولي لمساعدة الدول، منها وحدات التمويل عن طريق القروض الميسرة أو الهبات أو عن طريق المعرفة، بما ان الكويت ودول مجلس التعاون تعتبر دولا غنية بالتركيز على الخبرات الفنية من قبل البنك والدخول في برامج مع الحكومة. وهناك جانب أخر يتعلق بالدعم المقدم من قبل الحكومة الكويتية لبرامج ومبادرات تنموية دولية على مر السنوات. وأخيراً هناك تعاون في مجال المبادرات الإقليمية، منها مساعدة اللاجئين والأطفال الفلسطنين وإعادة إعمار العراق واليمن وكذلك هناك تعاون في المشاريع الإقليمية مثل ( سكة الحديد الخليجية). إلى جانب التعاون في مجال تجارة الكهرباء والطاقة، حيث سيتم استضافة مجموعات عربية في الكويت في نهاية نوفمبر الجاري للحديث عن التجارة في الكهرباء. ونفخر كعرب أن يتولى منصب رئيس مجلس ادارة مجموعة البنك الدولي الدكتور ميرزا حسن وهو مواطن كويتي.
• بدأت الكويت في تنفيذ مجموعة من إجراءات الإصلاح الاقتصادي، كيف تقيمون هذه الخطوة؟ كما أسلفت سابقا أن الرؤية الأميرية مبنية على ضرورة ابتعاد الكويت عن فكرة الاعتماد على مورد واحد بحلول 2035، والتنوع في الموارد، فضلا عن جعل دور القطاع الخاص اكثر حيوية في تحريك الاقتصاد في البلاد. حتى نحقق هذه الرؤية لابد من اتخاذ بعض السياسات والاجراءات التطويرية. هناك جانب مهم يتعلق بتهيئة القطاع الخاص وذلك من خلال تهيئة الأرضية حتى يستوعب المواطنين، كذلك لابد من التركيز على بيئة الأعمال. وهناك جوانب أخرى خاصة بتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة لإفساح المجال للجميع للمشاركة في الاقتصاد الكويتي والمنافسة والاستثمار والتجارة وقوانين الإعسار، إضافة إلى رزمة من السياسات والإجراءات التي لابد من اتخاذها خلال المرحلة المقبلة لتوفير البيئة الجاذبة للاستثمارات ومساعدة الحكومة في خلق فرص العمل للمواطنين. وفي ما يتعلق بالقطاع العام، في اعتقادي لا بد أن تسير الحكومة إلى الأمام في ترشيد الدعوم والإنفاق على التوظيف في القطاع العام. نعلم أن الاستمرار في التوظيف بنفس الوتيرة هي عملية غير مستدامة على المدى البعيد فلابد من الحكومة تأخذ الاجراءات. والمبدأ العام الذي تؤمن به مجموعة البنك الدولي ان الدعوم يجب ان تذهب إلى أفراد وليس إلى خدمات أو سلع، لأنه في واقع الحال الدعوم تذهب لأصحاب الدخل المرتفع أكثر من ذوي الدخل المتوسط او المتدني، وهذا الواقع لا يخدم العدالة الاجتماعية. يجب توجيه الدعوم بشكل سليم وعادل.
• هل قدمتم مقترحات معينة للحكومة الكويتية بهذا الصدد؟ كان هناك نقاشات مع الحكومة حول تصوراتنا لترشيد الدعوم والمناقشات مستمرة وجارية مع وزارة المالية والجهات الأخرى. وهناك جانب مهم، وهو مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص، فالكثير من المشاريع المدرجة في الخطة التنموية الخمسية هي برامج تعتمد على الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وهناك حيز كبير في برنامج الإصلاح الذي تبنته وزارة المالية أخيراً، فوثيقة الإصلاح تركز على الإصلاحات المالية والتطويرات في مجالات الخصخصة والشراكة والإصلاحات في سوق العمل.
• ما تقييمكم للدعم الحكومي الذي يتم توفيره للمواطنين؟ لا أريد الدخول في التفاصيل، ولكن العنوان الكبير هو قدرة الكويت على الانتقال من دولة ريعية الى دولة تمكينية، بحيث تمكن المواطنين من الدخول في سوق العمل والمساهمة في تنويع الدخل. فحجم الإنفاق المتكرر كبير ومن الصعب استدامته عبر المدى البعيد، لذلك يجب على الحكومة ان تفكر في الآليات لتمكينها في الانتقال من هذه الوضعية الى اخرى جديدة. وبالعودة إلى الدعوم، فكما نعلم أن جيب المواطن ليس واحداً فهناك جيب صاحب الدخل المرتفع وجيب صاحب الدخل المتوسط، فالدعوم الآن مرتبطة ارتباطا وثيقا بنسبة الاستهلاك، وبالتالي فإن أغلبية الدعوم تذهب إلى الطبقات الأكثر حظا ولذلك نعتقد أن حكومة الكويت تفكر الآن في كيفية اعادة توصيل الدعوم بطريقة أفضل.
• طرح البعض فكرة فرض الضرائب على الوافدين المقيمين في الكويت، كيف ترون ذلك؟ نعتقد بشكل عام مرة أخرى إذا ذهبنا إلى الرؤية الأميرية أن على دولة الكويت، إلى جانب الدول الأخرى في الخليج، أن تعمل جادة على انشاء نظام ضريبي حديث ومتطور. الجميع يعلم أن حكومة الكويت في السنوات الماضية عملت على تطوير جهازها الضريبي.
• عندما نقول نظاما ضريبيا، فهل هذا يشمل المواطنين والوافدين؟ طبعا، فهذا نظام ضريبي لدولة الكويت. كان في السابق ومازال، حديث عن ضريبة القيمة المضافة، وأرباح الشركات. وعندما نتحدث عن اقتصاد متنوع المصادر فلابد ان الإنفاق العام يمول من قبل الضرائب التي ستأتي من المواطنين والمقيمين الذين يعملون في البلاد، وهذا هو التصور العام.
• هناك جدل قانوني واقتصادي كان مثارا حول قضية فرض الضرائب على الوافدين. كيف تراه؟ ننظر الى الأمور بشكل كامل وشامل، وكان لنا برنامج كبير مع وزارة المالية لتطوير النظام الضريبي. ونأمل ان يتطور هذا النظام كي يلعب دورا في توفير الموارد المالية اللازمة للكويت مستقبلا.
• هل هناك اي تعاون مع الحكومة الكويتية فيما يتعلق بالمنح الخارجية؟ هناك تعاون مع الصندوق الكويتي للتنمية في عدة مجالات، أهمها انعقاد مؤتمر اعادة إعمار العراق الذي أعلنت الكويت استعدادها لاستضافته. نحن الآن نقوم بدور مساند وذلك بالتنسيق مع الحكومة العراقية والصندوق الكويتي للتنمية ونقوم حاليا بإجراء دراسة لقياس مدى الأضرار التي وقعت في المناطق المحررة، ونأمل انعقاد المؤتمر في بداية العام المقبل في الكويت.وكذلك هناك تعاون فيما يتعلق بالبرامج في فلسطين واليمن.
قضايا ومبادرات
... مبادرة القطاع الخاص
بالحديث عن المحور الأول من استيراتيجية مجموعة البنك الدولي، كشف رعد عن مبادرة جديدة من البنك الدولي من أجل تحفيز رؤس الأموال في القطاع الخاص نحو الاستثمار في العملية التنموية في كل دول العالم وذلك عن طريق توفير آليات جديدة «الضمانات، والتأمين ضد المخاطرة السياسية»، مضيفا «نعي وندرك أهمية دور القطاع الخاص لدفع عجلة التقدم إلى الأمام وخلق فرص عمل ولذلك تريد مجموعة البنك الدولي أن تحفز هذه الأموال من خلال هذه الآليات، لذلك نعتقد أن حجم التمويل سيتم مضاعفته ربما إلى عشر أضعاف اذا تم تحفيز القطاع الخاص واستثمار أمواله في المشاريع التنموية المختلفة».
أزمة عالمية في التعليم
لفت رعد إلى أن مجموعة البنك الدولي أطلقت تقريرها السنوي من جديد والذي سلط الضوء على أهمية التعلم، وتعليق الجرس بأن هناك أزمة عالمية في التعليم يجب التصدي لها، كاشفا عن نية المجموعة لإطلاق مشروع جديد تحت عنوان «مشروع الرأسمال البشري» لتسليط الضوء على أهمية هذا الجانب وعلاقته بالنمو الاقتصادي.
وأكد رعد أهمية الاستمرار في الإصلاحات والتطويرات في القطاع التعليمي الكويتي، مضيفا «نعتقد أنه إذا واصلت الحكومة تنفيذ التطويرات والإصلاحات بوتيرة سريعة، فسيكون هناك أمل كبير لتحقيق الرؤية الأميرية».
التنمية البشرية
ذكر مدير البنك الدولي في الكويت، أن الدراسات أظهرت أن هناك علاقة وثيقة بين التنمية البشرية والنمو الاقتصادي، كما بينت أن ثلثي الفروقات في الدخل ما بين الدول سببها الفروقات في مستوى التنمية البشرية.
التغيرات المناخية
أشار رعد إلى الجهود الكبيرة المبذولة من قبل مجموعة البنك لإقرار آليات جديدة في مجال التغيرات المناخية وهناك استثمارات كبيرة لمشاريع وبرامج لتقدير مستوى انبعاثات غاز الكربون في الغلاف الجوي، لافتاً إلى الجهود المبذولة لمساعدة اللاجئين أو النازحين نتيجة أعمال العنف والنزاعات التي نشأت أخيرا وكذلك مساعدة الدول المستضيفة التي تتحمل أعباء استضافة هؤلاء الأشخاص.
وأضاف أن البنك الدولي توجه إلى إنشاء آلية دولية جديدة لمساعدة الدول في التصدي لأي أوبئة محتملة، مستشهدا بوباء «إيبولا» وآثاره المدمرة التي دامت لفترة من الزمن (عام او عامان) في المجتمعات الكبيرة في أفريقيا.