دار نقاش ولغط كبير خلال الاسبوع المنصرم حول قرارات مهمة تتعلق بمحاربة الفساد، وتناولت مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية الكثير من الآراء المتضاربة حول ما يجري في بعض البلدان الإسلامية من تحركات قوية وصريحة لمنع هيمنة بعض المتنفذين على القرار في بلدانهم والاستيلاء على أموال الشعوب وتحوير كل شيء لصالحهم، فهل نصدق بأن تلك الحملات والاعتقالات التي تجري ضدهم هي حملة حقيقية لمحاربة الفساد وتطهير المجتمعات من المفسدين، أم أنه وراء الأكمة ما وراءها وأن الاهداف الحقيقية هي الصراع على السلطة وتصفية الخصوم وفرض الرأي على الآخرين؟!
لابد بداية أن نؤكد بأن غول الفساد قد أصبح يقض مضاجع الجميع وأن محاربة الفساد والتصدي للمفسدين لابد أن يكون هدف الجميع وشغلهم الشاغل!
الأمر الآخر هو أن محاربة الفساد من أصعب الامور ولا يمكن أن يتوقع من يتصدى لهذا الأمر العظيم أن يصفق له الناس أو أن يفرشوا له الارض بالزهور، بل ليس أسهل من إلقاء الاتهامات جزافا والطعن واللمز لان الفساد يتبناه كثير من الأطراف والجهات ويدافعون عنه، وقد شاهدنا كيف شكلت مافيا المخدرات في كولومبيا جيوشاً جرارة لمحاربة كل من يتصدى لهم ويمنعهم من ترويج سمومهم، وظلت الحكومة الكولومبية سنوات طويلة تحاربهم إلى أن استسلموا وتوقفوا عن حربهم!
الأمر الثالث والمهم هو أن الناس الذين عاشوا حياتهم في ظل الفساد واستمرأوه يصعب عليهم تصديق أن هنالك من يهمهم محاربة الفساد والتضحية برؤوس كبيرة من أجل تطهير بلادهم من الفساد، لذلك فان موجة الاتهامات والتشكيك سريعا ما تنال المصلحين، وقديما قالوا: «كثرة مصاحبة الأشرار تولّد في صاحبها سوء الظن بالأخيار»!
لذلك فإننا نقول لمن يشكك بنيات وأهداف من يتحدثون عن محاربة الفساد ويسطر لنا الادلة على كذب ادعاءاتهم: «ماذا تخسر إن أيدتهم وبذلت النصح لهم بدلا من تثبيطهم (وتكسير مجاديفهم) وشن الحملات الضارية عليهم، ماذا ستخسر ان وقفت معهم ورفعت شعار: (أفلحوا إن صدقوا)؟!
إن رفع الروح المعنوية لدعاة الاصلاح ومساندتهم في مسعاهم لها دور كبير في نجاح حملات الاصلاح، بل لابد من الدعاء لهم وتثبيتهم، فقد سئم الناس من تغول الفساد وانتفاشه وإجبارنا على قبول الامر الواقع وانه لا مفر منه ولا خيار لنا غيره!
لقد قاد التغيير في العالم رجالٌ كان الجميع ينظر اليهم بعين الازدراء وعدم القدرة، وها هو أسامة بن زيد - رضي الله عنه - الذي عيّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قائداً على بعض جيوش المسلمين قبل موته وهو ابن أقل من العشرين، وكلفه بالتصدي لجيوش الروم، ثم نفّذ خليفة المسلمين أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأكمل مسيرته، ها هو قد حقق الانتصارات بفضل الله تعالى وأرعب الأعداء الذين ظنوا بأن المسلمين سيخسرون معاركهم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فوجدوا أمامهم جيشاً يقوده شاب صغير وينتصر على الكفار والمنافقين!