البدر في فضاء الشعر
فراديس اللغة في نصوص الأمير بدر بن عبدالمحسن
تعتبر اللغة الشعرية هي مادة البدر، والطريق الذي به يتواصل، ويوصل شعوره للآخرين، فهي تسافر في دمه، وتمر عبر شرايينه؛ لتحلق بالأفق، وترفرف في فضاء وجدانه المتأجج، وشوقه المتشظي، معتمداً اعلى قدرته الدقيقة في التقاط كلمات، تتضمن طاقة شعورية مشحونة؛ لتتجاوز بنا إلى معان أعمق، وأدق، وأوسع، ساعياً في توظيفها وتفجيرها، في مشهد شعري جديد، متناغم، بإيقاع داخلي، ودلالة شعرية، تؤهلها لرسم صورة متميزة في لغتها الانفعالية، مقتنصاً المفردة في نسق لغوي معبر... ولذا، لا يتم ذلك إلا عن طريق الانزياح، الذي حطم من خلاله المفردة المألوفة، أو القديمة في سياقها الشعري، وتفجير طاقتها الدلالية بإيحاء جديد، محققاً ذلك بتلك الثقافة الواسعة، والمخزون اللفظي الكبير، الذي يتمتع به
يقول البدر، ذات همس وجداني شفيف:
عشقٍ... جمع مـا بيـن قـاعٍ، وغيمـه
فيض... على صدر الثرى دمـع الأمـزان
همس النديم... اللي يعاتـب نـديمـه
صوت المطر... كنـه تعاتيـب خـلان
فهذه المفردات المبعثرة، جمعها البدر، ونسجها في رؤية تركيبية تخييلية إيحائية... فنرى هنا أنه جمع المفردات التي تناسب السياق العام للمعنى، وجعلها بؤرة مركزية، يتكئ عليها في بناء النص، فلنتأمل:
(قاع، غيمة، فيض، الثرى، صوت المطر) فهذه المفردات، ذات معجم طبيعي واحد... وظفها البدر في دلالات غنية، تزيد من تماسك النص، وتشكل صورا شعرية، تعتبر اللغة أرضية اللوحة التي رسمت بها. متصلة غير منفصلة عن تجربته الذاتية، والواقعية والنفسية والمتخيلة.
إذ إن اللغة مرتبطة في حياة البدر عموماً، وكما أشار جومسكي عن اللغة بأنها: «تدخل في كل جانب من جوانب حياة الانسان وفكره، كما أنها مسؤولة إلى درجة كبيرة، عن حقيقة: أنه في العالم البايلوجي فقط، يمتلك البشر تأريخا وتطورا ثقافيا، وتنوعا ذا تعقيد معين وثراء».
ويقول من نص:
«لا تعلمني...»
ليه أحس، إني وأنا اشوفك حزين...؟
وقلبـي الليلـه بهمـي ممتلـي
كأنها الفرقى... طلبتـك حاجتيـن:
لا تعلمنـي... ولا تكـذب عـلـي
إذ نجد البدر هنا يعي أن لغة الشعر، هي من أهم العناصر، والعامل الأساس في فتح مغاليق النص الشعري، وسبر أغواره، وإدراك مكنوناته، فاستثمر المفردة الشعرية، وطاقتها التعبيرية بثيمة جديدة، وأثرانا برؤية عميقة مدهشة، باعتبار أن المفردة، حـجر الزاوية في بناء الجملة الشعرية في النص.
فلنتأمل في قوله:
«وقلبـي الليلـه بهمـي ممتلـي» فـ «ممتلي» حولت المجرد «الهم» إلى حيز ملموس، عبارة عن شدة الحزن، وكثرة الهموم التي لم يتسع القلب لها من شدة وطأتها.
كذلك: « لا تعلمنـي، ولا تكـذب عـليّ»
فنلاحظ التضاد المعنوي، بين: تعلمني، وتكذب... فهما مشحونتان بطاقة حسية وشعورية لا حدود لها.
فهذا هو البدر... يبهرنا في قدرته الفائقة على تشكيل اللغة، وإعادة تلوينها، لنحظى بصور شعرية رائعة، شكلها بلغة تعبيرية في بنائها، وانزياحية في تركيبها، متمرداً على القوالب الشعرية الكلاسيكية، التي لا تحرك في مشاعر وأحاسيس المتلقي ساكناً .
نسمعه يقول: لولا خوفي من أن تَجْفلي من غرامي...
كتبت لك بدمي على عظامي...!
فنجد أن ذروة النص وتأججه، في هذه المفارقة التصويرية، التي رسمها لنا: «كتبت لك بدمي على عظامي».
فكان لانتقائه المفردات: «كتبت، دمي، عظامي» وصياغتها بأسلوب فني تصويري مكثف، جعل الصورة هنا متخيلة، بدلالات منفتحة على ذاته الخاصة... بكل ما تحمله من رؤيا، وإيقاع شعري متناغم. فقد وظف تلك الكلمات الشعرية في سياقات جديدة، بلغة عصرية، تحمل خصائص سينمائية، بصفات تركيبية، تخييلية، إيحائية، فيقول في نص «الترامى»:
أنا ما ادري... مريت بين أصابعك رمل...
اوعلى خصلات شعرك... ماء...
كانت غبارٍ وظلما...
وكنت أطيح...
وهذا... آخر ما اتذكر...
فنلاحظ:
لفظة: (رمل / ماء) وكيف خرق المألوف السائد، وأعاد تشكيلهما برؤية تزرع الدهشة، بدلالات وإيحاءات مكتنزة، بطاقة شعرية عالية، أتت في تناغم وانسجام تام مع السياق، الذي أراد البدر التعبير عنه، بتكثيف لغوي متجانس مع أفق الرؤيا؛ للوصول لبؤرة الفكرة المركزية وتشظياتها... وكذلك المفاجأة التي صدمتنا، وأدهشتنا، في قوله: «غبار / ظلماء».
ومن تلك الخصائص والسمات، التي تحملها المفردة الشعرية عند البدر: عمقها، وجمالها الفني في الجرس والإيقاع، ودلالته على المعنى الرمزي والانفعالي، والترادف والتضاد والإيحاء والخيال، والتي من خلال هذه العوامل، وصل لنا البدر لغته الشعرية، بأسلوبه وثقافته وفلسفته، التي تؤهله لاختيار مفرداته المناسبة، لرسم الصورة الشعرية، عن طريق الاستعارة والانزياح والتشبيه.
قال الناقد بوفون:
«الأسلوب: هو الرجل نفسه»، والذي نتعرف على طريقة أسلوبه، من لغته ومفرداتها، وطريقة بنائه، وتركيبه بصورة منظمة ودقيقة.
شاب العتب... وانقطع مـا بيننا الـوارد
ولولا الندم، ما غرس فـابهامه سنونه!
والحزن سيف... على ارقاب الفرح جارد
وكل بسمةٍ في ديون الصبر مرهونـة
فتأمل ـ قارئي العزيز ـ هذه الصورة الشعرية، التي شخَّص بها المجرد، بلغة فنية جمالية عالية: «شاب العتب». وكذلك، هذه الصورة المجردة الأخرى: (ارقاب الفرح) ومدى الأفق الواسع المتفتح، على أساليب شكلية وسيميائية، متجاوزاً بنا حدود الرتابة، بلغته ورؤيته، والتداعيات الممتعة التي أحدثتها في توظيف المفردة الشعبية الدارجة، داخل النسق بروح شعرية معاصرة . وكيف سمح للدلالة بالتدفق، من كف لغته الشعرية الغنية.
أرجع وأقول: إن اللغة الشعرية عند البدر... قصيدة عظيمة، تسمو عبر لغة متفردة متجددة ، بجميع سياقاتها ومستوياتها ودلالاتها وتراكيبها، وتتميز بموسيقى وحركة داخلية، وبمعجم شعري زاخر، استطاع أن يُشكل منه مادته اللغوية: مفردات، وتراكيب، وصور، بكل إبداع واقتدار، فأتت لغته الشعرية: سهلة ممتنعة واضحة، بعيدة عن التعقيد والغموض في ألفاظها، وسطية بين العامية والعربية. وهذا سر آخر من أسرار انتشار نصوص البدر في الوطن العربي، وانبهار النخبة بهذه اللغة العالية، التي يكتب بها نصوصه، إذ إنها لغة المفارقة. تلك اللغة الحافلة بسماتها البنائية، وبتكثيفها واستعاراتها المتمردة، وبكل ما تحمله من مستويات اللغة: الصوتية، والتصويرية، والايحائية، والوجدانية، جاعلاً من الجملة التقريرية البسيطة التركيب، صوراً مضيئة، بتداعيات دلالية ممتعة، تحقق وظيفتها ومغزاها الدلالي بكل دقة ورقة.
يقول البدر، ذات همس وجداني شفيف:
عشقٍ... جمع مـا بيـن قـاعٍ، وغيمـه
فيض... على صدر الثرى دمـع الأمـزان
همس النديم... اللي يعاتـب نـديمـه
صوت المطر... كنـه تعاتيـب خـلان
فهذه المفردات المبعثرة، جمعها البدر، ونسجها في رؤية تركيبية تخييلية إيحائية... فنرى هنا أنه جمع المفردات التي تناسب السياق العام للمعنى، وجعلها بؤرة مركزية، يتكئ عليها في بناء النص، فلنتأمل:
(قاع، غيمة، فيض، الثرى، صوت المطر) فهذه المفردات، ذات معجم طبيعي واحد... وظفها البدر في دلالات غنية، تزيد من تماسك النص، وتشكل صورا شعرية، تعتبر اللغة أرضية اللوحة التي رسمت بها. متصلة غير منفصلة عن تجربته الذاتية، والواقعية والنفسية والمتخيلة.
إذ إن اللغة مرتبطة في حياة البدر عموماً، وكما أشار جومسكي عن اللغة بأنها: «تدخل في كل جانب من جوانب حياة الانسان وفكره، كما أنها مسؤولة إلى درجة كبيرة، عن حقيقة: أنه في العالم البايلوجي فقط، يمتلك البشر تأريخا وتطورا ثقافيا، وتنوعا ذا تعقيد معين وثراء».
ويقول من نص:
«لا تعلمني...»
ليه أحس، إني وأنا اشوفك حزين...؟
وقلبـي الليلـه بهمـي ممتلـي
كأنها الفرقى... طلبتـك حاجتيـن:
لا تعلمنـي... ولا تكـذب عـلـي
إذ نجد البدر هنا يعي أن لغة الشعر، هي من أهم العناصر، والعامل الأساس في فتح مغاليق النص الشعري، وسبر أغواره، وإدراك مكنوناته، فاستثمر المفردة الشعرية، وطاقتها التعبيرية بثيمة جديدة، وأثرانا برؤية عميقة مدهشة، باعتبار أن المفردة، حـجر الزاوية في بناء الجملة الشعرية في النص.
فلنتأمل في قوله:
«وقلبـي الليلـه بهمـي ممتلـي» فـ «ممتلي» حولت المجرد «الهم» إلى حيز ملموس، عبارة عن شدة الحزن، وكثرة الهموم التي لم يتسع القلب لها من شدة وطأتها.
كذلك: « لا تعلمنـي، ولا تكـذب عـليّ»
فنلاحظ التضاد المعنوي، بين: تعلمني، وتكذب... فهما مشحونتان بطاقة حسية وشعورية لا حدود لها.
فهذا هو البدر... يبهرنا في قدرته الفائقة على تشكيل اللغة، وإعادة تلوينها، لنحظى بصور شعرية رائعة، شكلها بلغة تعبيرية في بنائها، وانزياحية في تركيبها، متمرداً على القوالب الشعرية الكلاسيكية، التي لا تحرك في مشاعر وأحاسيس المتلقي ساكناً .
نسمعه يقول: لولا خوفي من أن تَجْفلي من غرامي...
كتبت لك بدمي على عظامي...!
فنجد أن ذروة النص وتأججه، في هذه المفارقة التصويرية، التي رسمها لنا: «كتبت لك بدمي على عظامي».
فكان لانتقائه المفردات: «كتبت، دمي، عظامي» وصياغتها بأسلوب فني تصويري مكثف، جعل الصورة هنا متخيلة، بدلالات منفتحة على ذاته الخاصة... بكل ما تحمله من رؤيا، وإيقاع شعري متناغم. فقد وظف تلك الكلمات الشعرية في سياقات جديدة، بلغة عصرية، تحمل خصائص سينمائية، بصفات تركيبية، تخييلية، إيحائية، فيقول في نص «الترامى»:
أنا ما ادري... مريت بين أصابعك رمل...
اوعلى خصلات شعرك... ماء...
كانت غبارٍ وظلما...
وكنت أطيح...
وهذا... آخر ما اتذكر...
فنلاحظ:
لفظة: (رمل / ماء) وكيف خرق المألوف السائد، وأعاد تشكيلهما برؤية تزرع الدهشة، بدلالات وإيحاءات مكتنزة، بطاقة شعرية عالية، أتت في تناغم وانسجام تام مع السياق، الذي أراد البدر التعبير عنه، بتكثيف لغوي متجانس مع أفق الرؤيا؛ للوصول لبؤرة الفكرة المركزية وتشظياتها... وكذلك المفاجأة التي صدمتنا، وأدهشتنا، في قوله: «غبار / ظلماء».
ومن تلك الخصائص والسمات، التي تحملها المفردة الشعرية عند البدر: عمقها، وجمالها الفني في الجرس والإيقاع، ودلالته على المعنى الرمزي والانفعالي، والترادف والتضاد والإيحاء والخيال، والتي من خلال هذه العوامل، وصل لنا البدر لغته الشعرية، بأسلوبه وثقافته وفلسفته، التي تؤهله لاختيار مفرداته المناسبة، لرسم الصورة الشعرية، عن طريق الاستعارة والانزياح والتشبيه.
قال الناقد بوفون:
«الأسلوب: هو الرجل نفسه»، والذي نتعرف على طريقة أسلوبه، من لغته ومفرداتها، وطريقة بنائه، وتركيبه بصورة منظمة ودقيقة.
شاب العتب... وانقطع مـا بيننا الـوارد
ولولا الندم، ما غرس فـابهامه سنونه!
والحزن سيف... على ارقاب الفرح جارد
وكل بسمةٍ في ديون الصبر مرهونـة
فتأمل ـ قارئي العزيز ـ هذه الصورة الشعرية، التي شخَّص بها المجرد، بلغة فنية جمالية عالية: «شاب العتب». وكذلك، هذه الصورة المجردة الأخرى: (ارقاب الفرح) ومدى الأفق الواسع المتفتح، على أساليب شكلية وسيميائية، متجاوزاً بنا حدود الرتابة، بلغته ورؤيته، والتداعيات الممتعة التي أحدثتها في توظيف المفردة الشعبية الدارجة، داخل النسق بروح شعرية معاصرة . وكيف سمح للدلالة بالتدفق، من كف لغته الشعرية الغنية.
أرجع وأقول: إن اللغة الشعرية عند البدر... قصيدة عظيمة، تسمو عبر لغة متفردة متجددة ، بجميع سياقاتها ومستوياتها ودلالاتها وتراكيبها، وتتميز بموسيقى وحركة داخلية، وبمعجم شعري زاخر، استطاع أن يُشكل منه مادته اللغوية: مفردات، وتراكيب، وصور، بكل إبداع واقتدار، فأتت لغته الشعرية: سهلة ممتنعة واضحة، بعيدة عن التعقيد والغموض في ألفاظها، وسطية بين العامية والعربية. وهذا سر آخر من أسرار انتشار نصوص البدر في الوطن العربي، وانبهار النخبة بهذه اللغة العالية، التي يكتب بها نصوصه، إذ إنها لغة المفارقة. تلك اللغة الحافلة بسماتها البنائية، وبتكثيفها واستعاراتها المتمردة، وبكل ما تحمله من مستويات اللغة: الصوتية، والتصويرية، والايحائية، والوجدانية، جاعلاً من الجملة التقريرية البسيطة التركيب، صوراً مضيئة، بتداعيات دلالية ممتعة، تحقق وظيفتها ومغزاها الدلالي بكل دقة ورقة.