صدى الكلمة

أزمة تآكل الهوية

تصغير
تكبير
حذر منذ فترة تقرير صدر عن المعهد العربي للتخطيط بعنوان «المخاطر الاجتماعية في دول مجلس التعاون وسياسات المواجهة»، حذر من الاعتماد المفرط على العمالة الوافدة، والبطالة، والتشتت الأسري وخطورة تآكل الهوية. وهذا التقرير ليس هو الوحيد فهناك تقارير كثيرة صدرت من جهات مختلفة كانت تحذر من ضياع الهوية الوطنية بسبب العمالة الوافدة التي يصل أعدادها ثلاثة أضعاف أو أكثر عدد المواطنين غالبيتهم عمالة غير عربية ينقلون عاداتهم وثقافاتهم ونظم حياتهم بطريقة تؤدي إلى مشاكل اجتماعية مختلفة.

لقد قلنا مراراً أن العمالة الوافدة العشوائية خطر اجتماعي لا ينبغي التقليل من تداعياته على الدولة، فالبطالة تسجل معدلات مرتفعة في كل الدول الخليجية، فضلاً عن ارتفاع تكلفة الخدمات والانفاق وإدارة شؤون الدولة أمام تفاقم الأعداد في ظل أوضاع اقتصادية غير مريحة تؤكدها الحكومات الخليجية بأنها ستكون الأسوأ في الأعوام القليلة المقبلة.


لكن الأخطر في كل ذلك، تداعيات التركيبة السكانية المختلفة على الهوية الوطنية سواء في أبعادها المؤثرة سلباً على تفعيل دور المواطن تجاه معالجة مشكلات التنمية، وأهمية انخراطه في مختلف مجالات هذه التنمية التي تقدرها الخطط، وتضع لها المشروعات المفترض أن تنجزها القوى العاملة الوطنية بدل استمرار الاعتماد على عمالة وافدة لها ثقافاتها وأعرافها وطبائعها التي في حالات كثيرة لا تتفق مع الاتجاهات العامة للمجتمع.

تشير الدراسات إلى أن التركيبة السكانية من العوامل المؤثرة بدرجة كبيرة في تآكل الهوية الوطنية، باعتبار أن هذه الهوية لا تعني خاصية أو صفة من دون مضمون لموجبات المحن والأزمات، وحماية مكتسباتها التي هي ليست من واجبات الوافد، ولا ننسى تداعيات الغزو العراقي للدولة عندما ساهم المواطنون في الدفاع عن الوطن مقابل الهروب الجماعي للوافدين، الذين ولا نقول الكل، كان يلعن الساعة التي جعلتهم في هذا البلد.

إن أخطر ما يواجه تآكل الهوية الوطنية، ظهور الهويات الطائفية التي تريد أن تحل مكان الهوية العامة الجامعة. فالازدواجية في الجنسية أو تزويرها هي صور تعبر عن زحف هويات جديدة، لكن هذه الهويات أيضاً تلعب على الأوتار الدينية والطائفية والقبلية منتهية كعادتها في صراعات لن تنتهي، مستغلة كما هو حاصل ظاهرة التطرف، واللعب على التناقضات بين هويات فرعية والهوية الوطنية.

هذه الأشكال من المحفزات المؤثرة في تآكل الهوية الوطنية يجب أن تكون محل اهتمامات الدولة، وأن نأخذ صفة الأولوية قبل أن تزداد الأمور تعقيداً وخطورة، خاصة وأن انعكاساتها الحالية تدل على تفاقمها وتجاهل معالجتها رغم كثرة التصريحات الحكومية تجاه معالجة التركيبة السكانية التي يرى البعض أنها تحتاج إلى عشرين سنة، بينما البعض الآخر يؤكد على معالجتها في غضون أربع سنوات.

لكن لا هذا ولا ذاك زمنياً يعفينا من مسؤولية التهاون واللامبالاة التي أدت إلى اختلالات سكانية رغم التصريحات الحكومية بأن خطة الدولة منذ خمسة عقود ضامنة لمعالجة الأزمة من جذورها، فأين نحن اليوم من الخطة السكانية التي وضعتها الدولة منذ عقود مضت؟ فلقد زادت الأحوال سوءاً لدرجة أن الكل أصبح يعاني منها، ولا أمل في تلافي انعكاساتها الأشد خطورة في المستقبل القريب.

yaqub44@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي