ضوء

سقراط

تصغير
تكبير
لا يعبر المرء النهر مرتين، فالتغيير سنة الحياة، ولا تنفصل الحركة السرمدية المستمرة أبدا عن كل زمان وكل مكان... هذه فلسفة سقراط (469 ق.م - 399 ق.م)، الفيلسوف والعالم العظيم الذي وضع مبادئ التغير والجدلية، وهو معلم أفلاطون، من مؤسسي المدرسة المثالية التي تنادي بخلود الروح والتي تقول إن الموت ليس نهاية الإنسان، فالموت إما نوما بلا أحلام، وإما انتقالا بالروح إلى عوالم أخرى جديدة.

رفض تعدد الإلهة عند اليونان، وأكد أن جهل الإنسان وخوفه هما السببان الرئيسان في الإيمان بتعدد الآلهة.


اعتمد مبدأ الحوار وتوجيه الأسئلة، كان يُعلّم الناس في الأسواق والشوارع، ووضع الأسس الأولية لمبادئ الجدلية ومناقشة الحقائق الخاصة، للوصول من خلال الحوار إلى الحقائق الكلية.

كان من أسرة فقيرة، أبوه نحاتا وأمه قابلة، وكانت مهنته غسل التماثيل، قصير القامة، جاحظ العينين، أفطس الأنف، ولكن على الرغم من قبح شكله إلا انه تملّك قلوب الناس، بروحه الجميلة وبعقله المتسائل وبقلبه المفتوح للجميع، لذلك أحبه الناس جميعا وخاصة النساء، وربما بسبب شكله القبيح كان يعتقد بأن النساء الجميلات فارغات العقول من الحكمة.

ينظر قدماء الإغريق على أن المرأة تلهث وراء ما هو زائف وبراق ولا تؤمن بالروحانيات على عكس الرجل، كما يعتقدون بأنها كائن غير موثوق به، لذلك لديهم آلهة الجمال (فينوس) خانت زوجها وأنجبت من حبيبها (كيوبيد) إله الحب.

لهذا السبب وذاك، وعلى ما أعتقد، اختار سقراط امرأة غير موفورة الجمال ليتزوجها، لكنه لم يكن محظوظا في اختياره، فلقد قلبت حياته نكدا، وكانت بالإضافة إلى قبحها سليطة اللسان وغير ذكية، ومع الزمن جاءت اللحظة التي يهفو قلبه إلى فتاة إغريقية جميلة جدا، وكانت تنتسب إلى عائلة من الأشراف، في حين كان هو من عائلة فقيرة، وارتبط معها بعلاقة حب روحية عذرية، ويقال بأنها قبل أن تلتقي بسقراط كانت معجبة بأفلاطون الفيلسوف والشاب الوسيم الفارع الطول ذي الجسم المثالي الرياضي، لكن ما ان التقت بسقراط حتى تمكّن من قلبها وعقلها. كانت إحدى طالباته وعمرها 21 سنة، وهو آنذاك في الثالثة والستين من عمره، وعندما سألها سقراط عن رأيها في أفلاطون، أجابت: ما هو إلا طفل بجانبك.

ارتبط سقراط مع حبيبته بعلاقة روحية لا مثيل لها، فلقد أحبته حبا جما ومرضت من شدة حبه، فأسرّت إلى أمها بسرها، فما كان من الأم وهي ترى ابنتها على حافة الهلاك إلا أن استدعت سقراط، وما إن دخل عليها وأمسك بيدها وقبلها على جبينها حتى أحمرت وجنتيها خجلا وعادت الحياة إلى محياها، وفي تلك اللحظة وأمام الله وبحضور الأم، أعلنا معا الزواج الأبدي.

سقراط صديق البساطة، عدو التعقيد اللفظي والمعنوي، وعلى المتحذلقين ومحبي استخدام الكلمات المعقدة والمصطلحات الصعبة أن يأخذوا درسا عنه، ظل على إيمانه ومبادئه، وكان يؤرق الحكام ويحثهم على مراعاة العدل وفعل الخير، ورفض المبدأ السائد آنذاك القائل: ان القوة تصنع العدل، والذي كان سببا في محاكمته التاريخية، واُتهم بإفساد عقول الشباب، حيث حكم عليه بالإعدام باختيار السم الذي يتجرعه، وقد حاولت حبيبته بشتى الوسائل العمل على تخفيف الحكم عنه، أو أن تثنيه عن جهره بما يؤمن، إلا انها لم تفلح.

وكانت لديه فرصة للهرب، إلا انه اختار الموت، وفضّل أن يضحي بنفسه من أجل مبادئه وأفكاره، ورفض فكرة الهرب لسببين، الأول لاعتقاده ان ذلك يعني الخوف من الموت، والثاني لإيمانه بان تعاليمه لن تلقى النجاح في حال الهرب، ويقال بأنه ما ان بلغ النبأ إلى مسامع حبيبته وزوجته الروحية بأن سقراط تجرع الشوكران وفارق الحياة، حتى اختارت نوع السم نفسه وأنهت حياتها بيدها، من أجل أن تلتقي بحبيبها وتتخلد معه في العالم السرمدي الآخر.

إن الدفاع عن مبادئ: الحق، والعدل، وبأن التغيير سنة الحياة، جعل من سقراط من الشخصيات المؤثرة والمُخلدة في التاريخ.

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي