يتمسّكون بجذورهم رغم اندماجهم الاجتماعي

أكراد لبنان يناصرون استقلال كردستان بـ... الحوار

تصغير
تكبير
زقاق البلاط البيروتي معقل رئيسي للأكراد

أكراد حصلوا على الجنسية اللبنانية عاميْ 1956 و1994
لم تكن المفاجأة غير المفاجئة بإصرار أكراد العراق على المضي قدماً في الاستفتاء على الاستقلال، حدَثاً عابراً. والـ«نعم» الكاسحة التي خرجتْ من «الصندوقة» لتعلن ان نحو 90 في المئة من أكراد العراق يؤيّدون الاستقلال في دولةٍ قائمة بذاتها، شكّلت منعطفاً تخشى دول جوار العراق من تَحوُّله «تسونامي» يؤجج حلم الأكراد في سورية وتركيا وإيران بالقفز فوق الخرائط ومعاودة رسم الدولة الكردية في المنطقة.

ورغم «المصير المجهول» لمشروع الدولة في كردستان مع تَعاظُم هجمة بغداد العسكرية، وطهران وأنقرة، لإحباطه، قامتْ «الراي» بمحاولة «جس نبض» الشارع الكردي في لبنان حيال الحلم الدفين لتلك الجماعة بـ «وطن - ملجأ» كسائر الشعوب، وموقفه مما يجري على المقلب الآخر من الجغرافيا في العراق وجواره.

فأكراد لبنان، الذين ما زالوا يحتفلون بعيد «النوروز» مع مطلع ربيع كل سنة في ظاهرةٍ اجتماعية تؤشر الى استمرار تَمسُّكهم بجذورهم، كانوا وصلوا الى بلاد الأرز قبل نحو ألف عام عندما جاء الأكراد الى ساحل المتوسط، ثم عبر هجرات لاحقة قبل ان يذوبوا ويتضاءل عددهم عن نحو 200 الف بعدما حصلوا على الجنسية اللبنانية في عاميْ 1956 و1994، وهاجَر بعضهم الى خارج لبنان، كحال الكثير من اللبنانيين.

وفي بيروت حالياً ما بين 20 الى 30 ألف ناخب من أصول كردية يتمركزون في مناطق عدة أبرزها زقاق البلاط، وصار من الصعب التمييز بينهم وبين الآخرين من اللبنانيين رغم انهم يحافظون على هوية ثقافية متمايزة ومميّزة.

زقاق البلاط، الشارع البيروتي الشعبي الذي يوازي الوسط التجاري من جهة ويَتداخل مع عمقه من الأحياء البيروتية الأخرى في الجهة المقابلة، يكتظّ بالناس وبالمباني، وتتوزّع على امتداده مقاهي المشروبات الساخنة السريعة أو «الاكسبرس» فيتحلّق من حولها الشبان والرجال. ويَظهر التداخُل الكردي ـ اللبناني في المنطقة ليس من خلال تَجاوُر المخاتير الأكراد وغير الأكراد بمكاتب تبْعد بضع خطوات عن بعضها البعض، ولا من خلال اللهجات المتنوعة والأحاديث المختلفة التي تعبّر عن اختلافاتٍ لم تَحُل دون المصاهرة والزيجات المختلطة... بل من خلال كل تلك المشهدية التي تعكس واحدة من يوميات هذا الحيّ المتطابقة والتي يصعب معها التمييز دون السؤال المباشر عن الأكراد للوقوف على رأيهم، فيأتي الجواب إشارةً بالبنان: فلان كردي، جارنا في المحل المجاور كردي، أنا كردي... أنا شيعي وزوجتي كردية، انا سنية وزوجي كردي.

سيُفاجأ مَن لا يعرف حقيقة التمايزات «الكردية» في بيروت بالنتائج التي سيلمسها على الأرض. فالسؤال عن التطورات في اقليم كردستان يجد مَن يتحمّس للتعليق عليه ويجد أيضاً مَن يبدي انزعاجه منه أو مَن يتحفظ عن الردّ عليه شارحاً أنه لا يتابع الأخبار او لا يعرف شيئاً عن التطورات. والبعض قد يكتفي بالصمت والإعراض عن الكلام.

الإجابة على سؤال «الراي» كشفتْ انقساماً في الرأي حيال التطورات واختلافاً في التعريف عن الهوية. ففي الشكل الأكراد «أكراد»، وفي المضمون يختلف الأمر. أكرادٌ «أكراد»، وأكراد عرب، والنتيجة قراءة متناقضة لمجريات الأحداث وتأييدٌ ومعارضة، قبولٌ ورفض.

خضر شيخو يبادر إلى التأكيد أنه عربي. هو من مواليد تركيا وجاء به الجوع إلى لبنان في صغره «والله أكرمنا والحمدلله». يلفت إلى أن مجيئه إلى لبنان سبق استقلال 1943 وأنه وعائلته مرّوا بحلب ثم انتقلوا إلى بيروت. وهو منذ ذلك الحين يُعتبر كردياً، لكنه في الحقيقة «ليس بكردي بل عربي يحمل الجنسيتين اللبنانية والتركية».

ويوضح: «أنا من ماردين، فكل الماردينيين عرب لكن من منطقة كردية». وبناءً عليه ينفي شيخو أن يكون متابعاً لما يحدث في اقليم كردستان، قائلاً: «إذا اهتممنا أم لم نفعل، ما الذي يمكننا تغييره»؟

خالد الذي يعمل في محل للقهوة السريعة يملكه والده يرفض الكشف عن اسمه كاملاً. هو أيضاً يُعرَّف عنه على أنه كردي لكن الشاب يؤكد أنه عربي من أصل تركي ومن ماردين تحديداً وهو وُلد كوالده في بيروت، أما الجَدّان فقد وُلدا في ماردين، وهو لذلك يحمل الجنسيتين اللبنانية والتركية، وبالتالي فإن انتماؤه للبنان وتركيا: «وأنا أؤيد (الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان»، كما يقول ليلفت إلى أنه يرفض استقلال اقليم كردستان عن العراق، مشيراً إلى أن «الحركات الانفصالية تؤثر سلباً على استقرار دول المنطقة».

على بُعد أمتار يجلس محمود فتاح إلى طاولةٍ مع جارَيْه يحتسون القهوة ويتباحثون في التطورات. الرجل، الذي وُلد في بيروت العام 1947، كُردي جاء أجداده من شرق تركيا إلى لبنان قبل زمنٍ لا يعرف مقداره «والدي وُلد في بيروت، ورحلات الهجرة تمت على دفعات، ولذا لا يمكنني تحديد أي منها حملتْ أجدادي إلى لبنان».

فتّاح الذي يترأس حزب «رزكاري» الكردي يؤكد أن ما من تمييز بين الأكراد «فالكردي كردي والعجمي عجمي والعربي عربي و ما في شي اسمو كردي عربي ولا فارسي عربي». ويشدد على أنه يتابع ما يحصل في اقليم كرستان من تطورات، موضحاً أنه «يؤيد الاستفتاء الذي تمّ، مع ضرورة قيام حوار وطني ديموقراطي وبالتالي بالتفاهم وليس بالعنف».

وعما اذا كان يؤيد قيام وطن قومي للأكراد أجاب: «هل هناك مَن يرفض أن يكون له وطن؟ لكن على أن يكون هذا الأمر بالتفاهم. فإذا كنتُ في وطن وكل العالم ضدّي سيحرقني عملاء اسرائيل».

وإذ يستغرب الاتهامات بأن قيام دولة كردستان يعني إسرائيل ثانية، يسأل: «أليس الأكراد هم مَن حرروا القدس على يد صلاح الدين الأيوبي، فكيف يكون الأكراد عملاء»؟

فتّاح ينظم سنوياً احتفالات عيد النوروز في منطقة الروشة والتي تجمع آلاف الأكراد، ويجزم في المقابل بأن «وطني هو لبنان، ولكن كقومي أنا كردي... وفي حال قيام دولة كردية سأدخلها بفيزا وسأكون ضيفاً فيها».

في محل لتعبئة المياه وتوزيعها يعمل عماد حسين الشاب الكردي السوري. فهو كان جاء قبل نحو 20 عاماً من القامشلي إلى بيروت لكسب الرزق.

ورداً على سؤال «الراي» عمّا إذا كان يتابع التطورات الميدانية في اقليم كردستان، يقول: «بعض الشيء»، لافتاً إلى أنه «يؤيد استقلال الإقليم عن العراق». لكن اهتمامه منصبّ تماماً الآن على الوضع في سورية، آملاً في أن يستتب الأمن وأن تتوافر فرص العمل ليعود إلى بلاده... «هناك في القامشلي».

البحث عن مزيد من الأكراد في زقاق البلاط يقود إلى «دارة أبو ابراهيم» التي يعرفها كل سكان الحي ويساعدون الباحث عنها في الوصول إليها.

«الدارة» التي تقع في حيّ يحمل اسم أحد الرجال الذي رحلوا قبل زمن عن هذه الدنيا، يلج إليها قاصدها من مدخل ضيّق يكاد يبدو خاصاً بأحد المباني لكنه في الحقيقة يدلف إلى تجمع سكاني تتكدس فيه الغرف المتلاصقة والتي تسكنها عائلات مختلفة. في المبدأ هنا يقطن أكراد من المنطقة ولكن حقيقة الأمر أن كثيراً من الأكراد هاجروا إلى أوروبا قبل أعوام وأن نازحين سوريين من غير الأكراد يقطنون هذه البيوت المتواضعة.

الحاجة بديعة مراد علي خان التي ينادي عليها جيرانها لتستقبل الزوار تنادي بدورها على ابنة خالتها سلمى لتُدلي بما لديها. السيّدتان عربيتان من ديار بكر. والد بديعة جاء قبل عقود من تركيا ولم يخدم «العسكرية»، ثم نزل وزوجته بعد أعوام إلى الشارع مطالبين برحيل الانتداب الفرنسي عن لبنان. أما والد سلمى فقد شارك - حسب ما تقول - في رفْع العلم اللبناني عند الاستقلال على سطح البرلمان.

تؤكد بديعة وسلمى أنهما لا تتابعان ما يحصل في كردستان، وتشيران إلى أن ما يحدث لا يعنينا. ورغم أن بديعة لا تحمل الجنسية التركية إلا انها لا تنسى جذورها «وأنا أحب أردوغان». تقول جازمةً، وتلفت إلى أن كل الأكراد في هذه الدار عرب باستثناء جارة واحدة ليست عربية ولها رأيها مما يحدث في كردستان... ولكنها خارج المنزل حالياً.

عبر الهاتف أكدت رئيسة رابطة «النوروز» الثقافية الاجتماعية حنان عثمان في اتصال مع «الراي»، أن «أكراد لبنان يباركون هذا اليوم التاريخي للشعب الكردي، فهذا حلم يراود أي كردي ويدغدغ وجدانه وشعوره بالانتماء الكردي بعيداً من تناقضات البيت الداخلي الكردي، فنحن نعتبر أن من الحق الطبيعي لأي شعب أن يرسم مستقبل بلده وأن يحدّد مصيره بنفسه من دون أن يُملي أي شخص آخر إرادته عليه»، شارحةً: «تلك هي حقوق الشعوب في كاتالونيا، في إيرلندا، اسكوتلندا وأينما كان... نحن مع حق الشعب بتقرير مصيره بنفسه».

وأضافت: «الشعب الكردي يعيش على أرضه التاريخية، فهذا بلده ووطنه ولا يعتدي على أرض غيره، وبالتالي من حقه إجراء استفتاء ورسْم خريطة الطريق التي تناسب مصلحته»، سائلةً: «لماذا كل هذه التهديدات والهجمات الشرسة بحق الشعب الكردي»؟

وعما يُقال عن أن انفصال كردستان سيهدد استقرار المنطقة ويخدم اسرائيل، أجابت: «هذه اتهامات غير صحيحة، فليس للشعب الكردي أي علاقة مع اسرائيل. بل على العكس يَعتبر أن اسرائيل دولة محتلة ويرى أنها لعبتْ دوراً دنيئاً جداً في اعتقال الزعيم عبدالله أوجلان، والأكراد بالتالي لا ينوون أبداً تحطيم الدول العربية».

وتداركتْ: «مع ان هذه الأرض أرضنا وقيام دولة قومية هو حلم كل كردي، إلا أننا بالمفهوم الأوجلاني ضدّ تأسيس دولة قومية عنصرية كردية، لأن الدول المجاورة حينها ستعاديها وسيتم ارتكاب مَجازر بحق الشعب الكردي. لذا نحن مع العيش المشترك واللا مركزية التي تعيش فيها كل الشعوب بتنوع ثقافاتها وألوانها بعيداً عن أي قهر ثقافي أو اعتداء جسدي».

وشرحتْ: «هناك عداء كبير للشعب الكردي. فإذا أسس الأكراد دولتهم القومية الخاصة بهم في العراق لن تُحل المشكلة، فالعقلية الأردوغانية والدولة الصفوية الإيرانية سيقومان بأي شيء وسيرتكبان المجازر كما فعل نظام صدّام، فلا قوانين أو مواثيق دولية تحافظ على الشعب الكردي وحقوقه. لهذا نرى أن تأسيس دولة قومية كردية في ظل هذه الصراعات الدولية والتفتيت الذي تشهده المنطقة ليس بالخطوة الصائبة»، مشددةً على أن «الحل بالعيش المشترك وبالكونفيدرالية بين كافة الشعوب وليس باقامة دولة كإسرائيل التي تعزل نفسها عن العالم».

ورأتْ أن «الحلّ بإنشاء مؤتمرٍ وطني كردي يضمّ كافة الأطياف الكردية وأن يتوحّد الصوت الكردي ويتم ترتيب البيت الكردي فتكون هناك كونفيديرالية حقيقية وليس كتلك التي كانت قائمة في العراق، حيث لم يأخذ الأكراد حقوقهم الاقتصادية والثقافية بالمعنى الحقيقي للكلمة».

عثمان التي أكدت «أن لدى الأكراد في لبنان ميولاً قومية وطنية كبيرة جداً وآمالنا بأن يصل الشعب الكردي إلى تحقيق مبتغاه بالحصول على حقوقه الثقافية والاجتماعية»، أشارتْ في المقابل إلى أن «الأقلية الكردية والتي يقارب عددها مئتي ألف لبناني - كردي تعيش في لبنان وانتماؤها لبناني وتشعر بأنها لبنانيّة وتتمتع بحقوقها الثقافية، مع العلم أنه يجب أن تكون هناك خطوات إيجابية أكثر لتعزيز تمثيل الأكراد في السلطات».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي