ماذا لو... ؟

المفلسون

No Image
تصغير
تكبير
كثيرون هم المفلسون في زماننا، فأينما أجلت بصرك وقع على أحدهم، والغريب أنهم أنفسهم لا يشعرون كم حجم إفلاسهم، ولا مدى تداعي أرصدتهم الفعلية، وفوق ذلك هم راسبون أيضا في اختبار الحياة، تلك الحياة التي تجمعهم مع غيرهم سواء أبوا ذلك أو قبلوه.

لا أدري لما تملؤني الشفقة عليهم، والحزن على أحوالهم، والغضب والاستنكار من أفعالهم، والتعجب والدهشة من تقديري للنتائج التي يحصدونها، ويلقون أضرارها على رؤوس الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى أنهم مسالمون، فالمفلسون ربما ما تجد أكثر تمسكا بالعبادات منهم، لكنهم نسوا أن الحياة والدين المعاملة، فهم ربما نجحوا بجدارة في العبادة، لكنهم رسبوا بمهارة في فن المعاملة.

ويؤكد ذلك وصَفَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- للمُفلس عندما سأل صحابته عنه، فأجابوه بأنه الذي لا درهم له ولا متاع، فجاءت نظرتهم له مادية فحسب، فأجابهم صلى الله عليه وسلم بأنه:

يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيامٍ، وزكاةٍ (وكلها عبادات تقربه من ربه)، لكنه صحب معها الكثير من السلوكيات المشينة، فيأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا.

تلك السلوكيات ترعى في جسد العبادات التي تقرب بها لربه، وتأكل حسناته جميعا فيصبح من المفلسين: «فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار».

فهو مهما اجتهد في العبادات، واجتاز حدودها بنجاح، إلا أن إخفاقه في المعاملات مع الناس أضاع جهده وقضى عليه، وفي المقابل، فإن الشخص الذي حسُنَ خُلُقُه وتميزت معاملاته بالرقي، تجده قد بلغ درجة الصائم القائم بحُسن خُلُقِه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم».

فالعبادات لا تستقيم من دون حسن الخلق، وتلك الشعائر التي لم تُثمر أخلاقاً فاضلة، علينا أن نراجع أنفسنا فيها؛ ونرصد كيف نؤديها، فينبغي أن تنهي الصلاة عن الفحشاء والمنكر والبغي، ولابد للزكاة أن تطهرنا وتزكينا، أما الصيام فقال فيه الحبيب المصطفى: «من لم يدَع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»، فالعبرة ليست بالجوع ولا العطش، بل بما ينتج من حُسن الخُلُق.

كل العبادات إذن أثمرت خُلُقاً حسناً، وسلوكاً قويماً، عندما يمارسها المرء كما ينبغي لها أن تمارس، ويلزم نفسه بما تحثه عليه، لكن أن يؤديها بلا روح، ويفرغها مما فيها من خير، فوالله لقد صدق فيه قول الله: «الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا»، وانطبق عليه وصف المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه من المفلسين.

ماذا لو توقفنا مع أنفسنا قليلا، لنعيد النظر في سلوكياتنا، وتعاملنا مع الآخرين؛ ساعين بذلك لنيل رضا الله سبحانه، فما من شيءٍ أثقل في ميزان العبد يوم القيامة مِن حسن الخلق.

hanaank64@yahoo.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي