عبدالله كمال / ... ولكن / سيناء... الأمل والألم!

تصغير
تكبير
لابد أن نعيد في مصر دراسة الموقف في سيناء على أسس مختلفة، تقوم في الأصل على برامج إعادة تأهيل اجتماعي وثقافي، وتنهي هذا الوضع الذي يتصاعد يوماً تلو الآخر، ويجده الكثيرون فرصة لممارسة العبث، وآخر العبث تقرير أصدرته منظمة حقوقية أميركية، بدا فيه كما لو أنها تريد منا أن نتوقف عن مراقبة حدودنا، وأن نتركها لعبور اللاجئين الأفارقة، ومن خلف ستارهم المهربون.
ماذا نواجه في سيناء؟
نواجه في مصر، تحديات لها علاقة بالحدود: موضوع الأنفاق وما يثيره من مشكلات سياسية، موضوع المعابر وماله من ارتباطات إقليمية وتوابع متنوعة، ملف التهريب عبر الحدود بشرياً، وغيره، خاصة من اللاجئين الأفارقة الراغبين في الهرب إلى إسرائيل، وربما كان هناك غير ذلك.
نواجه كذلك تحديات لها علاقة بأمور ذات أبعاد اجتماعية وقبلية، على مستوى إحساس لدى القبائل بأنهم مختلفون ويجب ألا ينصاعوا للقانون، وفي ذلك هناك أمور عديدة، يجب ألا تقال.
نواجه أيضاً الأطماع، سواء كانت من الأشقاء أو من الخصوم، وهذه نحن على وعي بها، وندرك أبعادها، ولم تعد تخفى على أحد. نواجه تحديات تخص التأثيرات الخارجية، التي تجعل من موضوع سيناء مستهدفاً إعلامياً وحقوقياً، حيث تمارس بعض الجماعات والدول نوعاً من العبث، وفي هذا لا أفرق بين الضغط الذي تمارسه منظمة حقوقية أميركية، وبين الضغط الذي يمارسه بيان تحذيري تصدره الجهات الإسرائيلية بخطورة السفر إلى سيناء، كلاهما ضد مصالحنا.
وليس بعيداً عن ذلك الإعلام المصري الخاص، والفريق الجاهل منه، الذي يجد في مجريات الأمور وتفاعلاتها فرصة لانطلاق الإثارة دون وعي استراتيجي أو قومي، ولا ينتبه إلى ما يفعل، وقد كان هو إحدى الأدوات التي نفخت في المشكلة الاجتماعية داخل سيناء. ونواجه تحدي حماية العملية الاقتصادية، التي تسير في الجنوب بوتيرة أسرع منها في الشمال، كما نواجه تحدياً لسلطة الدولة، واجتراء لا ينبغي السكوت عنه، كما حدث في الأيام القليلة الماضية.
أعتقد أن جميع الأمور قيد معالجات متنوعة، والتحديات نتعامل معها بنوع من التعقل، لكن الموضوع الاجتماعي - القبلي يحتاج إلى نظرة جديدة، بالطبع لا أظن أن الأمر له علاقة بمسألة الفقر، إذ مع كامل الاحترام للقبائل فإنها لا تواجه مأساة، في ضوء ما يتوافر لديها من اقتصاد حلال، أو حتى اقتصاد حرام، لكن الأمر يقتضي الإسراع بعجلة التنمية، وخاصة على المستوى الثقافي، وزيادة معاملات الارتباط والانتماء.
إذا كنا في حاجة إلى توفير عوامل جذب سكانية إضافية، تدفع بأهل الدلتا إلى مزيد من التوطين في سيناء، وليس مجرد العمل المؤقت، فإن ملفات الاستثمار في جميع مناطق سيناء، يجب أن تحظى بجهد أكبر في إطار خطة شاملة، ومن المهم أن تخضع سيناء إلى تعامل إعلامي خاص، كأن تكون لها قناة تلفزيونية موجهة إليها دون غيرها، ومحطة إذاعة، ومؤسسات ثقافية، رسالتها الأساسية تعميق الانتماء والرضوخ لسلطة القانون، ومدارس إضافية، يكون في مناهجها مكونات تخص تنشئة الجيل الجديد من أهلنا في القبائل.
والأهم أن المخزون الثقافي لدى العقلية المصرية حول سيناء، لابد أن يتدعم ويتوثق، على مستوى الدراسات المتنوعة، وخاصة الإنثروبولوجية، فضلاً عن ضرورة زيادة النشاط الثقافي المرسخ للشخصية المصرية في جميع مناطق شبه الجزيرة، ولا أعتقد أنه من الصعب أن نمنح امتيازات خاصة إضافية لإنشاء الجامعات والمؤسسات المختلفة في سيناء مقارنة بغيرها.
والأكثر أهمية أن العمل السياسي هناك، لابد أن يتفاعل بصورة أكبر، ويترسخ حزبياً لا قبلياً، وبحيث نرى جهداً ملموساً لأعضاء حزب الغالبية، والنواب الممثلين في البرلمان الذين لا نسمع لهم صوتاً في أغلب الأحوال.
ولا أريد أن أقول إنه لابد من صرامة أكبر، تقابل ما جرى قبل أيام، لكن معدل الاهتمام الحكومي لابد أن يزيد، بحيث يستهدف مزيداً من ارتفاع معدلات التنمية، ولو أدى هذا إلى إنشاء مدينة جديدة، ففي كل مصر نشأت مدن حديثة إلا سيناء، بغض النظر عن تطويرات الجنوب منها، وهذا كلام أعرف أنه يحتاج إلى تمويل، قد يكون صعباً، ولكنه يقتضي المحاولة.
لا ينبغي أن تكون سيناء موضع ألم بالنسبة لنا، بل مقصد الأمل وموضع تحققه.
عبدالله كمال
رئيس تحرير «روزاليوسف» ومستشار «الراي» بالقاهرة
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي