جاسم بودي / الرأي اليوم / يا سيدي الأمير آن أوان التغيير

تصغير
تكبير
مفارقة مؤلمة ان يخاطب سمو الأمير العالم، ومن أرفع منبر دولي، عن ضرورة سيادة ثقافة الحوار ونبذ التعصب والتعايش الخلاق لإعلاء مصلحة الإنسان، في الوقت الذي كانت الحياة السياسية الكويتية تموج بكل ما يعاكس خطاب الأمير... تنابذ بين أبناء البيت الواحد، اتهامات، طعن، تجريح، تصادم، تهديد، تعصب، تطرف، تعطيل للتنمية ولمصالح الإنسان.
لا بأس، ليست المرة الأولى التي تكون فيها رسالة الكويت الخارجية اقوى من حقائقها الداخلية، ومع ذلك فنحن معنيون بتحصين الداخل لأنه إذا انهار، لا سمح الله، فلن تكون هناك رسالة ولا صوت.
في الأيام القليلة السابقة يا صاحب السمو عشنا ما يشبه الحرب السياسية. نستيقظ على تهديد باستجواب وننام على تهديد بالحل، وبين التهديدين كل انواع الأسلحة وراجمات الصواريخ والقوات الزاحفة بالتصريحات والاتهامات والتجريح على القيم والأصول وضرورات التعاون.

تغيرت المسائل والقضايا واساليب المواجهة وادواتها ووصلنا إلى ما كنا نحذر منه دائما من ان نهج التراجع العام في الحياة السياسية (لا بين المجلسين فحسب) سيؤدي إلى التصويب على رئيس الوزراء... وربما إلى غيره غدا.
انها مشكلة نظام سياسي يا صاحب السمو وليست مشكلة أسماء أو أشخاص. اليوم جنسيات وبورصة ومصاريف وديوانيات وزيادات، وغدا ستجد الأزمة عناوين أخرى وأدوات أخرى وأهدافا أخرى. مشكلة تلد مشكلة وانهيار يعقبه انهيار والسبب بكل بساطة ان جهاز المناعة يضعف أمام المرض وان الفيروسات مهما كانت ضعيفة تنتشر بقوة وتستوطن.
جهاز المناعة يا صاحب السمو يكتسب قوته من قوة النظام السياسي، فإذا أصيب الجهاز بالضعف فسينعكس ذلك على النظام نفسه، خصوصا إذا امتلكنا شجاعة الاعتراف بأننا ربما لم نعد نعرف اهمية التكاتف والتلاحم في الازمات كما حصل مع امم ومجتمعات كثيرة تماسكت تحت ركام الانهيارات المالية والاقتصادية. نعم يا سيدي الأمير، فتراكم الاخطاء اوصلنا إلى ما نحن عليه في الحكومة والمجلس وقد يوصلنا غدا إلى ما هو أسوأ.
صرنا نعيش حالة انفصام شخصية متقدمة جدا بين ما هو مطلوب للكويت وبين القدرة على تنفيذه. بح صوت الجميع في ضرورة استغلال الفائض النفطي لتطوير التنمية ولم ينجز مشروع واحد في هذا الاطار وها هي اسعار النفط تتراجع. تحدثنا عن تحويل الكويت مركزا ماليا في المنطقة فيما الكويت هي الدولة الوحيدة في العالم التي تحارب اطراف في طبقتها السياسية من أجل عدم تنفيذ القانون وتشريع المخالفات من البناء إلى الرياضة. تحدثنا عن استراتيجية تعليم متطورة وبعض مدارسنا بلا طاولات. تحدثنا عن قطاع صحي متقدم بموازنة تعادل ربما موازنة دول صغيرة في العالم الثالث فيما مستشفياتنا وخدماتنا تفتقر إلى الصحة، وربما كانت الكويت ايضا الدولة الوحيدة في العالم التي تشهد اكبر نسبة مبتعثين للعلم والعلاج في الخارج... ولن نزيد.
المشكلة ليست في الاسماء ولا في الرموز يا صاحب السمو. فلن نتوقع تغييرا لا في الحكومة ولا في المجلس ما دام النظام السياسي لن يفرز سوى ما يشبه الوقائع على الأرض. بمعنى اوضح، اذا كانت مناعة النظام الاجتماعي ضعيفة امام العناصر القبلية والطائفية فلن يصل إلى المجلس القادر على تجاوز هذه العناصر من اجل الكويت ككل، وإذا كانت مناعة النظام السياسي ضعيفة امام عناصر الانقسام والتشتت والمصالح الخاصة فلن يصل إلى الحكومة القادر على تجاوز هذه العناصر من اجل الكويت ككل. والشيء بالشيء يذكر في ما يتعلق بالاقتصاد والقانون والخدمات.
والمشكلة الأكبر يا صاحب السمو هي الركون إلى هذا المنطق والقول ان هؤلاء هم المتوافرون حاليا في الميدان. صحيح، لكن حدود الميدان ومساراته وقوانين عمله هي الخطأ وليس الأشخاص، لان هذه الحدود رسمت خطأ، ولأن المسارات مصممة لتعود إلى بداياتها وتلتف حول نفسها، ولأن قوانين العمل ما هي بقوانين بل اعراف بنيت على امراض اجتماعية وسياسية وخدماتية. وهل ينكر احد ان الحياة السياسية ما زالت محكومة بحزب اسمه الحكومة وحزب آخر اسمه المجلس والعلاقة بين الحزبين قائمة إما على التهدئة من خلال تمرير المعاملات والصفقات تحت شعار القانون... وإما على الحرب من خلال تعقيد المعاملات والصفقات وتحت شعار القانون نفسه؟
المواطن العادي يا صاحب السمو صار يعرف الحكاية واصلها وفصلها، فهو إما يتحين الفرص ليغادر ويكتسب العلم والعمل، وإما ينخرط في النظام القائم بكل اخطائه اقتناعا منه بأن التغيير بعيد وأن عليه اعالة اسرته، وإما ينسحب من المشاركة في الحياة العامة ويقف متفرجا على القصف المتبادل بين السلطتين بالصواريخ العابرة للاصول. والحالات الثلاث خطأ. وحتى نعيد لهذا المواطن ثقته بالنظام والمستقبل ونستفيد من طاقاته في الحياة العامة علينا ان ننهي له حالة الانفصام بين الشعار والواقع وان نقدم له جرعات التغيير في النظام السياسي بغض النظر عن الاسماء والشخصيات.
علينا يا صاحب السمو ان نفتح الحلقة الضيقة التي تغلف حياة المواطن، ان نطلق المزيد من الاصلاحات والتعديلات والتغييرات لارساء مناخ اكبر من الحرية المسؤولة والديموقراطية الهادفة التي تصحح نفسها بنفسها. علينا تأمين السبل المثلى لتوسيع المشاركة السياسية مثل تعديل قوانين التمثيل في اتجاهات الانصهار الوطني لا القبلي والطائفي والمناطقي ولو اقتضى الأمر جراحات جذرية يسمح بها الدستور الذي تضمن ما يسمح بتعديله لمزيد من الحريات والاصلاحات. علينا تأكيد السيادة المطلقة للقوانين والأنظمة وانهاء ظاهرة حزبي الحكومة والمجلس وقيام كتل ورؤى وورش عمل همها الاول والاخير التنمية ومصلحة الإنسان. علينا الدفع في اتجاه صراع البرامج الوطنية التي تخدم الكويت لا البقاء اسرى صراع الاشخاص والشخصيات والأجندات الخاصة التي تخرب الكويت... ولا بأس يا سيدي، واعذرني على صراحتي، لا بأس من ان نبدأ ايضا بالأسرة فننهي التدخلات السيئة والصراعات الأسوأ، لاننا نريد القدوة في الحكم والحكم ارتضيناه لآل الصباح.
سيدي صاحب السمو، انها من أكثر المفارقات إيلاما ان يستمع العالم بكل تقدير واحترام واستفادة واعجاب لكلمتكم القيمة عن ثقافة الحوار والتعايش والتنمية والبناء على ما يجمع ونبذ ما يفرق، فيما طبقتنا السياسية تمارس عكس ذلك. الفارق يا سيدي ان بعضاً ممن توجهون خطابكم اليه لا يعيش انفصاما في الشخصية ويرغب فعلا في الاستفادة من كل اضافة حكيمة جديدة لأن جهاز المناعة في نظامه يتمتع بالقوة ويسمح بتقبل التطورات الايجابية، أما نحن فمشكلتنا ستستمر إن لم نطور النظام السياسي، ومشكلتنا ستتفاقم إن وصلنا إلى مرحلة الاقتناع بأن ما نعيشه حالياً هو أفضل الموجود.
باختصار يا صاحب السمو، إذا لم يتغير النظام السياسي في اتجاه سيادة مؤسسات أكبر من الأفراد، فالأفراد سيأكلون المؤسسات... والنظام.
جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي