شهدنا الأسبوع الماضي حدثين محليين أثارا جدلاً واسعاً في الدواوين وفي مواقع التواصل الاجتماعي، وهما تطبيق نظام البصمة على جميع موظفي الدولة في القطاع الحكومي، وكذلك فرض الرسوم الجديدة على الوافدين في القطاع الصحي.
سأسلط الضوء في هذا المقال على الحدث الثاني. يقول أحد الأصدقاء في حديث شيق في أحد الدواوين، إنه في أثناء زيارة له لاحدى الدول العربية قبل عامين، شعر بصداع شديد، فطلب من حارس العمارة من خلال الهاتف أن يذهب للصيدلية ويحضر له (بندول). يضيف صديقنا: تفاجأت عندما سمعت جرس الباب بعدها بدقائق قليلة، وإذا بالحارس يناديني. سألت نفسي هل استطاع بهذه السرعة أن يحضر لي الدواء؟
وأضاف: قلت لنفسي ليس مهما أن أعرف، الأهم أنني سأحصل على البندول وسينتهي بعدها الصداع. فتحت الباب وإذا بالحارس يقول لي: تفضل البندول. المفاجأة كانت أنه كيس وزارة الصحة الكويتية، وأن البندول هو ذاته الذي يصرف من المستوصفات. سألته بسرعة من أين لك هذا؟ فأجاب بنفس سرعة سؤالي: دائماً يعطوننا إياه أقاربنا إذا جاءوا من الكويت كهدية!
ما أن أنتهى صديقنا من قصته، حتى جاء صديقنا الثاني ليقول، أن أحد الموظفين لديه تعرض لحادث مروري قبل فترة، وكان يجب إزالة قطعة الحديد من يده بعد أن تستقر حالته الصحية. كان يسعى لمراجعة المستشفى هنا في الكويت وتقرر أن تكون عمليته يوم الأحد الماضي، وأخذ نتيجة لذلك أسبوع إجازة لإجراء العملية.
يضيف: جاء الموظف يوم الأثنين إلى العمل وقرر قطع إجازته. سألته: لماذا لم تجر العملية؟ كانت الإجابة أن العملية مكلفة بالنسبة إليه وأنه يمكن تأجيلها حتى موعد عودته إلى بلده، حيث انها أرخص هناك ولا توجد عجلة في ذلك!
شخصياً، كنت أعاني كثيراً عندما كنت أراجع عيادات الجلدية الحكومية، حيث كنت أنتظر كثيراً حتى يصل موعدي. كان المحزن في الموضوع أن الغالبية العظمى من الوافدين، وحسب ما يدعيه الدكتور المعالج، تأتي لعلاج مشاكل حب الشباب! وأنا متيقن اليوم أنني في المرة المقبلة لن أنتظر لفترة طويلة حتى أدخل عليه مرة أخرى، كما كان هو الحال في المرات السابقة!
ربما هذه القصص تعطي انطباعاً واضحاً عن حجم الخسائر التي تعانيها وزارة الصحة من جراء تقديم العلاج المجاني للوافدين على حساب مصلحة الخزانة العامة للدولة! لا أدعو هنا إلى التفريق بين المواطن والوافد، ولا أدعو أيضاً إلى «تطفيش» الوافدين كما يسعى البعض من دون مبرر علمي مدروس، ولكن حالات الهدر غير المعقولة في استخدام أجهزة وزارة الصحة ومعداتها وفي صرف الأدوية من دون حاجة، وكل ذلك من دون مقابل... غير معقول!
في المقابل، أرجو أن يتم النظر بعين الرأفة في الحالات الخطرة التي تحتاج إلى علاج لحظي وأن تتم مراعاة ذلك، على الأقل في الوقت الحالي، حتى يستطيع شريكنا الوافد التأقلم مع الوضع الجديد. كما أرجو أن تقوم الدولة بسن قوانين تلزم أصحاب العمل التكفل بمصاريف علاج موظفيها من العمالة الوافدة ذات الأجور المنخفضة التي لا تستطيع تحمل رسوم العلاج، حتى تتمتع بالعيش الكريم، ولكن كل ذلك يجب ألا يكون على حساب الدولة!
[email protected]