رأي / ما تبقى للجنة السوق

تصغير
تكبير
قبل سنوات قليلة، قررت إمارة دبي تأسيس مركز مالي عالمي يأخذ مكانه في منتصف الأرض بين بورصات الغرب الكبرى وبورصات الشرق. كان القرار الأهم الذي اتخذ بلا تردد لتحقيق الهدف، تعديل الدستور، نعم، تعديل دستور الإمارات العربية المتحدة، الذي لم يجد الإماراتيون سبباً أكثر أهمية لتعديله منذ نشأة الدولة الفيديرالية في 1973، من إنشاء مركز مالي عالمي.
قضى التعديل بألا ينظر في أي من القضايا المتعلقة بسوق المال العالمي أمام المحاكم الإماراتية، بل أمام سلطة الرقابة الإشرافية في المركز، لما في ذلك من عناصر اطمئنان للمستثمرين المحليين والأجانب.
لا يجوز الانطلاق من المثل الإماراتي للدخول في مداخل النقد للسلطة القضائية الكويتية، أو الانتقاص من دورها المكفول بالدستور، ولا للمقارنة بين الطموح الإماراتي والطموح الكويتي بالتحول إلى مركز مالي وتجاري إقليمي، لكن آن الأوان لتقال الأمور كما هي، إزاء السوابق القضائية التي لم يشهد العالم مثلها.
- تحييد الأسهم أو رفع التحييد عنها يحسم في المحاكم.
- إدراج الشركات بات شأناً يقرر في ساحة القضاء.
- العقوبات بحق الشركات المدرجة ومسؤوليها يحسم أمرها بأحكام قضائية.
- زيادات رؤوس الأموال وضوابطها باتت شأناً قضائياً.
- والآن بات وقف التداول أو استئنافه مسألة قضائية.
لا بد من رفع القبعة للقضاء الذي لا يستنكف عن بحث أي قضية بضمير قانوني بحت، لكن ما تبقى للجنة السوق المالي ولإدارته من استقلالية؟ وبأي القضايا تفصل السلطات الاقتصادية إذا كانت المصلحة الاقتصادية تقرر في المحاكم؟
في المنطق القانوني لا تستقيم المقارنة بين الكويت والدول الـ200 الأعضاء في الأمم المتحدة، لكن في المنطق الاقتصادي يجوز التساؤل، هل يعقل أن يكون وقف التداول شأناً اقتصادياً فنياً تبت فيه هيئات سوق المال وإدارات البورصات وتشذ الكويت وحدها عن هذه القاعدة؟
هذه «وول ستريت»، وهذه بورصات لندن وباريس وفرانكفورت وهونغ كونغ وطوكيو... وهذه بورصات الأسواق الناشئة والخليج ومصر والأردن ولبنان. لماذا لم ترفع أمام القضاء في أي من هذه البلدان دعاوى مشابهة؟ لماذا وقف التداول في بلاد الله كلها مسألة فنية إلا في الكويت، مسألة قضائية؟
ليست المشكلة في القضاء ولا في المحامين الذين يغريهم التحدي المهني كما تغريهم الشهرة. بل المشكلة في الضعف الذي يعتري السوق، وليس غياب «هيئة السوق» إلا مظهرا من مظاهر هذا الضعف.
ليس من الملائم الاستطراد هنا، لكن من المفيد لفت الأنظار إلى حاجة الكويت إلى استقلالية أكبر للمؤسسات الاقتصادية، وهذا مطلب قديم لغرفة تجارة وصناعة الكويت (لو تذكرون). فالمشكلة ليست فقط مع البورصة، بل تطول جوانب أخرى من الحياة الاقتصادية بشكل لا تعرفه أي من البلدان المتقدمة. ويمكن التذكير هنا بالقضايا التي رفعت ضد البنك المركزي في شأن قرارات هي من صميم صلاحياته في الرقابة على البنوك.
ليس في كل ما سبق محاججة قانونية ولا سعي للنيل من نزاهة القضاء، بل محاولة للقول إن تداخل السلطات والصلاحيات في الشأن الاقتصادي، كما هو سائد الآن، لا يمكن أن يوفر بيئة ملائمة لتحول الكويت إلى مركز مالي إقليمي، أو ما هواقل من ذلك بكثير.
المحرر
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي