تحت غطاء الأوامر العسكرية

تصغير
تكبير
قبل مدة قصيرة أصدر قائد المنطقة الوسطى أمرا عسكريا بانشاء «السلطة الثانية ليهودا والسامرة»، وهي خطوة لتقليد السلطة الثانية للإذاعة والتلفزيون. هذا الأمر نشر ردا على التماس للعليا ضد قرار إعطاء ترخيص لاقامة إذاعة للمستوطنين بحجة أنه لا يوجد للسلطة الثانية للبث حق في المناطق.
هذه الخدعة القانونية لم تثر أي اهتمام تقريبا: مئات «أوامر قائد المنطقة» السابقة استنسخت منذ زمن جهاز الحكم والقضاء والإدارة في إسرائيل، وحولت المناطق إلى مناطق ملحقة بإسرائيل. ولكن هذا الجهاز اقيم من أجل مصالح الإسرائيليين وخدمتهم فقط.
من يتمعن في «أوامر قائد المنطقة» الذي يعتبر حسب الوهم الإسرائيلي الزائف المرجعية السيادية في المناطق، لا يمكنه أن لا يتأثر من الاجتهاد والمواظبة والأحكام والطاقة الفكرية التي بذلت من أجل صياغتها من أجل هدف واحد ووحيد: توفير غطاء قانوني لائق لنظام الاستبداد وعدم الشرعية.
ليس هناك مظهر لم تتم معالجته على يد الضباط الشبان المواظبين الذين يخدمون في جهاز القانون العسكري، هم لن يحظوا بفرصة سن القوانين التي تؤثر على حياة الملايين من الناس في الظروف العادية، قوانين بلا كوابح، أو توازن، أو فصل للسلطات، هؤلاء الشبان يصوغون قوانين «جنرالية» تتردد محكمة العدل العليا حتى في انتقادها.
عدم الشرعية الأساسية التي ينطوي عليها إحداث تغيير جوهري لنظام قائم مع استخدام صلاحية الحكم العسكري، الذي يحظر بصورة صريحة تغيير هذا النظام يتسبب في الحاجة لبلورة مظلة قانونية مصطنعة لتغطية عورات النظام المفروض. هناك انطباع سائد بأن هذا النظام الذي يتعرض للملاحقة ويفتقد للشرعية يسعى إلى الاختباء من وراء أكوام من الورق، هو يشغل نفسه بحيل بيزنطية من أجل إباحة نظام الحاكم والمحكوم وراء غطاء من الاحتياجات الأمنية، وبذل جهود لطمس الفوارق بين سلطة القانون التي تجسد التمسك بمعايير العدالة والمساواة، وبين الحكم بواسطة القانون الذي يحول قضية الحفاظ على القوانين ذاتها، حتى وإن كانت استبدادية وعشوائية وغير عادلة، إلى قيمة عليا.
بالإضافة إلى الكم الهائل من الأوامر الضرورية وغير الضرورية هناك هدف آخر: حرف أنظار معارضي هذا النظام عن الجوهر، وجرهم للتركيز على التفاصيل والأمور الهامشية. تجربة أعوام الاحتلال تشير إلى مدى نجاح هذه الاستراتيجية القائمة على حرف الأنظار.
الدليل الدائم على ذلك هو كفاح دوائر اليسار ضد البؤر الاستيطانية غير القانونية، أو «غير المرخصة»، التمييز بين المستوطنات القانونية وتلك غير القانونية هو أمر لا أساس له من الصحة وسبب للتضليل، لأنه لا توجد أي مستوطنة قانونية في المناطق، وفقا للقانون الدولي نفسه الذي يرتكز عليه ادعاء قائد المنطقة الوسطى بالسيادة على المناطق. ولكن رجال القانون في النظام نجحوا في تكريس التمييز بين المستوطنات المرخصة وغير المرخصة من حكومة إسرائيل (الذي هو ترخيص غير قانوني أصلا). في غياب قوة سياسية قادرة على اخلاء المستوطنات يحاول المعارضون اللجوء للقضاء، وبذلك هم يسقطون في شرك النظام ذاته الذي يلعب في الساحة القضائية وكأنها ساحته الخاصة لأنه هو الذي صاغ قواعدها وبإمكانه أن يلجأ إلى تغييرها دائما.
خيرة الباحثين يبذلون جهودا هائلة منذ أعوام طويلة لتحليل ونشر منظومة القوانين الظالمة، هم يقومون بكشف الجهاز القضائي الاستبدادي بمهارة ولا يدركون أن هذا الجهاز يستمتع باهتمامهم به ولأنهم يضيعون طاقاتهم من دون أن يحدثوا التغيير المطلوب، ذلك لأنهم إذا نجحوا (والفرصة لذلك ضئيلة جدا) فسينشر «أمر جديد لقائد المنطقة». وإذا نجحوا في إثارة معركة شعبية فسيتهمون بالدعاية المناهضة لإسرائيل، ويعملون على اغراق المسألة في بحر الضجر والنسيان.
الكلاب تنبح والقافلة تسير والرفوف مليئة بالتقارير والدراسات، وكل جيل يكتشف من جديد الحقائق المدينة حول أساليب نهب الأراضي وبناء المستوطنات، وكل ذلك يتواصل كالمعتاد. يجب الاعتراف بأن ظاهرة «تقارير المتابعة» قد استنفدت ذاتها، والمكافحون ضد نظام الاحتلال مطالبون بالاختيار بين أمرين: الدعوة إلى الكفر بالقوانين «الجنرالية»، والشروع في عصيان مدني غير عنيف، أو المطالبة بالتوقف عن استنساخ القوانين وتطبيق القانون الإسرائيلي على المناطق المحتلة كاملا بما فيه قواعده التشريعية الديموقراطية.
ميرون بنفنستي
«هآرتس»
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي