ليس كل الشعراء هم شعراء السلاطين. كان هناك نوع آخر من الشعراء، مدرسة كاملة في الشعر العربي منذ العصر الجاهلي.
يروى عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - أنه وصف الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى، بقوله: لا يمدح الرجل إلا بما فيه، مدرسة الشعراء الصادقين بهتت في عصور عديدة وتسيَّد الساحة الشعراء المّداحون، يقرضون الشعر ويقبضون.
في المدرسة الشعرية الكويتية كان عبد الله الفرج أشبه بزهير بن ابي سلمى، إن لم يكن تفوق عليه في هذه الخصلة، فهو، ليس فقط لم يمدح ليتكسّب من الآخرين بل كان ينفق ما لديه على الآخرين، ويقال إنه أضاع ما يملكه من ورث أبيه، وكان كثير، من شدة الإنفاق.
في إحدى أمسيات الربيع الكويتية، كان عبدالله الفرج يمشي في أحد شوارع الترابية وبيده كيس مملوء بالمال لا يعرف هو نفسه كم فيه، وصادف أن قابلته في الشارع نفسه إحدى الفرق النسائية للغناء، ولما رأته الفرقة عرفته فسارعت بالغناء له، فما كان من الشاعر إلا أن رمى على نساء الفرقة الكيس بما يحويه.
جدتي رحمها الله، وكانت حافظة للقرآن الكريم والشعر، كانت معجبة بشعر عبدالله الفرج، وقد أسمعتني في طفولتي قصائد مؤثرة له، ومنها قصيدة في رثاء عمته آمنة التي توفيت بعد عشر سنين من وفاة أختها عائشة عام 1880 ميلادي. ويبدو أن شاعرنا سبق أن فُجع قبلها بخمسة أحباب... يقول:
الله من خطب دهانا بالأبكار
ادعى القلوب تشب فيها السعاير
يا موت حسبك من تسقيه الأمرار
كاسات ليعاتي تفت المراير
واريت لي في ما مضى خمسة أقمار
واليوم هذا السات بقية الذخاير
والعبد لو حلق كما طائر طار
اللي كتب باللوح يأتيه زاير
وقد أبدع الفرج بالزهيريات التي لها طعم خاص في الأدب الخليجي، كما أبدع بالشعر، فينشد متغزلاً:
الجسم عندي وروحي عندهم تبري
وسيوف اهل الهوى بمفاصلي تبري
ما ظن جرحي يطيب او علتي تبري
احنا مقيمين وأنتم كل يوم بدار
عبدالله الفرج، مقيم دائم في قلوب أهل الكويت، رحمه الله.
[email protected]