نسمات

جولة في لبنان وسراييفو!

تصغير
تكبير
بتوفيق من الله تمكنت هذا الصيف من زيارة لبنان والبوسنة والهرسك، وهما بلدان مهمان لهما تاريخ عريق ويتشابهان كثيراً في طبيعتهما الجبلية ومناخهما الشرق اوسطي المعتدل صيفا وكثرة انواع المزروعات والفواكه، ويمر بهما العديد من الأنهار!

لكن التشابه الأهم بين لبنان والبوسنة هو في تعدد الأديان والمعتقدات، فالإسلام بشقيه السني والشيعي في لبنان، والنصارى الكاثوليك (الموارنة) والنصارى الأرثوذكس الشرقيين والنصارى الأرمن والنصارى البروتستانت، والدروز!


أما في البوسنة، فهنالك المسلمون السنة والصرب الأرثوذكس والكروات الكاثوليكيون، وتبلغ نسبة المسلمين أكثر من 51 في المئة بينما الصرب أقل من 30 في المئة والكروات حوالى 15 في المئة، هنالك خط تم رسمه وسط السوق في مدينة سراييفو وصورة معلّقة كتب عليها «التقاء الثقافات» وتبرز الصورة صوراً لمسجد كبير وكنيسة كاثوليكية وكنيسة ارثوذكسية ومعبد يهودي لا تبعد عن الخط المرسوم إلا بضعة كيلو مترات داخل سراييفو!

يشترك لبنان والبوسنة في أن مكونات هذين البلدين من الطوائف والاحزاب قد شعروا بأنهم قادرون على أخذ نصيب أكبر من كعكة البلد، وهزيمة الآخرين، فأما في لبنان فقد اشتعلت فيه الحرب الاهلية المدمرة عام 1975 والتي بدأت بالنزاعات مع الفصائل الفلسطينية ثم بين عناصر الشعب اللبناني بجميع طوائفه، واستخدم فيها جميع أنواع الأسلحة، ولم تبق مدينة لبنانية لم تصلها الحرب، ولم تتوقف الحرب إلا بعد 15 عاماً من القتل والدمار، أدرك الشعب اللبناني بعدها أن لا خيار لهم إلا بالجلوس إلى طاولة المفاوضات وحقن الدماء، وعقدوا اجتماعاً في الطائف أعادوا بموجبه نفس تركيبة الحكم السابقة بالرغم من التغيرات الديموغرافية الكبيرة التي طرأت على لبنان!

أما في البوسنة والهرسك، فقد أعلن علي عزت - رئيس البوسنة استقلال دولته بعد استفتاء الشعب البوسني، لاسيما وأن يوغوسلافيا قد تجزأت إلى سبع دول بعد موت الرئيس تيتو، ولكن صربيا وكرواتيا رفضتا ذلك الإعلان وغزتا البوسنة وراحتا تقتلان شعبها من دون رحمة، ومنها ملحمة سربنيتسا التي قتل فيها 8 آلاف مسلم، ما أعطى المسلمين دافعاً قوياً للدفاع عن أنفسهم والتصدي لأعدائهم، وقد شاهدنا ملحمة الصمود في سراييفو والبوسنة منذ العام 1992 إلى 1995 عندما تدخلت جيوش الولايات المتحدة وأوروبا بعقد اتفاق ديتون - الولايات المتحدة الذي قسم الحكم في البوسنة بين المسلمين والصرب والكروات بنسب متساوية في مجلس ثلاثي لا يملك فيه أحد من الاطراف الثلاثة القرار منفرداً!

المهم هو أن هاتين الدولتين قد توصلتا بعد تجربة قاسية بأن التعايش السلمي والقبول بالآخر هو الحل الوحيد وأن الصراع من أجل إلغاء الآخر لا يمكن أن يحل مشاكلهم!

بالطبع فقط أهملت في هذا السرد السريع بيان دور التدخلات الخارجية في تأجيج الخلاف وفرض الهيمنة الخارجية على أطراف النزاع، كذلك لم أذكر بأن المسلمين السنة كانوا دائماً هم الطرف الأضعف والأكثر تعرضاً للاضطهاد!

أتمنى أن تكون في تلك القصص عبرة للمغامرين الذين ما زالوا يراهنون على تدمير بلادهم وجرها للحروب من أجل الهيمنة على القرار فيها!
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي