ذكرت الدراسات الأميركية أن نسبة قليلة لا تتجاوز 5 في المئة من خريجي الجامعات حققوا حلمهم في تبوؤ مناصب قيادية في المؤسسات العاملة هناك أو بلوغ غايات قد رسموها بعد تخرجهم. هؤلاء المبدعون أنعم الله عليهم بصفة حسن التخطيط المستقبلي الذي لا يشكل صعوبة مع حسن الإدارة بعد توفيق الله وحسن البصيرة، وبلا شك، فإن البيئة الصالحة ساعدتهم في تحقيق أحلامهم الاستراتيجية!
ولو راجعنا طبيعة المؤسسات في الدول العربية التي تحتل مراتب متأخرة في الشفافية، نظراً إلى كثرة العراقيل التي أصبحت حجر عثرة أمام الخطوات الإصلاحية لوجدنا النسبة أقل بكثير، فالفساد الإداري نتاج أفعال ارتكبتها أيادي إخوان لنا نجدهم في النقاش من أروع المبدعين، وهم في حقيقة ممارساتهم للسلوك الإداري والقيادي بعيدين كل البعد عن معالم الإبداع التي ظهرت عبر تنظيرهم اللا محدود.
إن الحاجة تدفع الطالب المبدع إلى التفوق...وعندما يتقدم بشهادته إلى سوق العمل يجد الوظيفة غير المناسبة وتدفعه الحاجة إلى قبولها، والبعض الآخر قد يصل إلى مشارف الوظائف القيادية، وهنا يكمن السر في تفشي الفساد الإداري. إن الذي لا ظهر له ولا نفوذ له مصير مجهول وإنتاجيته معدومة والمؤشرات كثيرة، والأمثلة متوفرة في قطاعاتنا المتعددة.
إن السلوك القويم لقادة الغد لا يجدون الطريق سالكة أمامهم، ولن يكتشفهم المعنيون بالأمر من الإصلاحيين، لأن طبقة الفساد الإداري برجاله قد بنت سداً منيعاً لا يسمح لهم بإظهار عطاءاتهم الإبداعية!
إن القول المأثور «يا بني لا تكن رأساً فإن الرأس شديد الأذى» بيّن لنا المعاناة التي يعيشها النخبة من أبنائنا، فهم حتى لو وصلوا إلى أعلى المناصب، فسرعان ما يجدون الإيعازات والإيحاءات الضالة تأتيهم من مرؤوسيهم فإن صمدوا فمصيرهم التدوير أو الضغط الإداري أو العزلة التي تنتهي بعزوف الكفاءات عن مناصبها. هذا يتوسط لذاك وذاك يفرض اسماً على مسؤول وتستمر حالات «الشخبطة» القيادية السمجة في غربلة قطاعاتنا.
لقد شاهدنا الممارسات وطريقة الاختيار في الأحقية بالمناصب سواء حسب منظومة «هذا ولدنا»، أو هذا لا يصلح من دون إبداء الأسباب هي السائدة!
إن مستوى الرضا الوظيفي في مستويات متدنية بالنسبة إلى أصحاب الخبرة كون الساحة الإدارية لم تعد مهيأة بحسن الاختيار والإبداع فيها يعتبر ضرباً من الخيال إلا ما ندر. لو سألوني: هل تحلم بمنصب كبير؟ ستكون الإجابة حتمية: لا!
إن المنصب الذي لا يأتي لصاحبه تقديراً لعطائه فلا حاجة للواسطة أو النفوذ. الرجال أفعالها وأخلاقياتها لا تسمح بأن تكون تحت رحمة «الواسطة» أو «الشللية» أو أي نوع من الضغوط أو خلافها من الأدوات المستخدمة لبلوغ المناصب الكبيرة حيث الاحتكاك مع علية القوم!
والسؤال الأخير هو: هل منظومتنا الإدارية جاهزة لتبني الكفاءات ومنحها الفرصة؟... لا أعتقد، فشتان بيننا وبين البيئة الإدارية المعمول بها في أميركا وغيرها، إذ تجد الكفاءات حسن التقدير والرعاية... والله المستعان!
تركي العازمي
كاتب ومهندس كويتي
[email protected]