لو أنه مع كل تصعيد واستجواب نجد حل المجلس أو استقالة الحكومة مخرجاً فهذا يعني أن الحياة الديموقراطية في الكويت دخلت نفقاً مظلماً لن تخرج منه. وتعدد الاستجوابات له ما يحفزه فإما أن يكون السبب في وجود تجاوزات في الجهة التنفيذية وإما أن الأمر يحمل موقفاً سياسياً خاصاً بالنواب المستجوبين.
المعالجة بحاجة إلى عقلاء حكماء يجيدون التعامل مع متغيرات الحياة ومتطلبات الشارع الكويتي: ولكن كيف؟
من وجهة نظرنا المتواضعة، نجد الجميع على قناعة كاملة بأن الخدمات في حال يرثى لها، والخطط الحكومية لم تلبِ احتياجات الشارع الكويتي، وهناك تباين في وجهات النظر في شأن القضايا المطروحة، وهذا التباين سببه يعود إلى عدم معرفة الجهتين التنفيذية والتشريعية بكامل فصول التعامل السياسي معها على نحو سليم.
إن الجهة التشريعية المتمثلة في مجلس الأمة لديها أدوات رقابية تعاين طريقة تعامل الجهة التنفيذية، أي الوزراء، مع القضايا المطروحة، والتي تعتبر الخدمات أحد أهم قضاياها، إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية والإدارية والقيادية ومركز الكويت الذي نحلم أن نوصله إلى مركز تجاري عالمي.
أما في الجانب التنفيذي فنجد كل وزير يحاول قدر استطاعته كسب رضا النواب، وما كل مجتهد مصيب من دون توفير خطة واضحة الأهداف يعمل وفقها. ولأن النواب لم يحاولوا رفع معنويات الجانب الحكومي من خلال المطالبة والمساهمة في توفير خطة عمل تحاكي متطلبات الشارع الكويتي يتفق عليها الجانبان، ومحددة، لها فترات زمنية، للتنفيذ، صارت المنهجية الديموقراطية المتبعة أشبه باصطياد الأخطاء!
إن الفرصة الآن تعتبر مواتية لمعرفة مكامن الخلل والاعتراف بها، وبالتالي يكون بمقدور الحكماء العقلاء الوقوف عند هذا المفترق والمطالبة بورشة عمل تجمع الجانبين مع رجال الاختصاص من داخل المنظومة الحكومية والبيوت الاستشارية التي يفترض أن تكون قد أعدت خطة العمل الحكومية ووضعت الاستراتيجية السليمة لتنفيذها.
هذه الورشة بإمكانها توضيح معالم الخطة الحكومية ويستطيع النواب التعليق عليها وتعديل ما يمكن تعديله على بعض جوانبها، حسب الأولويات التي يتفق عليها الجانبان.
وعلى أثر هذا الاتفاق، يكون كل وزير مسؤول عن الجزئية الخاصة بالجهات المسؤول عنها، وتكون هناك تقارير دورية يتم رفعها إلى رئيس مجلس الوزراء تبين إنجازات كل وزارة، ومن ثم يتم عرضها على مجلس الأمة.
إذاً، نستخلص من هذا العرض البسيط أن حل مجلس الأمة لا يحل المعضلة في ظل الثقافة الديموقراطية الحالية، وعلى الحكومة والنواب المبادرة في فهم الأسباب المؤدية إلى حال التأزيم، وذلك من خلال دراسة فورية للوضع التشغيلي ومستوى القيادة وإنجاز خطة عمل حكومية تناقش في ورشة عمل تجمع الفريقين.
هذا السلوك الاستراتيجي يبعد الدوافع الشخصية، فالنائب أمامه وزير مسؤول عن أهداف معينة، والمكاتب الاستراتيجية هي العين الرقابية لمجلس الوزراء على أداء كل وزير وتصحيح الأخطاء قبل أن تتعقد وتصبح مشكلة تثار بعدها الأسئلة النيابية والاستجوابات، رغم أنهما أداتان دستوريتان لا يستخدمهما النائب إلا بعد توافر معلومات تفيد بوجود خلل ما في وزارة أو هيئة معينة.
لقد تركنا البلد يسير على خطى غير استراتيجية وتدخلت الأهواء النفسية في تحليل بعض القضايا، مما أوصل الممارسة الديموقراطية إلى مستقبل مجهول لا يستند على رؤية واضحة تمكن الطرفين من مناقشة القضايا!
ان غياب وزارة التخطيط أكبر خطأ تم ارتكابه، وعدم معالجة المشاكل من جذورها في حينها ساعد في تراكم المشاكل، والحل الوحيد عرضناه بايجاز، وكنا قد طالبنا في توفير قاعدة التخطيط الاستراتيجي في مقالات سابقة، ولكن قدر الله وما شاء فعل. والله المستعان.
تركي العازمي
كاتب ومهندس كويتي
[email protected]