كان أول أمر إلهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع بداية نزول الوحي، هو «اقرأ»، ولهذا السبب كان تركيزي على أهمية القراءة في المقالين السابقين، وما سأذكره اليوم.
السواد الأعظم من طلبة (ابتدائي/ متوسط/ ثانوي/ جامعي) وحتى حملة الدكتوراة، تنتهي علاقتهم بالكتب بعد ظهور النتائج وبداية العطلة الصيفية أو التخرج... وهكذا حتى شيع عن أمة العرب انها «أمة لا تقرأ»!
الإحصائيات الأخيرة ومنها ما أصدرته منظمة «اليونسكو» حول معدل الكتب التي يقرأها الفرد، تشير إلى انها في معدل 40 - 45 كتابا في إنكلترا. وبالنسبة إلى بقية الشعوب ما بين 25 - 40 كتاباً. أما عند العرب، فكل 80 شخصاً يقرأون كتاباً واحداً في السنة. وهنا يظهر التساؤل المستحق: من أين تأتي الثقافة؟ ومن أين تأتي القدرة على المحاججة؟
هناك فرق كبير بين الحاصل على درجة علمية (متعلم في مجال التخصص) وبين المثقف الذي اختزل كما هائلا من المعلومات والمعرفة في عقله بفضل القراءة.
يقول أرسطو في أعماله، إن وسائل الإقناع هي أدوات تصف الجمهور «من باب علم سلوك الاتصال»، وتتمثل في: Ethos (ترمز إلى الأخلاق أو المبادئ)? Pathos (ترمز إلى العاطفة)? وLogos (ترمز إلى المنطق)، وهي أركان المثلث التي تستخدم لنيل قدرة المحاججة عند مخاطبة الجمهور أو حتى في العمل المؤسسي أو الاجتماعي، بحيث جرت العادة أن تتم مراعاة وسائل الإقناع هذه. فالمتحدث يجب أن يفهم خلفية الجمهور ومعيار الأخلاق والمبادئ التي يتصف بها جمهوره وأن يكون منطقياً في حديثه (معرفة/ اطلاع).
ويقول علماء الاتصال، إن تكرار الرسالة من العوامل التي تساعد على الإقناع، والأمر طبعاً مشروط بجمهور يتقن القراءة... يعني بالنسبة لنا «سلامتك». فعلى الرغم من كثرة ما ينشر نجد قليلاً من أصحاب القرار من يقرأ، وهذا سبب تدني مستوى التعليم لدينا وسوء إدارة مؤسساتنا... وإذا قرأ يأتيك ردك «خوش كلام»!
عندما يهوي مؤشر القراءة وتتدنى على أثره مستوى الثقافة، يصبح الباب مفتوحا على مصراعيه للسفاهة، وهو ما نلاحظه من ترويج لها عبر إساءات وبذاءة، وأصبح منهج الحكم أحادي الطرف هو السائد ولم نلحظ تحركا للعقلاء الحكماء.
لاحظ... حتى عندما يتخاصم شخص فاهم (مثقف) وآخر فاهم (مثقف)، فإن مشاكلهما تحل بالتفاهم، بينما الخصومة عندما تقع بين أفراد غير مثقفين، نجد غياب الحجة، وبعض النقاشات تنتهي بتبادل الضرب، وقد تابعنا بعضاً منها وعلى الهواء مباشرة.
لذلك? نحن أحوج من أي وقت مضى إلى الحث على القراءة لبناء مجتمع مثقف نستطيع عبر أفراده من ترسيخ القدرة على المحاججة، وبالتالي نستطيع نيل حقوقنا والدفاع عن مكتسباتنا.
لذلك? نرى ان عملية اختيارنا للقياديين والنواب ومَنْ يمثلنا ومَنْ توكل لهم مهمة قيادة مؤسساتنا، يجب أن تكون وفق ما يملكه المرشح من ثقافة وقدرة علي المحاججة متسلحاً بوسائل الإقناع وحسن سيرة وسلوك.
فإذا وفقنا لاختيار الأفضل، فهذا يعيننا على إيجاد القدوة الصالحة بعيداً عن السفاهات والترف الذي أعادنا بعضه إلى العصور الجاهلية ونحن أمة العرب... أمة «اقرأ»... الله المستعان.
[email protected]Twitter: @Terki_ALazmi