مثقفون بلا حدود
القدس في وجدان كويتي (9 من 9)
عطفا على مقالنا الفائت: وعن المكانة الدينية للقدس عند اليهود، يقول الباحث محمد رشيد عناب: «قد استمدت القدس هذه المكانة الدينية لدى اليهود من الحنين اليهودي لجبل الهيكل، الذي أقام عليه سليمان معبدا للرب دُعي بـ «هيكل سليمان» الذي دمر على يد نبوخذ نصر الذي فتح مدينة القدس ونقل اليهود من سكانها إلى بابل عام 586 ق. م. ثم أعيد بناؤه على يد اليهود الذين أعادهم كورش ملك الفرس إلى فلسطين، ودمر مرة أخرى على يد القائد الروماني تيطس الذي دخل مدينة القدس وحرقها عام 70 م. ومن هنا أصبحت القدس مركزاً للتطلعات الدينية والصهيونية بإعادة بناء هيكل سليمان في القدس» أ.هـ.
ولعل الذي فتح شهية اليهود للحفريات بحثاً عن هيكل مجهول تلك الأسطورة المحلية التي روتها لنا الباحثة الإنكليزية الأستاذة كارين آرمسترونغ، عن حفريات النصارى والوصول إلى قبر صخري صغير، مع تلة صغيرة عرفت مباشرة بأنها الجلجلة، تلك التلة الصخرية التي صلب عليها المسيح، يقول الدكتور نظمي الجعبة: «انطلقت الحفريات الإسرائيلية في المنطقة المحيطة بالحرم الشريف، وانكب علماء الآثار الإسرائيليون على هذه (الغنيمة) بشراهة أفقدتهم توازنهم العلمي والأخلاقي، ولم يتوانوا عن استعمال الجرافات في الحفريات، واختلط السياسي بالعلمي» أ.هـ.
نوايا اليهود اتجاه القدس: «نوايا اليهود اتجاه القدس تتضح في عبارتهم للكونت برنادوت الذي عينته الأمم المتحدة في 14/ 05/ 1948، وسيطا دوليا بين العرب واليهود لإيقاف الحرب بينهما، فرفع اليهود لا فتات كتبوا عليها (عد إلى بلادك يا برنادوت، استوكهولم لك يا برنادوت أما القدس فلنا)... وبالنظر إلى أكبر الأحزاب الإسرائيلية وهما حزب الليكود وحزب العمل، والتي غالبا ما تكون المنافسة بينهما شديدة في الانتخابات الإسرائيلية التي يجب على العرب أن يستثمروا هذا الخلاف لصالح القضية، فحزب الليكود يرتكز على«ثلاث لاءات هي: لا عودة إلى حدود عام 1967 م، ولا مفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية، ولا لدولة فلسطين، ويتفق الحزبان على أن القدس مدينة موحدة تحت الحكم الإسرائيلي الدائم» أ.هـ (تيسير جبارة).
لذا فإن استراتيجية اليهود بعد حرب يونيو عام 1967، هي «ضم مدينة القدس العربية إلى القدس المحتلة عنوة لتوحيد المدينة المقدسة، مع الإسراع في تغيير التركيب الداخلي، والمظهر الخارجي للقدس العربية ولهوامشها التي تضم مناطق مخيمات لاجئ عام 1948، وكذلك الإسراع في بناء المستوطنات وفق نموذج يختلف عن نماذج الاستيطان في الأراضي المحتلة الأخرى بهدف تغيير المظهر الحضاري العربي والإسلامي للمدينة، ثم التهويد الكامل» أ.هـ، هذا ما ذكره الباحث يحيى فرحان.
ويثنـّي الحديث عن هذه (اللاءات) الباحث أحمد صدقي الدجاني، قائلا: «لقد تجلى الأمر الأول بوضوح قبل مباشرة مفاوضات كامب دافيد الثانية حين أكد يهودا باراك لاءاته الأربعة (لا عودة لحدود 04/ 06/ 1967، لا إزالة للمستعمرات الاستيطانية الصهيونية في الضفة الغربية وقطاع غزة، لا لعودة اللاجئين الفلسطينيين، لا انسحاب من القدس الشرقية)». وبدت في قضية القدس صارخة في شكليتها حين تمسك المفاوض الإسرائيلي بالسيادة على البلدة القديمة داخل السور، أي «كنيسة القيامة وشقيقاتها والمسجد الأقصى وقبة الصخرة ومسجد عمر بن الخطاب» أ.هـ.
الخلاصة: نعود مرة أخرى لنقف عند مستوى الخطاب في هذه الفقرات المستشهد بها، ففيما يخص داود وابنه سليمان، ونحن نعلم بأنه كان لهما حكم عظيم في فلسطين، ولكن هذا الحكم لا يعطي الحق لليهود بابتلاع الأرض، فأرض فلسطين تناوبت على استيطانها أمم وشعوب شتى، وفي كل مرة ترجع إلى أحضان أهلها وسكانها العرب الأصليين من المسلمين والمسيحيين، وأنه من الخطأ الفادح ذلك الذي أقدمت عليه إسرائيل باحتلالها أرض فلسطين، فلن يهدأ لها بال، ولن تنعم بالأمن والأمان والاستقرار، ولن ترى حضارة أو تسويقـاً تجاريًّا، أو معايشة إقليمية أو دولية، وسوف تمضي بقلق سياسي، واضطراب عسكري، وعزلة دولية واجتماعية، حتى تخرج وسوف تخرج عاجلا أم آجلا، وهذا ما يؤكده قائد الطائرة الشراعية قائلا «إن الإسرائيليين لن يحلموا بالأمن حتى لو بنوا جدارا يصل السماء أو أحاطوا أنفسهم بالأسلاك الشائكة». وفي موقع آخر يقول «أجرى معهد حانوخ سميث استطلاعا لحساب بلدية القدس جاء فيه أن 7, 46 من اليهود توقفوا تماما عن زيارة القدس العربية بغرض شراء الحاجيات وأن 2, 72 في المئة أصبحوا أكثر ترددا وخائفين من زيارة القدس الشرقية، وأن 8, 66 في المئة من يهود القدس يعيشون في حالة توتر أكثر من تلك التي يعيشوها يهود تل أبيب» أ.هـ ( تيسير جبارة ).
يحكي أحد الفلسطينيين في الذكرى الـ 64 عاما على الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، أنها ليست بالمدة الطويلة مستشهداً بالاحتلال الفرنسي للجزائر الذي دام 132 سنة، لم ييأس الشعب الجزائري في مواصلة الكفاح والنضال حتى اندلعت الثورة الجزائرية المسلحة المباركة عام 1954، ولمدة ثماني سنوات من المعارك الضارية والبطولات الفذة جاء التحرير والاستقلال رغماً عن أنف المعتدي عام 1962. فإن كان هذا العصر ليس بعصرنا، وإن كان هذا الزمان ليس بزماننا، فحتما سوف يأتي عصرنا ويأتي زماننا، وتعود الحقوق لإصحابها.
* كاتب وباحث لغوي كويتي
[email protected]
ولعل الذي فتح شهية اليهود للحفريات بحثاً عن هيكل مجهول تلك الأسطورة المحلية التي روتها لنا الباحثة الإنكليزية الأستاذة كارين آرمسترونغ، عن حفريات النصارى والوصول إلى قبر صخري صغير، مع تلة صغيرة عرفت مباشرة بأنها الجلجلة، تلك التلة الصخرية التي صلب عليها المسيح، يقول الدكتور نظمي الجعبة: «انطلقت الحفريات الإسرائيلية في المنطقة المحيطة بالحرم الشريف، وانكب علماء الآثار الإسرائيليون على هذه (الغنيمة) بشراهة أفقدتهم توازنهم العلمي والأخلاقي، ولم يتوانوا عن استعمال الجرافات في الحفريات، واختلط السياسي بالعلمي» أ.هـ.
نوايا اليهود اتجاه القدس: «نوايا اليهود اتجاه القدس تتضح في عبارتهم للكونت برنادوت الذي عينته الأمم المتحدة في 14/ 05/ 1948، وسيطا دوليا بين العرب واليهود لإيقاف الحرب بينهما، فرفع اليهود لا فتات كتبوا عليها (عد إلى بلادك يا برنادوت، استوكهولم لك يا برنادوت أما القدس فلنا)... وبالنظر إلى أكبر الأحزاب الإسرائيلية وهما حزب الليكود وحزب العمل، والتي غالبا ما تكون المنافسة بينهما شديدة في الانتخابات الإسرائيلية التي يجب على العرب أن يستثمروا هذا الخلاف لصالح القضية، فحزب الليكود يرتكز على«ثلاث لاءات هي: لا عودة إلى حدود عام 1967 م، ولا مفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية، ولا لدولة فلسطين، ويتفق الحزبان على أن القدس مدينة موحدة تحت الحكم الإسرائيلي الدائم» أ.هـ (تيسير جبارة).
لذا فإن استراتيجية اليهود بعد حرب يونيو عام 1967، هي «ضم مدينة القدس العربية إلى القدس المحتلة عنوة لتوحيد المدينة المقدسة، مع الإسراع في تغيير التركيب الداخلي، والمظهر الخارجي للقدس العربية ولهوامشها التي تضم مناطق مخيمات لاجئ عام 1948، وكذلك الإسراع في بناء المستوطنات وفق نموذج يختلف عن نماذج الاستيطان في الأراضي المحتلة الأخرى بهدف تغيير المظهر الحضاري العربي والإسلامي للمدينة، ثم التهويد الكامل» أ.هـ، هذا ما ذكره الباحث يحيى فرحان.
ويثنـّي الحديث عن هذه (اللاءات) الباحث أحمد صدقي الدجاني، قائلا: «لقد تجلى الأمر الأول بوضوح قبل مباشرة مفاوضات كامب دافيد الثانية حين أكد يهودا باراك لاءاته الأربعة (لا عودة لحدود 04/ 06/ 1967، لا إزالة للمستعمرات الاستيطانية الصهيونية في الضفة الغربية وقطاع غزة، لا لعودة اللاجئين الفلسطينيين، لا انسحاب من القدس الشرقية)». وبدت في قضية القدس صارخة في شكليتها حين تمسك المفاوض الإسرائيلي بالسيادة على البلدة القديمة داخل السور، أي «كنيسة القيامة وشقيقاتها والمسجد الأقصى وقبة الصخرة ومسجد عمر بن الخطاب» أ.هـ.
الخلاصة: نعود مرة أخرى لنقف عند مستوى الخطاب في هذه الفقرات المستشهد بها، ففيما يخص داود وابنه سليمان، ونحن نعلم بأنه كان لهما حكم عظيم في فلسطين، ولكن هذا الحكم لا يعطي الحق لليهود بابتلاع الأرض، فأرض فلسطين تناوبت على استيطانها أمم وشعوب شتى، وفي كل مرة ترجع إلى أحضان أهلها وسكانها العرب الأصليين من المسلمين والمسيحيين، وأنه من الخطأ الفادح ذلك الذي أقدمت عليه إسرائيل باحتلالها أرض فلسطين، فلن يهدأ لها بال، ولن تنعم بالأمن والأمان والاستقرار، ولن ترى حضارة أو تسويقـاً تجاريًّا، أو معايشة إقليمية أو دولية، وسوف تمضي بقلق سياسي، واضطراب عسكري، وعزلة دولية واجتماعية، حتى تخرج وسوف تخرج عاجلا أم آجلا، وهذا ما يؤكده قائد الطائرة الشراعية قائلا «إن الإسرائيليين لن يحلموا بالأمن حتى لو بنوا جدارا يصل السماء أو أحاطوا أنفسهم بالأسلاك الشائكة». وفي موقع آخر يقول «أجرى معهد حانوخ سميث استطلاعا لحساب بلدية القدس جاء فيه أن 7, 46 من اليهود توقفوا تماما عن زيارة القدس العربية بغرض شراء الحاجيات وأن 2, 72 في المئة أصبحوا أكثر ترددا وخائفين من زيارة القدس الشرقية، وأن 8, 66 في المئة من يهود القدس يعيشون في حالة توتر أكثر من تلك التي يعيشوها يهود تل أبيب» أ.هـ ( تيسير جبارة ).
يحكي أحد الفلسطينيين في الذكرى الـ 64 عاما على الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، أنها ليست بالمدة الطويلة مستشهداً بالاحتلال الفرنسي للجزائر الذي دام 132 سنة، لم ييأس الشعب الجزائري في مواصلة الكفاح والنضال حتى اندلعت الثورة الجزائرية المسلحة المباركة عام 1954، ولمدة ثماني سنوات من المعارك الضارية والبطولات الفذة جاء التحرير والاستقلال رغماً عن أنف المعتدي عام 1962. فإن كان هذا العصر ليس بعصرنا، وإن كان هذا الزمان ليس بزماننا، فحتما سوف يأتي عصرنا ويأتي زماننا، وتعود الحقوق لإصحابها.
* كاتب وباحث لغوي كويتي
[email protected]