التعليم الخفي

تصغير
تكبير
مخاطرالمناهج كثيرة لا تتعلق فقط بأنماط المقررات أو المحتويات التي يسعى الطالب لتعلمها ويعينه المعلم على التعلم، وإنما أيضا هذه المخاطر تنجم عن سلوك التدريس الذي لا يمكن ضبطه أو رقابته. سلوك التدريس يعني ما يدّرسه المعلم أو يتلفظ به من مفاهيم لتلاميذه خارج المحتوى المستهدف أو الأهداف المرسومة.. لهذا فإن طرق التعلم تتأثر بدرجة كبيرة بتوجهات المعلمين وانتماءاتهم ومعتقداتهم التي ليست بالضرورة تصب كلها في أعراف وتوجهات المجتمع أو تتفق مع سياسات وأهداف التعليم بالبلاد.

فإذا كان المعلم متمذهباً على سبيل المثال فإنه قد يسعى إلى غرس روح المذهبية في تلاميذه، ويعزز في نفوسهم أفضلية مذهب على آخر، وقد يسعى في دروس التاريخ والتربية الوطنية أن يجّير الأحداث التاريخية بما يتلاءم مع معتقداته التاريخية المناهضة لحقائق التاريخ المتفق عليها. وكذلك إذا كان المعلم متحيزاً لطائفة أو قبيلة فمن السهل أن يوصل المفاهيم عن ذلك إلى تلاميذه فتخلق في نفوسهم الولاء للطائفة والقبيلة أكثر من الولاء للوطن.

لذلك تهتم الدول المتقدمة بالمعلمين، إعداداً وتدريباً وتوجيهاً، منذ بداية اختيارهم لمهنة التعليم، فلا يقبل الخريج كمدرس ما لم يحصل على ما يسمى «رخصة التعليم» وفق اشتراطات وقواعد معروفة ومنها كفاءته وسلوكه ووطنيته وولاؤه وقدرته على ترجمة ذلك في تدريسه لتلاميذه. فإذا فقدت العناصر من انتماء وولاء وسعي لصد كل ما يعرقل واجبات الفرد تجاه وطنه، فإن العملية التعليمية تصبح بعد ذلك في خبر كان، أي أننا سنكون أمام كارثة تتمثل في خلق جيل تتنازعه الأهواء والنعرات الطائفية والمذهبية، وبالتالي يرى في مصالحه أهمية تفوق مصالح الدولة.

إن سلوك التدريس إذا انحرف عن مساره الطبيعي فإنه أشبه بقنبلة تنفجر لتقتل كل من يوجد في محيطها. لكن هل نستطيع أن نطمئن على سلوك التدريس في مدارسنا وجامعاتنا في إطار القدرة على متابعة وكشف المخاطر الناجمة عن امتداد السلوك المتطرف، والتفكير الأعوج بسبب الخلل في التعليم؟

ليس هناك ضمان لتعديل سلوك المعلم في التدريس على النحو الذي يتماشى مع الأهداف التعليمية الرسمية إلا من خلال حسن اختيارنا للمعلمين ومتابعتهم بشكل دقيق، فهم الذين يؤثرون بشكل كبير في مفاهيم واتجاهات الناشئة. ولقد وجد أن أفضل مناهج التعليم تتأثر سلباً باتجاهات المعلمين، خصوصاً في ميادين العناية بالتسامح والوحدة الوطنية ونبذ التفرقة وترسيخ قيم التعاون وخدمة الناس والوطن.

إن أكثر المخاطر أن يتحول التعليم على يد المعلم من نظام رسمي مبني على معايير الدولة إلى عمل مخالف متمثل في سلوك التدريس غير المرئي يهدف إلى تحقيق أهداف تعليم خفي يطبقه بعض المعلمين في الفصول المدرسية أو خارجها مستهدفين ترسيخ قيم المذهبية في نفوس الناشئة، وبالتالي خلق جيل يشكل خطورة على الأمن الوطني بدل أن يكون محافظاً عليه ومساهماً في تطوير مجتمعه.

yaqub44@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي