الفكر الإسلامي «المشاغب»!

تصغير
تكبير
مخطئ من يظن أن فكر الجماعات الإسلامية الجهادية وليد اللحظة، أو أنه تبلور حديثاً... إن الباحث في الأمر، المدقق في تفاصيله بتجرد وموضوعية، سيكتشف أنه فكر قديم، بدأ مع نشأة الدول والاستعمار، وأثمر وأزهر نتيجة توافر البيئات الخصبة الحاضنة له، وعوامل النماء التي ضمنت له الرواء والبقاء.

ومخطئ أيضا من يُرجِع جذور هذا الفكر إلى منطقة ما بعينها، أو إلى دولة معروفة بالاسم، بل هو فكر عابر للحدود منذ أن نشأ.


في تقرير نشرته قناة «العربية»، عقب تفجير شخص باكستاني نفسه بالقرب من مستشفى سعودي في جدة، ذكرت «العربية» أن الفكر التكفيري الجهادي ليس «سعودياً»، وأن منبع هذا الفكر هو باكستان، مدللة على ما تقول بأفكار الإمام أبي الأعلى المودودي الذي أسس «الجماعة الإسلامية» في لاهور، أو «قلب باكستان»، كما كان يطلق عليها، والذي طالما تناول فيها الإسلام السياسي وطالب بتطبيق شرع الله.

لسنا هنا بصدد تحديد التربة الأصل التي احتضنت هذا الفكر أو الدولة الأم/ المنبع المُصدِّرة للإرهاب، أو الفكر الجهادي، لكن من المفيد أن نعرف لبنات هذا الفكر وأساساته، لكشف خفاياه والتمكن من مواجهاته؛ واضعين في الاعتبار أن أساس هذا الفكر قد يكون سليما؛ لكن التطبيق والتأويل شابه التفسير الخطأ عن قصد، أو عن غير قصد، وهذا ما يعتمد عليها تكفيريو هذا الزمان... من الرهان على جهل الشباب واندفاعهم، واستغلالهم في «تنزيل» هذه التأويلات التي لا سند دينيا أو إنسانيا لها، من مجرد أفكار بين دفات كتبهم، أو «هلاوس» تخيم في عقولهم، إلى أمر واقع ملموس على الأرض... ومن المفيد أيضا معرفة من صاحب هذا الفكر، أو مؤسس الفكر الإسلامي السياسي «المشاغب» و«المدمر»! ذلك الفكر الذي أعيا الحكومات، وأجهد أجهزة مخابراتها، واستهلك وسائل إعلامها... ولم يتمكن أي ممن سبق من السيطرة عليه وكبح جماحه... من هو هذا العبقري؟

إن الفكر الإسلامي السياسي الذي يعارض الحكومات، سواء بطرق سلمية، أو راديكالية تعتمد العنف منهجاً، وإرهاب الآمنين وترويعهم وإزهاق أرواحهم مبدأ، فكرٌ حديث ظهر بعد سقوط الدول التي كانت تُحكَم باسم الإسلام، بدافع استعادة الإسلام.

أما عن أكثر البيئات احتضانا لهذا الفكر، أو التي توافر له تربة خصبة، فهي - بلا شك - نجدها في الدول التي بها كثافة إسلامية، وذلك على عكس تلك الدول التي يمثل المسلمون فيها أقلية؛ لذلك فإن ظهور مثل هذا الفكر في بلاد السند ليس مستغرباً، وذلك نتيجة التطور السياسي الحاصل لديهم، كما أنني لا أستغرب أن يظهر كذلك في دولة تعداد المسلمين فيها كبير، مثل مصر، فكلما كانت القاعدة أكثر اتساعا كانت فرص نجاح الفكرة أكبر.

أما الدول العربية الأخرى، فلم تكن تتمتع بالمستوى الثقافي نفسه الذي كان سائداً في مصر، ولا بالوعي السياسي الحاصل في بلاد السند، من ثورات واستعمار وديموقراطية؛ لذلك حين نقول إن أبا الأعلى المودودي هو المؤسس الأول لهذا الفكر، فإننا لن نجانب الصواب، خصوصا أن مؤلفاته الكثيرة التي فاقت 60 مؤلَّفا تحدثت كثيراً عن «الطغاة والمنحرفين»، كما يسميهم، ويقصد بذلك الذين لا يحكمون بما أنزل الله. وتبعه على المنهج نفسه، وتبنى الأفكار ذاتها، بل وزاد عليها «جاهلية المجتمع» و«الجهاد» لتطبيق حكم الله، ملهم الفكر الجهادي الداعية المصري سيد قطب. من دون هذين المفكرَيْن، لا أظن أن الجماعات التكفيرية أو الإرهابية كانت ستجد أساسا أدبيا وفكريا تبني عليه تأويلاتها الإجرامية والمنحرفة.

هل نلوم هذين المفكرين على ما كتباه وروجا له من أفكار «جريئة»، مثل الدعوة إلى قيام دولة الإسلام على أساس من العقيدة الصحيحة؟ والدعوة إلى الإصلاح الشامل لحياة المسلمين على أساس الفهم الصحيح النقي للإسلام مما ألصقه به الحاقدون من شوائب؟ أم نلوم من «استغل» أفكارهما شر استغلال لتطبيق أجندته الإجرامية والإرهابية، عبر تأويلات ما أنزل الله بها من سلطان؟

ليست كلماتي هذه دفاعا عن المودودي وقطب، وإن كنت أظن أن أفكارهما «مشاغبة» ومتمردة على الواقع، وبعضها أثبت فشله، لكن وصول هذا «الشغب الفكري» إلى «التكفير» و«القتل» و«الجريمة» هو انحراف آثم، وتفسير أساء إلى النصوص الإسلامية ولم يحيها، تفسير استغله «مجرمون» ليست لهم أي صلة بالعمل الإسلامي المخلص؛ ولا نستطيع إلصاق مروقهم وجرمهم وفكرهم المضلل هذا بدولة ما، وتبرئة أخرى، لأننا لو فعلنا نكون شردنا بعيدا عن الحقيقة، وجافينا المنطق والواقع... لأنه فكر وإرهاب، لا وطن لهما ولا حدود.

Nasser.com.kw
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي