9 نوفمبر 2008
12:00 ص
1179
قد يبدو فوز أوباما برئاسة الولايات المتحدة الأميركية وكأنه معجزة حدثت في العالم لكونه أسود اللون وليس من البيض الانجلوساكسون WASP، ولكن وجه العجب لا يتعلق الا بالشعب الأميركي الذي دأب منذ تأسيس دولته على العنصرية البغيضة ضد اللون الأسود وخاض معارك طاحنة من أجل الغاء نظام الرق الذي لم يشهد العالم مثله، فهذا التغير في نفسية ومزاج الشعب الأميركي هو الذي كان لافتاً للنظر والذي يستحق الاشادة.
وقد شهد العالم عدة تجارب لوصول السود إلى الحكم في ظل أنظمة عنصرية مثل تجربة زمبابوي (روديسيا سابقاً) حيث تخلصت من الاستعمار البريطاني وأصبح الحكم بيد السود، لكن (موغابي) زودها حبتين وتخلص من البيض وأذلهم ثم أذل شعبه وأسقطه تحت خط الفقر والفوضى، كذلك شهدت دولة جنوب أفريقيا تجربة مميزة قبل 15 عاماً عندما تحولت من النظام العنصري إلى نظام مشترك بين السود والبيض، مع أغلبية للسود وأصبحت من أحسن الدول المتقدمة.
في الولايات المتحدة الأميركية لم تكن هذه التجربة الأولى في إيصال شخصيات سوداء إلى أعلى المراكز، فقد عين الحزب الجمهوري «كولن باول» وزيراً للدفاع قبل ان يفترسه المحافظون الجدد ويطيحوا برأسه ثم عين بوش كوندوليزا رايس وزيرة للخارجية وهي مهاجرة سوداء، وترددت اسماء كولن باول والقس جيسي جاكسون مرات عدة كمرشحين للحزب الجمهوري، لكن حظ أوباما كان في تنافسه مع امرأة من الحزب الديموقراطي اولاً، وهو أمر غير مسبوق عند الأميركان ثم تنافسه مع مرشح جمهوري يفقد أبسط مقومات الشخصية الجذابة، وقد ساعد أوباما بالطبع السخط الذي لم يسبق له مثيل للشعب الأميركي ضد بوش والحزب الجمهوري الذي كبدهم خسائر لا حدود لها من كراهية العالم لأميركا والحروب الفاشلة وآلاف القتلى الأميركان وآخرها السقوط المدوي للاقتصاد الأميركي، فكانت فرصة أوباما لا مثيل لها في انتزاع الحكم منه.
بعيداً عن العاطفة
المهم في هذا الموضوع هو ألا ننساق كثيراً وراء العاطفة ونتصور بأن المنقذ لنا قد جاء على فرس اسود ليخلصنا من كل ما نحن فيه، وليعيد لنا حقوقنا المسلوبة، فالذي يدير الولايات المتحدة هو حزب كبير له مؤسساته وقياداته وسياساته منذ القدم، وهو لا يخضع لإنسان ما بل الجميع يخضعون له، والحزب الديموقراطي معروف منذ القدم بأنه مرتبط ارتباطاً كبيراً باليهود، لذا لم نتعجب من تعيين أكبر شخصية بعد الرئيس رجل إسرائيلي حارب مع الكيان الصهيوني ودافع عنه.
وقد بين أوباما منذ أيام ترشيحه بأنه يقف مع إسرائيل ويتعهد بالدفاع عنها، كما طالب أوباما بتدخل أكبر في افغانستان وإذا كان من تغير في بعض السياسات الأميركية العدوانية على البلدان الإسلامية، فإن محركها ودافعها هو الملل الذي أصاب الشعب الأميركي من الحروب والاعتداءات، والرغبة في تحسين صورة بلادهم أمام العالم، كما ان الانهيار الاقتصادي الذي تسببت به للعالم ولشعبها سيجعلها تتراجع كثيراً وتنكمش إلى الداخل سنوات طويلة قبل ان تفكر في الرجوع إلى العهد الاستعماري، وهذا مثال لما لمسه العالم وقت الحرب الأميركية على فيتنام وخسارتها الفادحة. ان التميز الأميركي في العالم له اربعة أجنحة: القوة العسكرية والاقتصاد، والصناعة والبحث العلمي وأخيراً الدستور والحريات ولقد أجهض بوش الجناحين الأولين بسبب مغامراته غير المحسوبة، وبقي جناحان مازالت تحلق بهما، ونرجو أن يقوداها إلى التغيير نحو الأفضل لها وللعالم كما فعلت في اختيار أوباما.
وائل الحساوي