صدى الكلمة

صوت الفساد

تصغير
تكبير
ينتشر الفساد في الأرض كمرض يصيب الأفراد من مختلف الأجناس والأعمار والمستويات العلمية والثقافية والاقتصادية. وقد يكون المفسد فقيراً أو غنياً، متعلماً أو جاهلاً، صغيراً أو كبيراً، لا فرق ما دامت الأخلاق والقيم لا وجود لها في حياته. ولأن الفساد ظاهرة اجتماعية وسياسية يمارسها الأفراد، فإنها لا تختلف إلا في أنواعها والتفاوت في نسب حدوثها.

المعروف أن إشكالية الفساد تتمثل في انتهاك العقد الاجتماعي، النظم، القانون، مبدأ النزاهة، وعدم التفرقة بين ما هو خير وما هو شر. ولقد وجد أن الفساد أكثر شيوعاً بين الجهلة والمحرومين من العيش الكريم، والذين يحسون بالظلم والاستبداد في مجتمعاتهم، فلا يحق لهم العمل والتعليم والرعاية الصحية، ويشعرون بالتهميش واللامساواة.


ومع ذلك، مكافحة الفساد عملية معقدة يصعب ردع المفسدين، خصوصاً وأن عدد المنضمين لنادي الفساد آخذ في الزيادة لأسباب منها، سهولة التأثر بالمفسدين الذين يتكاثرون كالذباب في كل مكان. الكثير من الوسائل الرادعة كالقانون والتربية والمسجد وغيرها تبدو في عالم اليوم ضعيفة أمام الفساد الزاحف على التفكير والقيم وضعف التربية، خصوصاً في الأسرة التي تهمل أبناءها فيقعوا فريسة الفساد في المجتمع.

تشير دراسة البنك الدولي عن الفساد إلى أن معدل دخل الفرد يرتفع بنحو ثلاثة أضعاف في المجتمعات الأقل فساداً مقارنةً بالدول الأكثر فساداً. ولقد وجد أن معدل وفيات الأطفال يزيد بثلاثة أضعاف في الدول الأكثر فساداً عنه في المجتمعات الأقل فساداً. كما أن الفساد يتسبب في انخفاض معدل الدخل الفردي، ويضر باقتصاديات الدول.

لا شك أن مواجهة الفساد لا تتحقق على الوجه الأكمل إلا من خلال إنشاء هيئات أو مؤسسات لمكافحة الفساد كما هو في الكثير من الدول، لكنها تعتمد فقط على القانون كرادع، من دون التركيز على الوسائل الأخرى كتفعيل دور مؤسسات المجتمع، خصوصاً الأسرة والمدرسة والإعلام والمؤسسة الدينية وغيرها من أساليب تنمي الأخلاق والنزاهة في النفوس، وبالذات لدى الناشئة.

إن التعامل مع الصغار لتجنب كل ما يقود إلى الفساد أهم بكثير من ملاحقة الكبار الذين جعلوا الفساد مهنة وثقافة يكتسبون منها. تربية الصغار على الأخلاق من أهم العوامل المؤثرة في محاربة الفساد على المدى البعيد. وهي تربية لا تتوقف على المدرسة فقط، وإنما مختلف مؤسسات المجتمع، وبحسب اختلاف مسؤوليتها تستطيع مكافحة الفساد، وخاصة الهيئات والجمعيات الأهلية التطوعية العاملة في ميادين المخدرات والعمل الاجتماعي والنفسي والخيري، والتي أثبتت التجربة أنها مؤثرة في بناء الاتجاهات الإيجابية، ناهيك عن الدور الفاعل للمؤسسة الدينية.

yaqub44@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي