رواق

قبل يخلق أبونا آدم

تصغير
تكبير
بلينا بقوم يدّعون معرفة كل شيء: سياسة، دين، اقتصاد، طب، علوم، جغرافيا، تاريخ، رياضة، سياحة إلى آخر القائمة التي تطول ولا تكفيها أوراق جريدة.

بين السياسة والسياحة، تتأرجح معرفتهم في كل شيء، ويعتقدون أنها تتفوق على «أجدعها خبير» في «أجدعها مجال»، فهم يذهبون إلى الطبيب ويعطونه الوصفة ويأتون بالمقتول ويرسمون له الخريطة، وإن أخطأوا رموا بخطئهم على غيرهم، لأن الغير لم يرتقِ مستوى فكره إلى عظمة أفكارهم.


لذلك، هم لا يتعلمون شيئاً، فهم مصرون على أنهم يعرفون كل شيء بعد حدوثه وأثناء حدوثه... وقبله أيضاً.

يراهنون على حدسهم وحاستهم السادسة في توقع كل شيء، فإن حصل قالوا «كنت أدري»، أو «توقعت»، أو «ما قلت لك» لأن أول من يعلم وقبل الجميع قاطبة صغيرهم وكبيرهم على رأي الشاعر «من زمان الصبا وأقدم حتى قبل يخلق أبونا آدم»، وربما لو تطورت حالتهم المعرفية الزائدة في «عرفت قبلك» أو «أنا أول من يعلم»، لقالوا إنهم كانوا يعرفون خروج «أبونا آدم» من الجنة، والعياذ بالله.

الحوار معهم خالٍ من الدهشة، فكل شيء كانوا يعرفونه حتى لو كان هذا الشيء الذي تحاول إبهارهم فيه ليس إلا خيالاً واسعاً، وبعض بنات الأفكار أو من تأليفك. هم يعرفون، والنقاش معهم عقيم، فهو مجرد حوار من طرف واحد وفي اتجاه واحد ولهدف واحد، هو إثبات صوابهم أو إثبات أنهم أفضل منك، فالمقارنات أنهت ما بقي عنده من عقل حتى فقده.

هذا النوع المعرفي هو أعلى مراتب الجهل، لأن المعرفة هي الابنة الشرعية للدهشة والبحث الدائم والسؤال المستمر. أما من يترفع عنهم بحجة أن معارفه أوسع وأشمل وأعرق، فهو لا يعرف شيئاً، ولو بدا لك أو لنفسه حتى عكس ذلك.

يقول رسولنا الكريم «لا يزال الرجل عالماً متى طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل». ويقول الشاعر: «قل للذي يدعي في العلم فلسفة، حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء».

دع عنك كلام الشاعر، لا تقل شيئاً لهم، وقل كل شيء لنفسك وابتعد عن الجدال معهم، فهو لن ينتهي.

باختصار، لا تتعب نفسك معه، صدقه وريّح رأسك تسلم.

reemalmee@
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي