من أجل تعليم أفضل

تصغير
تكبير
أكثر التساؤلات إحراجاً وألماً أن يوصف هدف التعليم بأنه للتباهي
منذ عقدين من الزمان والتعليم في انحدار واضح، فالتقارير عن هذا الانحدار لا تتوقف من الداخل والخارج رغم اهتمام الحكومة بالتعليم على مستوى الدعم المادي والإنفاقي. لذلك لا غرابة أن يشكل الإنفاق الحكومي على التعليم أعلى معدل إنْفاق وتكلفة بمعيار كلفة الطالب التعليمي السنوي في الخليج والعالم العربي، ما يعني أن ازدياد الإنفاق ليس بالضرورة مؤشراً عن الارتقاء بالتعليم، ولا يشكل معيـــاراً فــــي الجـــودة إذا انعزل عن بقية العوامل المهمة الداخلة في مستوى التعليم وجودته.

فأين الخلل إذن في تعليم لا يحقق طموحات الناس، ولا يلبي احتياجات التنمية؟ هل هو تعليم يعتمد على التلقين والحفظ من أجل استيعاب مناهج مثقلة بمفاهيم يصعب على الطالب فهمها والتفاعل معها ؟ أم أن العلة في بعض المعلمين الذين تحولوا إلى موظفين يسعى البعض منهم إلى زيادة أجره بتدريسه الدروس الخصوصية؟ أم أن التعليم شأنه شأن أشياء أخرى في حياتنا أصبح مسيّساً تتقاذفه التوجهات السياسية والصراع عليه من أجل التحكم في الفكر والعقل وخلق شخصية لا تنسجم إلا مع ذاتها ومع ما اكتسبتها من مفاهيم ومعتقدات لا تسير مع الواقع والمتغيرات والمصالح العليا للبلاد؟

إن أكثر التساؤلات إحراجاً وألماً أن يوصف هدف التعليم بأنه للتباهي لأنه لا يزود الطالب بالمعرفة التي تتناسب مع مطالب الحياة، والقدرة على حل المشكلات الحياتية، أو في التعامل مع المستجدات وتطورات العصر. فلا غرابة أن تتكدس المؤسسات في الدولة بمخرجات بعيدة عن حاجتها الفعلية. لقد أضعنا وقتاً طويلاً ونحن نغير عشوائياً في المناهج لأننا نعتقد أنها ثقيلة بالمعرفة وثقيلة على القلب والعقل، وأصبح جل همنا الامتحان وتحديد النجاح والرسوب، ولا نمانع رسوب الطفل في المراحل الأولى من تعليمه لأنه لا يحفظ السور القرآنية، ولا يكتب بوضوح، ولا يفهم الحساب واللغة.

إن مناهج التعليم عانت ومازالت من كثرة ما أدخلت عليها من تعديلات على مر السنوات العشرين الماضية لدرجة أن هذه المناهج لم تسلم من أيدي ومقص كل تشكيلة وزارية جديدة سعت لتنفيذ ما يسمى «تطوير المناهج» بحجة كثافة الموضوعات أو صعوبة المستوى على الطالب أو بسبب تغيرات ناجمة عن ضغوطات سياسية أو مذهبية في الوقت الذي تحتاج هذه المناهج إلى تطوير نوعي من أجل مستقبل وظيفي أو حياتي مرموق يخدم سوق العمل، ويرسخ مفاهيم الوطنية والولاء للأرض. فلو حدث ذلك لما عانينا اليوم من مشكلات الشباب المتمثلة في التسرّب من التعليم، والعنف، والضياع والبحث عن شهادات للتوظيف وغيرها، فضلاً عن مخرجات تعكس الصراع السياسي والطائفي، وانتشار الفساد في النفس والعمل، والاستغلال غير المشروع للمال العام. إن التعليم له دور في الحالة المزرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية ولا يمكن إقصاؤه عن ذلك لأنه معني بالتنمية البشرية. فما النفع من تعليم يحاكي ماضيه، ويسير في خطاه التقليدية، ويستند على ما تم إنجازه منذ عقود رغم التدخلات والترميمات المطبقة على التعليم منذ سنوات باسم التطوير في وقت يتحدث فيه الناس عن التنمية المستدامة، ومواكبة العصر، وإيجاد بدائل اقتصادية من أجل مواجهة مستقبل صعب يدرك الجميع أنه محفوف بالمخاطر؟

yaqub44@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي