العنصرية هي: التمييز بكل أشكاله، وهو أنواع. فالتمييز العرقي بحسب أصول الإنسان وصفاته الجسمية مثل لون البشرة، والتمييز الاثني والثقافي بحسب بيئته، والتمييز العقائدي بحسب الدين والمذهب، أو بحسب الجنسية أو الجنس أو القبيلة والنسب.
وإذا كنا ننتقد التمييز العنصري في أميركا، فها هو رجل أسود صار رئيسا لها يوما ما، لكن العالم العربي أكثر من يعاني من العنصرية، خصوصاً وإننا نقدس منطق البداوة الذي يقول: أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب، أي إننا نقف مع القرابة حتى لو كانت جائرة وليس مع الحق. وأسطع مثال على العنصرية، ما يمارسه المحتل الصهيوني مع شعبنا في فلسطين، والذي يدفع إلى الاستغراب، هو ان شعوب العالم الغربي تتفاعل وتتظاهر ضد الممارسات الوحشية بحق الشعب الفلسطيني، في حين نرى العالمين العربي والإسلامي، إما يدينان باستحياء وإما يُطبق عليهما الصم والخرس.
أما النظام الأميركي وبعض أنظمة الغرب التي تتشدق باسم الحرية، فهي تريد ديموقراطية على الطريقة الصهيونية (ديموقراطية عنصرية حكرا على فئة تملك القوة والمال والإعلام والتكنولوجيا).
وعلى الرغم من تطور الحضارة الإنسانية، إلا اننا كلنا عنصريون بنسب متفاوتة، نعم كلنا عنصريون، والحقيقة دوما صادمة، لكننا نعيش ونمارس عنصرية مقيتة، وذاتيا يُعرف الإنسان في المواقف الصعبة. يقول الكاتب المصري محمود الشربيني: «لا نجد إنسانا غير عنصري، فحينما يكون الحق واضحا، ويكون المطلوب إبداء الشهادة، يسأل المرء نفسه مع من سأقف؟ مع الحقيقة والحق أم مع أهلي ومصلحتي؟ حتى في تعاملنا مع بعضنا البعض كعرب لدينا عنصرية، فالدول النفطية تقول نحن الذين أعطيناكم، ويرد الآخرون ونحن الذين علمناكم».
نماذج عنصرية كثيرة نرفضها لكن نسقط فيها، إن العنصرية حلقة دائرية مستمرة موجودة بوجود القوة والضعف والخير والشر، واجتثاثها صعب للغاية لكن من الممكن السيطرة عليها لتقليل أثرها على المجتمع.
والعنصرية لها جانب ذاتي وآخر موضوعي، والعامل الذاتي مهم، فمثلاً على المرء أن يسأل نفسه: لو تقدم لخطبة ابنتي رجل أسود أو مسيحي أو يهودي أو من طبقة فقيرة أو من أصل غير معروف، هل سأقبل؟
كثيرة هي القصص للعائلات التي ترفض من يتقدم للاقتران بابنتها بسبب اختلاف الجنسية أو اللون أو القبيلة أو الطبقة أو الدين والمذهب، مع إن النص القرآني واضح وصريح: «لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى»، فما معيار التقوى لدى البشر؟
أحيانا الأعراف تجعل الإنسان أكثر عنصرية، وهي شماعة نضع عليها عيوبنا ومساؤنا وتتحكم في مصائرنا وتجعلنا نعيش في عبودية.
كل إنسان لديه عنصرية خفية لا يعترف بها مطلقا، لأنها مختبئة في الجانب اللامرئي من شخصيته ولا تظهر إلا في المواقف، والشجاعة أن نعترف بالأمر ونواجهه.
ومن يرفض العنصرية فعلاً لا قولاً، عليه أن يراقب نفسه وسلوكه، ويحاسبها دوما ويصحح مسارها، لأن النفس أمّارة بالسوء أولا، ولأن الإنسان إذا أُعطي صلاحيات مطلقة وتُرك بلا حساب ولا عقاب، فإنه حتما يتمادى في غيه وضلاله، ويتملكه الغرور وينظر بالمهانة إلى غيره.
والعوامل الخارجية والموضوعية للعنصرية عديدة منها: طبيعة النظام السياسي المهيمن، والتنشئة الاجتماعية في البيت والمدرسة، والخطاب الديني والإعلامي السائد، وبالطبع البيئة لها دور كبير في تشكيل الإنسان وحقنه بالمضادات العنصرية أو العكس.
التمييز الوظيفي والفساد الاداري له علاقة بالعنصرية أيضا، حين يحصل بعض الأشخاص على ترقيات وظيفية أو مناصب مرموقة من دون وجه حق، لا كفاءة ولا خبرة، إنما المكرمات تنهال على المحسوبين على فئة أو طائفة أو قبيلة ما محسوبة على النظام السياسي هذا أو ذاك.
والعنصرية أمر نسبي، تزيد وتنقص عند الإنسان بحسب بيئته، فالمجتمعات الحرة والديموقراطية حقا والتي تحترم الإنسان فعلا تقل فيها نسبة العنصرية.
أما مجتمعاتنا العربية، فإن العنصرية تزداد فيها نسبياً لأسباب عدة، أهمها: ان أغلب الأنظمة العربية تمارس العنصرية في أقبح صورها، لأن هذه الأنظمة دوماً على خلاف تام مع وجود قانون عام يُطبق على الجميع سواسية ويحقق المواطنة المتساوية، بين الفقير والغني، الوزير والغفير، وأيضا هذه الأنظمة على خلاف دائم مع وجود برلمان حقيقي يمثل المواطنين ويحقق مطالبهم، فالأنظمة تقبل المجالس النيابية فقط في حالة واحدة، إذا كانت شكلية وصورية، ناهيك عن وجود سلطة قضائية دوما تؤتمر بالآمر الناهي، ومن يملك مفاتيح المال والقوة والجاه والسلطان. ومعظم الدساتير العربية تنص على شيء، والممارسة والأفعال شيء آخر.
ولأن العنصرية على وئام تام مع وجود فئة قليلة تتحكم في مصائر الغالبية من البشر، وتملك مصادر القوة والمال والإعلام والسلاح، لذا فإن الغلبة دوما لها للأسف.
فهل سيأتي اليوم الذي نتخلص من المسببات الموضوعية للعنصرية ويتغير فيه حال أمتنا للأفضل؟
[email protected]