عملاق الرواية الروسية في القرن التاسع عشر «1 من 2»
محطة / ليو تولستوي أكبر كاتب إنساني... وصاحب «الحرب والسلام»
مكتبه
ليو تولستوي
|موسكو- هلال الحارثي|
الحديث عن الرواية الروسية وتاريخ الأدب في روسيا يستدعي الذاكرة لتذهب إلى عملاق الأدب، وفارس الرواية، الكاتب الإنساني الكبير ليو تولستوي. هذا الكاتب الكبير الذي ترك إرثاً تاريخياً ضخماً، فلا يذكر الأدب الروسي، بل لا تذكر روسيا قاطبة إلا ويذهب بك التفكير إلى هذا العملاق الروسي. ولقد مكثت وقتاً طويلا في كتابة هذا الموضوع، ليس لقلة المصادر والمعلومات التي تتحدث عن «ليو تولستوي» فكتب الأدب بمكتبات روسيا تزخر بالكثير والكثير عنه. حتى المواطنين البسطاء في الشوارع لو سألت أحدهم لأغناك حديثاً عنه. ولكن الأمر الصعب يكمن في كيفية الإلمام بمثل هذه الهامة الأدبية السامقة، التي تحتاج إلى مجلدات ومؤلفات للإلمام بكل جوانبها.
حيث يعد الروائي الروسي الكونت ليف نيكولايافيتش تولستوي المشهور باسم ليو تولستوي أحد عمالقة الروائيين الروس وأحد أعمدة الأدب الروسي في القرن التاسع عشر، كما يعده بعض النقاد أعظم الروائيين على الإطلاق. ولد في بلدة ياسنايا بوليانا (مسافة أربع ساعات بالسيارة من موسكو) في 28 أغسطس 1828، وتوفي في بلدة «ستابوفا» في تاريخ 20 نوفمبر 1910، أي أنه عاش 82 عاماً مليئة بالإبداعات المتتالية في فن الرواية، متخذا الأدب الواقعي منهجاً له. لاسيما وأنه كان يؤمن بالمقاومة السلمية. وتعد «الحرب والسلام»، و«أنا كارنينا»، و«الحاج مراد» أهم أعماله الروائية والتي أكسبته شهرة عالمية واسعة.
ولد ليف نيقولايفتش تولستوي من أبٍ نبيل، طيب الأرومة، ومن أمٍ كريمة النِّجار، مبسوطة الغنى، وماتت أمه عن خمسة أطفال، وكان (ليف) لا يعدو الثانية من عمره، ومع هذا فقد قال في كتاب (طفولة)، كيف كانت تغسله أمه، وكيف كان يلذّ له أن يضرب الماء بقدميه، ويداعب فقاعات الصابون بأنامله، وكان يذكر نظرة أمه الباسمة الحانية الرفيقة. ثم مات أبوه، فجأة، وعمر (ليف) لا يجاوز التاسعة، وأثّر فيه هذا الحادث فأفهمه أن الواقع قد يكون مراً قاسياً.
ثم عاش وإخوته في كنف جدته، إلا أنها مالبثت أن ماتت، ثم عنيت به وبأخوته العمة (تاتيانا) المحبة المخلصة والعمة (الكسندرا) التي كان يتحلّقها الفقراء والبسطاء، وكانت تقيّة متدينة. الأمر الذي زرعته في نفسه وظهر في شيخوخته. وفي الثانية عشرة من عمره تفتحت موهبته الأدبية فنظم أول قصيدة له في مدح عمته (الكسندرا)، ولما ماتت في العام التالي حزن عليها أشد الحزن.
وفي العام 1844 مضى هو وأخوته إلى (كازان) ليدرس، في البدء، اللغات الشرقية، ثم يتحول منها إلى الحقوق دون نجاحٍ كبير أو تألق، وكانت تتجاذب نفسه الأهواء المتباينة، فهو يؤثر العزلة تارةً، ويقبل على الغواية تارة أخرى.
ومضى (ليف) إلى (سانت بطرسبورغ) ليتابع فيها دراسته، ثم يمل حياة المجون ويعكف على المطالعة، ويبدأ بكتابة مذكراته، وقد لخّص أمانيه في سنه تلك الغضّة، فرجا أن يكون قادراً على إتقان الفرنسية دون عناء، وأن تكون أظافره نظيفةً، وقفزت أمانيه، بعد أمدٍ، فتمنى أن يحذق اللغات كلها وأن يجيد العزف على الآلات الموسيقية كلها، وأن يشارف ذروة الكمال في التصوير. وكان يريد أن يحمل الناس جميعاً على محبته وإيثاره، بيد أن عقدة نفسية كانت تشغله.
كان يعلم أنه غير وسيم وأن له أنفاً ضخماً وأذنين كبيرتين، وقد تساءل غير مرة، في مذكراته: كيف يمكن للإنسان أن يكون سعيداً وله مثل هذا الأنف الضخم؟ كما كتب ذات مرة في مذكراته: «إنني قبيحٌ لُكَع، كثير الاستجابة للغضب، كثير النَّفْج والادعاء، ولكني مخلصٌ أحب الخير، وأستاء من نفسي إن ابتعدت عنه فلا ألبث أن أنكفئ، جذلانَ، إلى الخير، بيد أن ثمة شيئاً آخر أؤثره على الخير هو المجد».
تزوج تولستوي من «صوفي بيرز» التي أثبتت أنها خير الزوجات وأفضل رفاق الحياة بالرغم من أنها تصغره بستة عشر عاما. خلفا 12 طفلا مات خمسة منهم في الصغر. وكان زواجه ملاذه لهدوء البال والطمأنينة، لأنه كان يعيده إلى واقع الحياة هربا من دوامة أفكاره. صوفي كانت خير عون له في كتابته، فقد نسخت مخطوط روايته الحرب والسلام 7 مرات حتى كانت النسخة الأخيرة والتي تم نشرها. حتى في شيخوخته كان متماسكا، وقوي الذاكرة دون أن تضعف رؤاه.
كان ليو تولستوي روائيا ومصلحا اجتماعيا وداعية سلام ومفكرا أخلاقيا وعضوا مؤثرا في أسرة تولستوي وكفيلسوف أخلاقي اعتنق أفكار المقاومة السلمية النابذة للعنف وتبلور ذلك في كتاب (مملكة الرب بداخلك) وهو العمل الذي أثر على مشاهير القرن العشرين مثل المهاتماغاندي ومارتن لوثر كينج في جهادهما الذي اتسم بسياسة المقاومة السلمية النابذة للعنف.
من أشهر أعماله روايتا «الحرب والسلام» و«أنا كارنينا» وهما يتربعان على قمة الأدب الواقعي، إذ يعطيان صورة واقعية للحياة الروسية في تلك الحقبة الزمنية. ويُعد كتاب الحرب والسلام من أشهر أعمال تولستوي، حيث يتناول هذا الكتاب مراحل الحياة المختلفة، كما يصف الحوادث السياسية والعسكرية التي حدثت في أوروبا في الفترة مابين 1805 - 1820م. وتناول فيها غزو نابليون لروسيا عام 1812م. ومن أشهر كتبه أيضًا «أنا كارنينا» الذي عالج فيه قضايا اجتماعية وأخلاقية وفلسفية في شكل مأساة غرامية كانت بطلتها هي أنَّا كارنينا. ومن كتب تولستوي أيضًا كتاب ما الفن؟ حيث أوضح من خلاله أن الفن ينبغي أن يُوجِّه الناس أخلاقيًا، وأن يعمل على تحسين أوضاعهم، ولابد أن يكون الفن بسيطًا يخاطب عامة الناس.
وقد تعمق تولستوي في القراءات الدينية، ودعا للسلام وعدم الاستغلال، وعارض القوة والعنف في شتى صورهما. ولم تقبل الكنيسة آراء تولستوي التي انتشرت في سرعة كبيرة، فكفرته وأبعدته عنها. وأُعجب بآرائه عدد كبير من الناس وكانوا يزورونه في مقره بعد أن عاش حياة المزارعين البسطاء تاركًا عائلته الثرية المترفة.
له كتاب عن الرسول صلى الله عليه وسلم موسوم تحت عنوان (حِكَم النبي محمد)، قال فيه: «يكفي محمد فخرا أنه خلص أمة ذليلة دموية من مخالب شياطين العادات الذميمة، وفتح على وجوههم طريق الرقي والتقدم، وأضاف إن شريعة محمد ستسود العالم لانسجامها مع العقل والحكمة. وقال عنه أيضا: «لقد قام بعمل عظيم بهدايته وثنيين قضوا حياتهم في الحروب وسفك الدماء، فأنار أبصارهم بنور الإيمان وأعلن أن جميع الناس متساوون أمام الله» .
وفي فصل آخر من كتابه وتحت عنوان (من كان محمد) يقول: من أراد أن يتحقق مما عليه الدين الإسلامي من التسامح فليس له سوى أن يطالع القرآن الكريم بإمعان وتدبر فقد جاء في آياته ما يدل على روح الدين الإسلامي السامية منها: «َاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ».
ويقول كذلك: لقد تحمل في سنوات دعوته الأولى كثيراً من اضطهاد أصحاب الديانة الوثنية القديمة وغيرها شأن كل نبي قبله نادى أمته إلى الحق ولكن هذه المحن لم تثن عزمه بل ثابر على دعوة أمته مع أن محمداً لم يقل إنه نبي الله الوحيد بل آمن أيضاً بنبوة موسى والمسيح ودعا قومه إلى هذا الاعتقاد أيضاً وقال إن اليهود والنصارى لا ينبغي أن يكرهوا على ترك دينهم بل يجب عليهم أن يتبعوا وصايا أنبيائهم.
ويقول تولستوي أيضاً: ومما لا ريب فيه أن النبي محمد كان من عظماء الرجال المصلحين الذين خدموا المجتمع الإنساني خدمة جليلة ويكفيه فخراً أنه هدى أمة بأكملها إلى نور الحق وجعلها تجنح إلى السكينة والسلام وتؤثر عيشة الزهد ومنعها من سفك الدماء وتقديم الضحايا البشرية وفتح لها طريق الرقي والمدنية وهذا عمل عظيم لا يقوم به شخص مهما أوتي من قوة، ورجل مثل هذا جدير بالاحترام والإجلال.
كما اختار تولستوي مجموعة من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وضمنها كتابه ومنها: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» و «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» و«إن الله عز وجل يحب أن يرى عبده ساعيا في طلب الحلال».
ومن أقواله الشهيرة أيضاً: « لقد فهمت... لقد أدركت... ما تحتاج إليه البشرية هو شريعة سماوية تحق الحق، وتزهق الباطل». «أنا واحد من المبهورين بالنبي محمد الذي اختاره الله الواحد لتكون آخر الرسالات على يديه، وليكون هو أيضا آخر الأنبياء».
وله مقولة مشهورة يقول فيها: «الجميع يفكر في تغيير العالم, ولكن لا أحد يفكر في تغيير نفسه». وقال : «إنه لأيسر للمرء أن يكتب عشرة مجلدات في الفلسفة من أن يطبّق مبدأً واحداً». وقال أيضاً: « ليس الكمال الخلقي الذي يصل إليه الإنسان بمهمٍ، بل الطريقة التي ينتهجها ليدركه».
ومن أقواله في دعوته للسلام وحبه له، وبغضه للحرب والعنف: «ألا يستطيع البشر أن يعيشوا في طمأنينة، في هذا العالم البديع، تحت قبة السماء الرحيبة المطرّزة بالنجوم، إن كل ما يمور في قلب الإنسان من شر ينبغي أن يمّحي ويزول حين يفرغ إلى الطبيعة، هذا المجلى المباشر الصحيح للجمال والخير». كما قال في إحدى مذكراته في حبه للقراءة والاطلاع: « أشعر بحاجة مُلحّة إلى أن أعرف ثم أعرف ثم أعرف».
أما ما قيل عنه فهو الكثير، ولكن أشهرها ما مقولة (لينين) المأثورة عنه: «إن (تولستوي) هو مرآة الثورة الروسية»
التحق بجامعة قازان عام 1844م، ولكن طريقة التدريس لم تعجبه فهجرها إلى الأعمال الحرة عام 1847م. وبدأ بتثقيف نفسه، وشرع في الكتابة. في تلك المرحلة الأولى من حياته كتب ثلاثة كتب وهي: الطفولة 1852، والصبا 1854، والشباب 1857م. لكنه سئم حياته تلك فالتحق بالجيش الذي كان في حرب في منطقة القفقاس، وشارك في بعض المعارك ضد جيش المريدين بقيادة الإمام شامل. ومن هنا أحب القفقاس وأثرت فيه حياة شعوب القفقاس وكتب عن تجاربه تلك موضوعات نُشرت في الصحف، وألَّف عنها كتابه (الكوزاك 1863م) الذي يحتوي على عدة قصص. وبعد تقاعده من الخدمة العسكرية سافر إلى أوروبا الغربية وأعجب بطرق التدريس هناك. ولما عاد لمسقط رأسه بدأ في تطبيق النظريات التربوية التقدمية التي عرفها، وذلك بأن فتح مدرسة خاصة لأبناء المزارعين. وأنشأ مجلة تربوية تدعى ياسنايا بوليانا شرح فيها أفكاره التربوية ونشرها بين الناس.
الحديث عن الرواية الروسية وتاريخ الأدب في روسيا يستدعي الذاكرة لتذهب إلى عملاق الأدب، وفارس الرواية، الكاتب الإنساني الكبير ليو تولستوي. هذا الكاتب الكبير الذي ترك إرثاً تاريخياً ضخماً، فلا يذكر الأدب الروسي، بل لا تذكر روسيا قاطبة إلا ويذهب بك التفكير إلى هذا العملاق الروسي. ولقد مكثت وقتاً طويلا في كتابة هذا الموضوع، ليس لقلة المصادر والمعلومات التي تتحدث عن «ليو تولستوي» فكتب الأدب بمكتبات روسيا تزخر بالكثير والكثير عنه. حتى المواطنين البسطاء في الشوارع لو سألت أحدهم لأغناك حديثاً عنه. ولكن الأمر الصعب يكمن في كيفية الإلمام بمثل هذه الهامة الأدبية السامقة، التي تحتاج إلى مجلدات ومؤلفات للإلمام بكل جوانبها.
حيث يعد الروائي الروسي الكونت ليف نيكولايافيتش تولستوي المشهور باسم ليو تولستوي أحد عمالقة الروائيين الروس وأحد أعمدة الأدب الروسي في القرن التاسع عشر، كما يعده بعض النقاد أعظم الروائيين على الإطلاق. ولد في بلدة ياسنايا بوليانا (مسافة أربع ساعات بالسيارة من موسكو) في 28 أغسطس 1828، وتوفي في بلدة «ستابوفا» في تاريخ 20 نوفمبر 1910، أي أنه عاش 82 عاماً مليئة بالإبداعات المتتالية في فن الرواية، متخذا الأدب الواقعي منهجاً له. لاسيما وأنه كان يؤمن بالمقاومة السلمية. وتعد «الحرب والسلام»، و«أنا كارنينا»، و«الحاج مراد» أهم أعماله الروائية والتي أكسبته شهرة عالمية واسعة.
ولد ليف نيقولايفتش تولستوي من أبٍ نبيل، طيب الأرومة، ومن أمٍ كريمة النِّجار، مبسوطة الغنى، وماتت أمه عن خمسة أطفال، وكان (ليف) لا يعدو الثانية من عمره، ومع هذا فقد قال في كتاب (طفولة)، كيف كانت تغسله أمه، وكيف كان يلذّ له أن يضرب الماء بقدميه، ويداعب فقاعات الصابون بأنامله، وكان يذكر نظرة أمه الباسمة الحانية الرفيقة. ثم مات أبوه، فجأة، وعمر (ليف) لا يجاوز التاسعة، وأثّر فيه هذا الحادث فأفهمه أن الواقع قد يكون مراً قاسياً.
ثم عاش وإخوته في كنف جدته، إلا أنها مالبثت أن ماتت، ثم عنيت به وبأخوته العمة (تاتيانا) المحبة المخلصة والعمة (الكسندرا) التي كان يتحلّقها الفقراء والبسطاء، وكانت تقيّة متدينة. الأمر الذي زرعته في نفسه وظهر في شيخوخته. وفي الثانية عشرة من عمره تفتحت موهبته الأدبية فنظم أول قصيدة له في مدح عمته (الكسندرا)، ولما ماتت في العام التالي حزن عليها أشد الحزن.
وفي العام 1844 مضى هو وأخوته إلى (كازان) ليدرس، في البدء، اللغات الشرقية، ثم يتحول منها إلى الحقوق دون نجاحٍ كبير أو تألق، وكانت تتجاذب نفسه الأهواء المتباينة، فهو يؤثر العزلة تارةً، ويقبل على الغواية تارة أخرى.
ومضى (ليف) إلى (سانت بطرسبورغ) ليتابع فيها دراسته، ثم يمل حياة المجون ويعكف على المطالعة، ويبدأ بكتابة مذكراته، وقد لخّص أمانيه في سنه تلك الغضّة، فرجا أن يكون قادراً على إتقان الفرنسية دون عناء، وأن تكون أظافره نظيفةً، وقفزت أمانيه، بعد أمدٍ، فتمنى أن يحذق اللغات كلها وأن يجيد العزف على الآلات الموسيقية كلها، وأن يشارف ذروة الكمال في التصوير. وكان يريد أن يحمل الناس جميعاً على محبته وإيثاره، بيد أن عقدة نفسية كانت تشغله.
كان يعلم أنه غير وسيم وأن له أنفاً ضخماً وأذنين كبيرتين، وقد تساءل غير مرة، في مذكراته: كيف يمكن للإنسان أن يكون سعيداً وله مثل هذا الأنف الضخم؟ كما كتب ذات مرة في مذكراته: «إنني قبيحٌ لُكَع، كثير الاستجابة للغضب، كثير النَّفْج والادعاء، ولكني مخلصٌ أحب الخير، وأستاء من نفسي إن ابتعدت عنه فلا ألبث أن أنكفئ، جذلانَ، إلى الخير، بيد أن ثمة شيئاً آخر أؤثره على الخير هو المجد».
تزوج تولستوي من «صوفي بيرز» التي أثبتت أنها خير الزوجات وأفضل رفاق الحياة بالرغم من أنها تصغره بستة عشر عاما. خلفا 12 طفلا مات خمسة منهم في الصغر. وكان زواجه ملاذه لهدوء البال والطمأنينة، لأنه كان يعيده إلى واقع الحياة هربا من دوامة أفكاره. صوفي كانت خير عون له في كتابته، فقد نسخت مخطوط روايته الحرب والسلام 7 مرات حتى كانت النسخة الأخيرة والتي تم نشرها. حتى في شيخوخته كان متماسكا، وقوي الذاكرة دون أن تضعف رؤاه.
كان ليو تولستوي روائيا ومصلحا اجتماعيا وداعية سلام ومفكرا أخلاقيا وعضوا مؤثرا في أسرة تولستوي وكفيلسوف أخلاقي اعتنق أفكار المقاومة السلمية النابذة للعنف وتبلور ذلك في كتاب (مملكة الرب بداخلك) وهو العمل الذي أثر على مشاهير القرن العشرين مثل المهاتماغاندي ومارتن لوثر كينج في جهادهما الذي اتسم بسياسة المقاومة السلمية النابذة للعنف.
من أشهر أعماله روايتا «الحرب والسلام» و«أنا كارنينا» وهما يتربعان على قمة الأدب الواقعي، إذ يعطيان صورة واقعية للحياة الروسية في تلك الحقبة الزمنية. ويُعد كتاب الحرب والسلام من أشهر أعمال تولستوي، حيث يتناول هذا الكتاب مراحل الحياة المختلفة، كما يصف الحوادث السياسية والعسكرية التي حدثت في أوروبا في الفترة مابين 1805 - 1820م. وتناول فيها غزو نابليون لروسيا عام 1812م. ومن أشهر كتبه أيضًا «أنا كارنينا» الذي عالج فيه قضايا اجتماعية وأخلاقية وفلسفية في شكل مأساة غرامية كانت بطلتها هي أنَّا كارنينا. ومن كتب تولستوي أيضًا كتاب ما الفن؟ حيث أوضح من خلاله أن الفن ينبغي أن يُوجِّه الناس أخلاقيًا، وأن يعمل على تحسين أوضاعهم، ولابد أن يكون الفن بسيطًا يخاطب عامة الناس.
وقد تعمق تولستوي في القراءات الدينية، ودعا للسلام وعدم الاستغلال، وعارض القوة والعنف في شتى صورهما. ولم تقبل الكنيسة آراء تولستوي التي انتشرت في سرعة كبيرة، فكفرته وأبعدته عنها. وأُعجب بآرائه عدد كبير من الناس وكانوا يزورونه في مقره بعد أن عاش حياة المزارعين البسطاء تاركًا عائلته الثرية المترفة.
له كتاب عن الرسول صلى الله عليه وسلم موسوم تحت عنوان (حِكَم النبي محمد)، قال فيه: «يكفي محمد فخرا أنه خلص أمة ذليلة دموية من مخالب شياطين العادات الذميمة، وفتح على وجوههم طريق الرقي والتقدم، وأضاف إن شريعة محمد ستسود العالم لانسجامها مع العقل والحكمة. وقال عنه أيضا: «لقد قام بعمل عظيم بهدايته وثنيين قضوا حياتهم في الحروب وسفك الدماء، فأنار أبصارهم بنور الإيمان وأعلن أن جميع الناس متساوون أمام الله» .
وفي فصل آخر من كتابه وتحت عنوان (من كان محمد) يقول: من أراد أن يتحقق مما عليه الدين الإسلامي من التسامح فليس له سوى أن يطالع القرآن الكريم بإمعان وتدبر فقد جاء في آياته ما يدل على روح الدين الإسلامي السامية منها: «َاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ».
ويقول كذلك: لقد تحمل في سنوات دعوته الأولى كثيراً من اضطهاد أصحاب الديانة الوثنية القديمة وغيرها شأن كل نبي قبله نادى أمته إلى الحق ولكن هذه المحن لم تثن عزمه بل ثابر على دعوة أمته مع أن محمداً لم يقل إنه نبي الله الوحيد بل آمن أيضاً بنبوة موسى والمسيح ودعا قومه إلى هذا الاعتقاد أيضاً وقال إن اليهود والنصارى لا ينبغي أن يكرهوا على ترك دينهم بل يجب عليهم أن يتبعوا وصايا أنبيائهم.
ويقول تولستوي أيضاً: ومما لا ريب فيه أن النبي محمد كان من عظماء الرجال المصلحين الذين خدموا المجتمع الإنساني خدمة جليلة ويكفيه فخراً أنه هدى أمة بأكملها إلى نور الحق وجعلها تجنح إلى السكينة والسلام وتؤثر عيشة الزهد ومنعها من سفك الدماء وتقديم الضحايا البشرية وفتح لها طريق الرقي والمدنية وهذا عمل عظيم لا يقوم به شخص مهما أوتي من قوة، ورجل مثل هذا جدير بالاحترام والإجلال.
كما اختار تولستوي مجموعة من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وضمنها كتابه ومنها: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» و «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» و«إن الله عز وجل يحب أن يرى عبده ساعيا في طلب الحلال».
ومن أقواله الشهيرة أيضاً: « لقد فهمت... لقد أدركت... ما تحتاج إليه البشرية هو شريعة سماوية تحق الحق، وتزهق الباطل». «أنا واحد من المبهورين بالنبي محمد الذي اختاره الله الواحد لتكون آخر الرسالات على يديه، وليكون هو أيضا آخر الأنبياء».
وله مقولة مشهورة يقول فيها: «الجميع يفكر في تغيير العالم, ولكن لا أحد يفكر في تغيير نفسه». وقال : «إنه لأيسر للمرء أن يكتب عشرة مجلدات في الفلسفة من أن يطبّق مبدأً واحداً». وقال أيضاً: « ليس الكمال الخلقي الذي يصل إليه الإنسان بمهمٍ، بل الطريقة التي ينتهجها ليدركه».
ومن أقواله في دعوته للسلام وحبه له، وبغضه للحرب والعنف: «ألا يستطيع البشر أن يعيشوا في طمأنينة، في هذا العالم البديع، تحت قبة السماء الرحيبة المطرّزة بالنجوم، إن كل ما يمور في قلب الإنسان من شر ينبغي أن يمّحي ويزول حين يفرغ إلى الطبيعة، هذا المجلى المباشر الصحيح للجمال والخير». كما قال في إحدى مذكراته في حبه للقراءة والاطلاع: « أشعر بحاجة مُلحّة إلى أن أعرف ثم أعرف ثم أعرف».
أما ما قيل عنه فهو الكثير، ولكن أشهرها ما مقولة (لينين) المأثورة عنه: «إن (تولستوي) هو مرآة الثورة الروسية»
التحق بجامعة قازان عام 1844م، ولكن طريقة التدريس لم تعجبه فهجرها إلى الأعمال الحرة عام 1847م. وبدأ بتثقيف نفسه، وشرع في الكتابة. في تلك المرحلة الأولى من حياته كتب ثلاثة كتب وهي: الطفولة 1852، والصبا 1854، والشباب 1857م. لكنه سئم حياته تلك فالتحق بالجيش الذي كان في حرب في منطقة القفقاس، وشارك في بعض المعارك ضد جيش المريدين بقيادة الإمام شامل. ومن هنا أحب القفقاس وأثرت فيه حياة شعوب القفقاس وكتب عن تجاربه تلك موضوعات نُشرت في الصحف، وألَّف عنها كتابه (الكوزاك 1863م) الذي يحتوي على عدة قصص. وبعد تقاعده من الخدمة العسكرية سافر إلى أوروبا الغربية وأعجب بطرق التدريس هناك. ولما عاد لمسقط رأسه بدأ في تطبيق النظريات التربوية التقدمية التي عرفها، وذلك بأن فتح مدرسة خاصة لأبناء المزارعين. وأنشأ مجلة تربوية تدعى ياسنايا بوليانا شرح فيها أفكاره التربوية ونشرها بين الناس.