من الآخر

الحرب الدافئة مع إيران

تصغير
تكبير
شهدت العلاقات السعودية - الإيرانية في الآونة الأخيرة تقارباً، فهذان البلدان اللذان عرفا صداماً ثنائياً في أكثر من ملف، تَحتَّم عليهما التقارب، أو على الأقل، الكف عن سياسة التباعد والتنافر التي اتسمت بها العلاقة بينهما في العقود الأخيرة، وذلك بالعمل على تعزيز الملفات التي يمكنها أن تساعد على ذلك التقارب، بغض النظر عن الملفات شديدة السخونة (السوري واليمني) ولو موقتا.

وكان من مؤشرات هذا التقارب تصريح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بأن بلاده والسعودية تمكنتا من وقف عرقلة عملية الانتخابات الرئاسية في لبنان، وحققتا نجاحاً بانتخاب ميشال عون رئيساً للبنان.


إضافة إلى ذلك وافقت السعودية على تخفيض الإنتاج النفطي لمصلحة استمرار إيران في زيادة إنتاجها. كما وجهت دعوة إلى إيران لمناقشة عودة حجاجها في موسم الحج المقبل بعدما قاطعت إيران تلك المناسك العام الماضي على خلفية توترات بين البلدين.

هذه المواقف السعودية فهمت في إيران، ومن المتابعين لملف العلاقات بين الدولتين، على أنها رسالة سعودية تتضمن رغبة في تخفيف العداء، وتقوية لمواقف الإصلاحيين أمام المتشددين داخل إيران، خاصة وأنها كانت نقطة دعم لجهودهم من أجل تحسين الوضع الاقتصادي وكسب ثقة الشعب الإيراني.

لقد اعتقد المراقبون أن هذه الإرهاصات تمهد لفتح صفحة جديدة بين الرياض وطهران، لكن فاجأتهم تصريحات ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بأن السعودية «لن تُلدغ» من إيران مجدداً، وأنه لا توجد نقاط التقاء بين البلدين للحوار والتفاهم. لم يتأخر الرد الإيراني على تصريحات محمد بن سلمان كثيراً؛ إذ انتفضت القنوات الرسمية وغير الرسمية للتهجم على المملكة، ففي محاولة للدفاع عن بلاده، خرج الناطق باسم الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، يكيل الهجوم للمملكة وقاداتها، من دون الرد على أيٍّ من تصريحات ولي ولي العهد السعودي، خاصةً ما يتعلق منها بمحاولات زعزعة استقرار المنطقة، ومحاولة السيطرة وتحقيق الأطماع المنصوص عليها صراحة في الدستور الإيراني.

لقد استغربت الرد الرسمي الإيراني على ما صرح به ولي ولي العهد السعودي بخصوص نقل الحرب إلى الداخل الإيراني، وهو ما يمثل إعلاناً صريحاً للحرب «الدافئة» ضد إيران، ولكن أبواق طهران، ومنهم أبواق عربية ومحللو الضد السعودي والخليجي، لم يسكتوا؛ واعتبروا أن التأليب الحاصل حالياً للأقليات المجتمعية في الداخل الإيراني، مثل البلوش وعرب الأهواز وغيرهم تقف وراءه المملكة. وهذا طبع الساسة، يمسكون بحبل «ولا تقربوا الصلاة» لتبرير اتهاماتهم للآخر، والهجوم عليه لتأليب الرأي العام العالمي ضده.

لقد كان رد إيران الباهت دليلاً وبرهاناً على أنها تقف وراء كل المشكلات الطائفية في المنطقة، وكانت حججها واهية، خصوصاً عندما عرض ولي ولي العهد السعودي سرداً تاريخياً للعلاقات بين البلدين، وأكد أن المملكة حاولت مرات عدة أن تكون العلاقات متكافئة وتقوم على حسن الجوار واحترام الآخر وعدم التدخل، لكن إيران لم تلتزم بهذه السياسة الدولية المنظمة للعلاقات، وتوسعت في تدخلاتها.

وحين نقارن بين تراشقات الحرب الباردة والحرب الدافئة، نجد أن الموقف الإيراني يصب في خانة «حرب الإسكيمو»! ربما يطمح الإيرانيون من وراء ذلك إلى عدم إعطاء الخطاب أهمية أكبر، حتى يمر غباره وينساه الناس. إيران اليوم لا يهمها رأي الخليج العربي فيها، ولا تريد أن تفتح جبهات عدة ربما تضعضع قواها، ما يهمها ويقلقها هو تلك الخطابات التي يطلقها ساكن البيت الأبيض عن نيته إلغاء الاتفاق النووي، وتأثير ذلك في اقتصادها وسلاحها النووي.

قد يصب الخطاب السعودي في خانة التمهيد لقرار إنهاء الاتفاق النووي، أو قد يكون تحفيزاً على التعجيل بذلك، وهو خطاب - من وجهة نظري - لم يأتِ بجديد عن جرائم إيران في المنطقة، لكن توقيته أتى بجديد، ربما ما يفعله الرئيس الأميركي مع إيران اليوم مشابه لما فعله جورج دبليو بوش الابن مع صدام حسين، خصوصاً أن ترامب يخطط لثماني سنوات رئاسية، وهو ما يستدعي منه تخطيطاً طويل الأمد للنيل من إيران... لكن السؤال الذي ربما يطل برأسه هنا: هل كانت روسيا ستوافق على غزو العراق لو لم تكن إيران راضية بل ومتحفزة لذلك؟ طبعاً لا. إذاً كيف سيخضع الرئيس الأميركي إيران؟ الخطاب السعودي أجاب عن هذا السؤال: سورية ثانية!

المنطقة الملتهبة تحولت من ربيع الثورات إلى ربيع الحكم الذاتي ودعم الأقليات، والسلاح نفسه الذي تستخدمه إيران سيُستخدم ضدها.

إذا كانت الحرب الباردة اقتصادية وعقوبات من الخارج، فإن الحرب الدافئة هي حرب لتقويض الاستقرار السياسي، وزعزعة الداخل. وهذا النوع الذي جربته الولايات المتحدة في لبنان وأفغانستان وسورية، تريد أن تطبقه على إيران وتستهلكها أكثر في الداخل، وتعلم أميركا أن روسيا ستسند إيران، لذا فهي ستعمل أيضا على استنفاد قوة الدب الروسي في حرب داخلية أخرى، كما في سورية، ليعاني اقتصادياً أكثر، وهي ستضرب بذلك طائرين بحجر واحد، وهكذا ستشهد المنطقة حروباً دافئة طويلة الأمد، وما الخطاب السعودي إلا إذن بانطلاق هذه السياسة التي توافق عليها دول الخليج العربي، بعد كل ما ذاقته وتتذوقه من إيران، بكل وضوح واختصار.

Nasser.com.kw
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي