في مجتمعنا كل شيء له ثمنه في الحياة فالطالب الذي يجد في دراسته لحصد التفوق قد يكون غير متاح له ذلك، لأن نظامنا التعليمي العالي ثقافته غير مستقرة تلعب فيها العاطفة والروح المعنوية وأخلاق المعلم دوراً في تقييم الطلبة!
والثمن بالنسبة إلى الطالب أثره هين، حين مقارنته بثمن أمور أخرى كثيرة، فالطالب حين يرسب أو يحصل على تقدير متدنٍ، فالضرر ممكن تلافيه وأثره يقع على الطالب فقط. ولكن حينما تلعب العاطفة والروح المعنوية والأخلاق دوراً مؤثراً في تعاملاتنا الإدارية والسياسية فلا شك أن الثمن تظهر آثاره على ثقافة المجتمع ككل، وبالتالي يصبح الضرر عاملاً رئيسياً في تفشي الفساد، وهو ما نشاهده حالياً.
يقول هوفستيد في بحثه المنشور عام 1997 إن تبوؤ المناصب القيادية في الكويت لم يكن على أساس الكفاءة والقدرات الشخصية للمرشح، بل على قدر ما يمتلك المرشح من علاقات وحسب واسطته، وهو مؤشر للفساد الذي تغلغل في جميع مؤسسات الدولة العام منها والخاص، ومن المؤكد أنه صبغ لوناً خاصاً بأخلاقيات المهنة القيادية في الكويت وزرع روح اللامبالاة لدى الكفاءات ممن لا واسطة لهم.
ولو أخذنا الموضوع من نظرة فلسفية وحاولنا معاينة الوضع في مجلس الأمة، لوجدنا التكتيكات بيت الكتل والحكومة هي اللاعب الأساسي في إيصال البعض إلى عضوية لجان المجلس، ولوجدنا قاعدتي «هذا ولدنا» و«من صادها عشا عياله» هما المحصلة في تحديد النمط القيادي كون التراكمات ستدخل طرفاً في تنصيب قادة نعتقد، والله الأعلم، أنهم من غير الكفاءات، والدليل واضح في تدني مستوى الخدمات وتكرار الأزمات والتجاوزات.
إن المشكلة وطريقة معالجتها التي ينظر لها دارسو علم القيادة لدينا مبنية على نظريات ظهرت من دراسات لباحثين في مجتمعات غريبة تختلف ثقافتها عن مجتمعنا الذي يعاني من خلل في المفاهيم الإدارية والقيادية على حد سيان، خصوصاً في جزئية اختيار القياديين الذي تلعب الواسطة «Nepotism» أو المحسوبية «Favoritism» دوراً رئيسياً، رغم أن هذه الحقيقة لا تعجب البعض، لكن هذا هو الواقع؟
لذلك، بات لزاماً علينا تحليل الوضع الحالي للنفسية التي تدار بها مؤسساتنا والسلوك السياسي والقيادي المتبع قبل أن يقرر المعنيون تطبيق النظريات الغربية على مجتمعنا، ولو عدنا إلى تقرير ماكينزي وتوصياته لوجدنا الحلقة المفقودة!
هذا الأمر يحتاج كذلك إلى معالجة مستوى الاخلاقيات والروح المعنوية في مؤسساتنا، وهو ما يطلق عليه: «Ethics and Moral state in Kuwaiti Organizations»، والتي من وجهة نظر بعض الباحثين هي المحرك الرئيسي لحال الانفلات الاداري والقيادي الذي تعاني منه ممارساتنا الإدارية المتأثرة بالممارسات السياسية، وكل حسب ثمنه يجد نصيبه!
علينا أن نبعد القبيلة، الكتلة، الفئوية عند الاختيار حتى على مستوى رؤساء الأقسام، وذلك من خلال وضع ضوابط ومعايير يكون الأساس فيها مبنيا على الكفاءة والعدالة وتكافؤ الفرص للجميع، وهي مذكورة في مواد دستورية، ولكن رياح التسييس غيبتها.
الحاصل أن ثمن الحيادية تدفعه الكفاءات التي لم تجد من يساندها، وإن حصل خلاف ذلك فإنها حالات نادرة، والضعيف، للعلم، حينما يتم تنصيبه فإنه يخشى من ترقية الكفاءات خوفاً من قدراتهم التي لا يمتلك أبجدياتها!
هذا بإيجاز، ولا نرغب في عرض الأمثلة لأنه حتى وان تم شرحها فالعرض لن يضيف الجديد على مضمون الحيادية. ونحن هنا فقط نحاول بسط الأساس والحقائق من جانب علمي أفرزته دراسات تم عملها على مجتمعنا الكويتي، ولم تجد من يقرأها بتمعن مع الأسف أو قد يعود السبب إلى نظرية «عطني أعطيك»... والله المستعان!
تركي العازمي
كاتب ومهندس كويتي
[email protected]