دعوني أستعير عبارة المحامي محمد عبدالقادر الجاسم في مقاله على موقعه الإلكتروني «بخور ودستور» والتي يقول فيها: «إن الدولة تنهار وأسرع مما توقعت شخصياً، الدولة تنهار ولا أحد يتحرك، الدولة تنهار ونحن نتبادل الاتهامات»، ثم دعونا نتساءل: هل وصلنا فعلاً الى درجة الانهيار التي يحذر منها الجاسم؟!
إن هنالك مظاهر لدنو انهيار الدول منها ما ذكره المؤرخ الكبير ابن خلدون في مقدمته عن الطور الخامس من أطوار الدولة: «طور الإسراف والتبذير، ويكون صاحب الدولة في هذا الطور متلفاً لما جمع أوّلوه في سبيل الشهوات والملاذ.... مستفسداً لكبار الأولياء من قومه وصنائع سلفه، حتى يضطغنوا عليه (من الضغينة) ويتخاذلوا عن نصرته... وفي هذا الطور تحصل في الدولة طبيعة الهرم ويستولى عليها المرض المزمن... إلى أن تنقرض».
نحن لا نقلل من حجم الأخطاء التي تقع بها مؤسسات الحكم في الكويت حكومة ومجلساً وحجم التخبط الذي شهدناه في الآونة الأخيرة وطغيان المصالح الخاصة على الصالح العام، والتشرذم الذي يساهم فيه أطراف كثيرة طمعاً في اقتناص الفرص والحصول على أكبر قدر ممكن من الكعكة دون وجه حق، ولا ننكر الضعف الذي اعترى مسيرتنا في السنوات الأخيرة وتعطل التنمية وصراع الكبار على كل شيء، لكن هل تدلل تلك المظاهر على انهيار الدولة؟!
الجواب لا، لأن الحكم في الكويت - ولله الحمد - فيه ضمانات كثيرة لمنع الانهيار الذي تكلم عنه الجاسم أهمها هو أن السلطات قائمة ومنفصلة الى حد كبير، كما أن الدستور على الرغم من المثالب فيه لكنه مازال موضع اتفاق بين أهل الكويت، وتعديله لا يتم إلا للأفضل وبإرادة مشتركة بين الحاكم والمحكوم، والشعب الكويتي وان اختلف على كل شيء فإنه لا يختلف على التمسك بحكم الصباح، وقد تجلى ذلك في أعظم الأزمات وهي الغزو العراقي الذي قوّض الدولة من أساسها.
أما الشعب الكويتي فهو شعب مثقف وواع على العموم، وقد يتجاوز عن بعض الانحرافات ولكنه لا يرضى بالفساد، ولا شك أن حجم الحريات المتاحة لديه لا يوازيها حريات في أي بلد من بلدان العالم الثالث، والحمد لله ان امكانياته الاقتصادية تفوق معظم بلدان العالم ولديه مؤسسات عملاقة تحافظ على ضمانات الحرية والمحاسبة مثل ديوان المحاسبة والمحاكم والعلاقة الحميمة بين الحاكم والمحكوم.
إن ما تحتاجه الكويت اليوم هو قيادة قوية تجمع أطراف المجتمع وتضع القوانين في وضعها الصحيح وتمنع التجاوز عليها وتتبع الحكمة في التعامل مع الأمور، وأنا متأكد بأننا نستطيع بإذن الله تعالى أن نقيم مجتمعاً قوياً متماسكاً وأن نسبق العالم كما فعلنا سابقا ولكن بشرط ترك اليأس والإحباط والنهوض للعمل والجد والاخلاص مع الاستعانة بالله تعالى.
د. وائل الحساوي
[email protected]