من الآخر

في رثاء ربيح العجمي

تصغير
تكبير
تمر على الإنسان شخصيات لا يسعه إلا أن يتوقف عندها. شخصيات تضع لبنة في بناء شخصيته، وتساعد في اتخاذ قراراته. تظهر هذه الشخصيات في حياتنا وقت البدايات، بداية كل مرحلة قبل ان تتكون مجموعة القرارات التي تكتفي بعدها عن المشورة والتوجيه. من هذه الشخصيات التي لها الأثر في نفسي، هو زميل العمل المرحوم بإذن الله ربيح محمد العجمي بونايف. التقيت المرحوم أول يوم عمل لي، بصفته مدربي في العمل، ومن هنا بدأت أتعلم منه.

في الحقيقة، لم أكن أتدرب فقط الجوانب التقنية التي أوكلت إليه، كنت أتعلم لا تلقائيا جوانب من شخصيته لأنني كنت ألتزم بساعات العمل الثمانية كاملة جالساً في مكتبه. فقد استضافني تكرماً في مكتبه، وأخذت منه جوانب أعجبتني من شخصيته. ربيح من الشخصيات الكويتية التي قلَّ ما تجد مثلها في تفانيه في عمله، كان إخلاصه لأداء مهامه بالمستوى المطلوب، وأكثر مما هو مطلوب أحياناً، يشدني أكثر إلى شخصيته. ربيح كان ينطبق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه.


كان من الكويتيين القلائل، حيث كان يصلح الأخطاء الفنية بيده وبثقة، رغم خطورة أعماله الهندسية، ومن شدة إخلاصه في عمله، جاءنا ذات يوم ويده مجروحة وكانت بسبب أحد هذه الأعمال التي كان يقوم بها بإخلاصه المتعاهد، بل كان يدقق على أعمال الآخرين المنوط به مسؤولية متابعتها، فلم يكن متجاوزاً للقصور ولا مجاملاً لأحد ما دام الأمر متعلقاً بمصلحة العمل، التي كان يعتبرها مصلحة وطن... وفوق كل مصلحة. تعلمت منه أن خدمة الوطن فوق كل اعتبار، من أي موقع، ومهما كانت التكلفة.

قواسم شخصيته الهادئة المطمئنة، لابد وأن تؤثر فيك... بتواضعه، والتزامه بتكاليفه، ومحبة زملائه له. لم نكن نتعلم منه شؤون العمل الفنية فحسب، بل كنا نتعلم منه كيف ننجز هذا العمل بروح وإخلاص وتفانٍ وإيمان بأهميته صغيراً كان أو عظيماً. لا يسعني في هذا المقام إلا أن أستذكر قوله تعالى: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي)، اللهم اغفر له وارحمه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله وألهم ذويه الصبر والسلوان، إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.

Nasser.com.kw
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي