دخل أحد الأساتذة على طلبته وبعد أن ألقى عليهم السلام، أمسك كوباً زجاجياً ثم دعا الطلبة إلى التركيز معه بشدة، لأنه سيسألهم بعدها عن ما قام به وسيطلب منهم الإجابة عن ستفساره...
طلب الأستاذ من أحد تلاميذه أن يحضر له قنينة الماء الموجودة على الطاولة المجاورة له، فتحها الأستاذ وطلب منهم ملاحظة ما سيقوم به. بدأ يسكب الماء في الكوب وببطء شديد جداً حتى أمتلأ نوعاً ما...
صمت الأستاذ لفترة طويلة بعض الشيء ولكنه ظل ممسكاً للكوب بيده، ثم بدأ بطرح سؤاله على التلاميذ، وكان السؤال وبكل بساطة، كم تعتقدون كمية الماء الموجودة في الكوب؟ تنوعت الإجابات واختلفت واجتهد الطلبة وحاول كلٌ منهم أن يكون على صواب...
ظل الأستاذ ينصت للجميع متعمداً، حتى انتهى كل الطلبة من تخمين كمية الماء الموجودة في الكوب، ثم قال لهم بصراحة لم أكن مهتماً كثيرا بمعرفة حجم الماء الموجود بالكوب، ولكنني كنت أرغب فقط في معرفة كم من الوقت سأظل ممسكاً بهذا الكوب؟...
رأى الأستاذ علامات الاستغراب على وجوه طلبته، وبدأوا يتساءلون بينهم، ماذا يعني الأستاذ بذلك؟ ولماذا يريد أن يحسب الوقت الذي ظل به ممسكاً بالكوب؟ وكان الأستاذ ينظر إليهم ليزيدهم شوقاً لمعرفة السبب.
قال لهم الأستاذ بعدها ان الكل يعلم جيداً أن كمية الماء مهما كانت فهي ليست كبيرة، وإن مسكت الكوب لدقائق معدودة فإن هذا لا يعني شيئاً، ولكن تخيلوا لو وقفت ساعات طويلة ممسكاً بالكوب! بالطبع سأبدأ تدريجياً بالشعور في التعب ومن ثم سأكون غير قادر على الاستمرار في حمل هذا الشيء على الرغم من خفة وزنه...
وهكذا هي هموم الحياة، فعلى الرغم من أنه من المهم جداً أن نعرف حجم همومنا وأسبابها ومدى اتساع تأثيرها وطريقة التخلص منها، إلا أن الأهم من كل هذا وذاك، أنه يجب علينا أن نجد لأنفسنا أوقات نضع فيها هموم الحياة جانباً، ككوب ماء الأستاذ، وحتى لو لوهلة، حتى نتمتع بالراحة ونسعد من حولنا ولنخلق لنا بيئة هادئه تساعدنا في التفكير وبرويه بهمومنا، لأننا لو استمررنا في حملها ليلاً ونهاراً، فإنني متيقن أنها ستتعبنا وتحطمنا، لأننا وبكل بساطة، سنظل نفكر في حجم الألم الذي نعانيه من هذه الهموم، كتفكير الأستاذ بألم حمل كوب الماء.
يقول الروائي والأديب البريطاني ديفيد لورنس، والذي اشتهر بالقصص القصيرة والمسرحيات والقصائد الشعرية، أن الحياة ليست سعادة دائمة فأنت لست في الجنة، قاوم الهموم ثم أضحك وأشعر بالسعادة، ثم قاوم مرة أخرى، ثم أضحك وأشعر بالسعادة، ثم قاوم وقاوم، لأنها هذه هي الحياة وبكل بساطة!
Email:
[email protected]