قراءة في قصة / «أداعبُ الوقتَ» لرفقي بدوي... شاعرية مصحوبة بسرديات متلاحقة
في «أداعب الوقت»... يطلق الكاتب القدير رفقي بدوي العنان لقلمه، لينسج سردية قصصية من طراز خاص، تتطلب تلقيا خاصا فيه ذلك القدر من الحميمية التي يبحث عنها كل إبداع مرموق.
وهكذا تولدت المتواليات السردية بشــاعرية جاذبــــة، أو تولـــــدت الشــــاعرية مصحوبة بسـرديات متلاحقة، تنداح كما دوائر المياه في النهر، لتتداخل في حالة من الغموض النسبي.
تقف السردية على تخوم المفارقة الموجعة بين زمنين زمن السارد المثقل بتاريخ من الأنّات والزفرات والتجارب.. فنراه «يئن كبحار عجوز...»، وزمن الآخر الطازج، المفعم بأريج النساء، وماء المحبة، يخف مع العزف، ويتحرر مع رقص الفالس... الحاضر له والمستقبل القريب.
الذات على أعراف الوقت، والآخر يفرّ إليه الوقت بعنفوانه... ولهذا حين يفيق من غفوته يجد «بين فمي وفمها قناعٌ من زجاج».
لكن النهاية تأتي لتحدث ذلـك التوازن بين الزمنين والحالين والجيلين، حين يتراجع الجسد عن الاستغراق في النشوة، أو تهجم أطياف الملل والسآمة يحضر الفكر والتجاوب الروحي، لينتصر السارد لقدس الأقداس «أعشق رأسك العاشق، أقدس العقل، حين يشتهي عقلي سيتبعه جسدى، تلك المتعة التي لا تموت، بالانتظار أو بالتمني ولا يفنيها الوقت».
ومع هذا الانتصار المتسق مع روح الفنان الكامن خلف السارد، يتأكد أن تلاقح الأفكار، وحوار الفنون، ولقاء الوجدانات، متعة كبرى لا يدانيها متعة، وأن الفكرة في ألق صدقها باقية لكل وقت، الفكرة الجميلة شائقة خالدة كما الموسيقى الرفيعة والإيقاع الخالد.
ليس هذا فحسب، فالأفكار تظل في حاجة أصيلة إلى التعاطف، والتجاوب الإنــساني، لأنها ابنة الحياة التي تصالح معها بعد أن عاركها زمنا طويلا، لتظل علامة فـــــارقة على حضور الإنسان في الإنسان، وهنا يحدث التجلي، وتصـــــعد الـذات والآخر إلى مقام صوفي شفيف، تتعانق فيه الروحان، وتنعـتقان مــن ربقــــة الطين:
«... أجدني أبحث عن أنا في أنتِ، وتنادين عليَّ: يا راء يا أنا، فأرد يا راء يا أنت، فأنتِ خمرى السماوي، وطعامي الشهي، أنتِ حبي، وبهجتي، أنتِ فردوسي».
أما اللغة فأقبلت لتداعب الشعر، كما جاء السارد مداعبا للوقت، يحضر معها المضارع بكثافة، والسؤال، والحوار الجواني الرفيق، وبتآزر العناصر يحضر المشهد السردي بوصفه حركة أساسية من حركات السرد المعاصر.
وكما تستحضر لغة القصة ثقافة موسيقية رفيعة، وإيقاعا سيمفونيا غربيا تمثل في الموسيقار المجري «فرنتس لست» وقصائده السيمفونية، وموسيقى الفالس ومعه نتذكر عشقه وثورته وخروجه على المألوف، وميله إلى الغموض وهي بعض أجواء القصة التي نقرأها الآن «أداعب الوقت»، فإنها تستحضر أيضا صورا قرآنية رحبة الإيحاء والدلالة تسمو بالأداء، وتقيم ذلك الجسر البديع بين الكاتب والنص القرآني العظيم، وهو ما تفتقده نصوص عديدة معاصرة.
وبمثل تلك الصور اللغوية القرآنية يتدفق الأسلوب في قوله: «فجَرى طوفان الدمع، وسال من عينيَّ، ومرج الشفة موجود بين البحرين...» وفي مـــــثل قـــــوله: و«النســوة يقطعن أيديهن، همست إحداهن باسمي، وشَعت من عينيها مدني العاشقة، لما قبّلت رأسي بوجل...».
وهكذا تولدت المتواليات السردية بشــاعرية جاذبــــة، أو تولـــــدت الشــــاعرية مصحوبة بسـرديات متلاحقة، تنداح كما دوائر المياه في النهر، لتتداخل في حالة من الغموض النسبي.
تقف السردية على تخوم المفارقة الموجعة بين زمنين زمن السارد المثقل بتاريخ من الأنّات والزفرات والتجارب.. فنراه «يئن كبحار عجوز...»، وزمن الآخر الطازج، المفعم بأريج النساء، وماء المحبة، يخف مع العزف، ويتحرر مع رقص الفالس... الحاضر له والمستقبل القريب.
الذات على أعراف الوقت، والآخر يفرّ إليه الوقت بعنفوانه... ولهذا حين يفيق من غفوته يجد «بين فمي وفمها قناعٌ من زجاج».
لكن النهاية تأتي لتحدث ذلـك التوازن بين الزمنين والحالين والجيلين، حين يتراجع الجسد عن الاستغراق في النشوة، أو تهجم أطياف الملل والسآمة يحضر الفكر والتجاوب الروحي، لينتصر السارد لقدس الأقداس «أعشق رأسك العاشق، أقدس العقل، حين يشتهي عقلي سيتبعه جسدى، تلك المتعة التي لا تموت، بالانتظار أو بالتمني ولا يفنيها الوقت».
ومع هذا الانتصار المتسق مع روح الفنان الكامن خلف السارد، يتأكد أن تلاقح الأفكار، وحوار الفنون، ولقاء الوجدانات، متعة كبرى لا يدانيها متعة، وأن الفكرة في ألق صدقها باقية لكل وقت، الفكرة الجميلة شائقة خالدة كما الموسيقى الرفيعة والإيقاع الخالد.
ليس هذا فحسب، فالأفكار تظل في حاجة أصيلة إلى التعاطف، والتجاوب الإنــساني، لأنها ابنة الحياة التي تصالح معها بعد أن عاركها زمنا طويلا، لتظل علامة فـــــارقة على حضور الإنسان في الإنسان، وهنا يحدث التجلي، وتصـــــعد الـذات والآخر إلى مقام صوفي شفيف، تتعانق فيه الروحان، وتنعـتقان مــن ربقــــة الطين:
«... أجدني أبحث عن أنا في أنتِ، وتنادين عليَّ: يا راء يا أنا، فأرد يا راء يا أنت، فأنتِ خمرى السماوي، وطعامي الشهي، أنتِ حبي، وبهجتي، أنتِ فردوسي».
أما اللغة فأقبلت لتداعب الشعر، كما جاء السارد مداعبا للوقت، يحضر معها المضارع بكثافة، والسؤال، والحوار الجواني الرفيق، وبتآزر العناصر يحضر المشهد السردي بوصفه حركة أساسية من حركات السرد المعاصر.
وكما تستحضر لغة القصة ثقافة موسيقية رفيعة، وإيقاعا سيمفونيا غربيا تمثل في الموسيقار المجري «فرنتس لست» وقصائده السيمفونية، وموسيقى الفالس ومعه نتذكر عشقه وثورته وخروجه على المألوف، وميله إلى الغموض وهي بعض أجواء القصة التي نقرأها الآن «أداعب الوقت»، فإنها تستحضر أيضا صورا قرآنية رحبة الإيحاء والدلالة تسمو بالأداء، وتقيم ذلك الجسر البديع بين الكاتب والنص القرآني العظيم، وهو ما تفتقده نصوص عديدة معاصرة.
وبمثل تلك الصور اللغوية القرآنية يتدفق الأسلوب في قوله: «فجَرى طوفان الدمع، وسال من عينيَّ، ومرج الشفة موجود بين البحرين...» وفي مـــــثل قـــــوله: و«النســوة يقطعن أيديهن، همست إحداهن باسمي، وشَعت من عينيها مدني العاشقة، لما قبّلت رأسي بوجل...».