No Script

حوار / الروائية المصرية ترفض «قيود الإبداع»

عزة رشاد لـ «الراي»: لا أبحث عن لغة منمّقة... بل مُعبِّرة

u0639u0632u0629 u0631u0634u0627u062f
عزة رشاد
تصغير
تكبير
التراث علامة استفهام كبيرة وبحر عميق

بناء الرواية يشبه المتتالية القصصية فكل فصل يبدو كقصة منفصلة
كشفت الكاتبة المصرية عزة رشاد، أنها تمزج في كتاباتها ما بين الأدب والبحث التاريخي والرصد للمتغيرات الاجتماعية، عبر لغة تجمع ما بين دقة التأريخ وخيال ودهشة الأدب.

وأضافت في حوار مع «الراي»، أنها في روايتها الأخيرة «شجرة اللبخ» الصادرة عن دار الكتب خان، رصدت لحظات فارقة في تاريخ المجتمع المصري لتنطلق منها وهي فترة بداية القرن العشرين.

اما النقاد فقالوا عنها، إنها تخلط في روايتها بين فنون عدة «فهناك الروح المسرحية الحاضرة بقوة في الرواية من خلال المونولوج والحوار بين الشخصيات وتقسيم الرواية إلى فصول متعددة وفي الخلفية تظهر القرية التي تدور فيها الأحداث كخشبة للمسرح».

ولفتت رشاد، أنها في كتاباتها، لا تبحث عن لغة معتمة بل لغة معبرة، يتحدث الناس ويعرفونها، ولأنها لا تعرف لغة التعقيد.

وهذا نص ما دار معها من حوار:

• بناء الرواية يشبه المتتالية القصصية حيث كل فصل يبدو كقصة منفصلة لكنه عندما يوضع بجانب الفصول الأخرى يصنع سياقا روائياً، لماذا اخترت هذا البناء؟

- «شجرة اللبخ» تقدم فروعاً عديدة من جذر واحد، تقدم عالماً واحداً من زوايا متباينة ومتشابكة بنفس الوقت، وربما لهذا اختارت «القصة والشخصيات» البناء الذي وصفته أنت بما يشبه المتتالية القصصية، وشخصيا أميل إلى اختصار مجحف لكنه مازال الأقدر على التحليل، وهو: أن الموضوع يظل ينادي حتى يجد شكله.

• في رأيك الى أي مدى يجمع فن الرواية بين العديد من الفنون الاخرى وهل في خططك المستقبلية مشروع الكتابة للمسرح؟

- لأن الرواية عمل طويل فثمة عِشرة وطيدة تربطها بالروائي، بداية من كوب الشاي المضبوط الذي لا تحلو الكتابة إلا به، ثم الانحناءة الحنون لظهر المقعد لكي يناسب العمود الفقري ولا تذمره ساعات الجلوس الطويلة، وصولًا إلى كَونها عِشرة تسمح باستباحة ثقافة الروائي ومعارفه المختلفة «فنية، فلسفية، وحتى: علمية» وتبدأ تستنزفها من دون سلطة منه وغالبًا دون إدراك أيضًا، وفي «شجرة اللبخ» ربما تكون هناك محاولة لاستنطاق الشخصيات لتقول كل منها قصتها وقصة الشجرة والأرض بصوتها ووجهة نظرها وبالتالي بحوارها الخاص «مفردات وتعبيرات وأمثال شعبية..إلخ»، وجعلها تميل للشكل المونولوجي «حتى لو لم تُكتب كمونولوجات» وهو المشترك مع المسرح.

أما فكرة الكتابة للمسرح فليست مستبعدة، فلستُ ممن يضعون قيودا على الإبداع.

• الشعر والغناء حاضران بقوة عبر صفحات الروايات ما سر هذا الشغف وكيف ترين مستقبل الشعر في ظل الحضور الطاغي للرواية في المشهد الأدبي في السنوات الأخيرة؟

- نعم، يتملكني هذا الشغف حتى أنني لا أتصور الحياة ممكنة من دون شعر، رغم السيادة التجارية «سوق الكتب» للرواية.

فالغنائي «وهو الأكثر شعبية» سيظل، يمتعنا ويهوِّن الصِعاب اليومية: يا مهون هونها علينا. يرافقنا في الأفراح والأتراح، أما النثري: فيصطفي عشاقه المحدودين رغم قوة تأثيره، فالنثري تأملي فلسفي يجعلنا نعيد النظر داخل ذواتنا وحيواتنا.

• أشرت للتفاصيل الصغيرة التي لاحظها همام في مَحافظ جنود الاحتلال الانكليزي من تواجد صور للحبيبات او بعض الاحجية... الخ برأيك إلى أي مدى تمنح هذه التفاصيل الصغيرة معنى لحياتنا؟

- هذه التفاصيل هي نحن، ذكريات لحظات خاطفة، إيقاع للزمن المتسرب يشبه دواخلنا، شفرات عوالمنا وخصوصيات ذواتنا، أنت لن تتذكر يوم العيد كاملًا، فقط ستتذكر كلمة، آهة، ندَّت عن والدتك، تؤكد فرحها بإدخال الفرح على قلبك الصغير باللُعبة البسيطة أو حتى البالونة التي قدمتها لك بمناسبة العيد.

• سؤال الزمن حاضر بقوة وكيف يترك بصمته على البشر كيف تتعاملين مع سؤال الزمن ولماذا اخترت بداية القرن العشرين لتدور فيها أحداث الرواية؟

- ثمة تعبير شعبي يقول: دولاب الزمن دوَّار. وكقارئة أحببت رضوان البلبيسي في خريفه، إحساسه بالعجز وخيبة الرجاء بعد الجبروت الفاحش. أما اختياري لبداية القرن العشرين فلأنها كانت بوابة مفتوحة لمصر على عدة جهات: الخلاص من الحكم العثماني بسقوط دولته، الأمل بالخلاص من الاحتلال البريطاني بعد إعلان ويلسون لحق الأمم في تقرير المصير، ثم التطور المؤسساتي للدولة المصرية: البرلمان والنقابات، وخروج البرجوازية الصناعية من رحم الأرستقراطية الزراعية.

وكل ذلك واكبه تطور بالصحافة والأدب والفنون وانعكس على الإنسان «الذات الفردية الطموحة والجريئة بعض الأحيان والمشاكسة كذلك».

• في الرواية مساءلة لمفهوم الزواج وكيف يمكن أن يصبح مصدرا للقهر. برأيك هل ما زالت المرأة تعيش ذات الأوضاع التي كانت عليها منذ أكثر من قرن، في الزمن الذي تدور فيه الرواية ام ان الامر تغير الآن؟

- الحال تغير بالتأكيد، وتطوُر مواد القانون أنصف المرأة أكثر مما فعل المجتمع، لكن القانون أفاد ابنة الطبقات العليا والمتوسطة بالأساس، فالمرأة الفقيرة تتزايد معاناتها.

• شخصية همام تحولت من قاطع طريق الى محرر ومناضل. برأيك الى مدى تتشابه مع شخصية ادهم الشرقاوي... وفي هذا السياق هل تتعاملين مع الأدب بوصفه صورة من صور النضال والمقاومة؟

- همام حسب ما أتصور مناضلا بالصدفة أو دعنا نقول: مناضل بقدر ما كان غالبية المصريين مناضلين تلك الفترة من أجل تحرير البلد. همام ليس بطلًا بل شخص عادي كان دافعه الأول هو الانتقام لصديقه اللدود «سُمعة» غريمه في فنون النَشْل وخفة اليد رغم انه لم يكن يحبه لكنه كره قتله وقاتله.

• في زواج سعاد برضوان بيه وأيضًا علاقة شفاعة بمحمود هناك حالة ملتبسة ومشاعر متضاربة ما بين الحب والألم والكراهية كيف ترى علاقة الرجل بالمرأة في مجتمعاتنا العربية؟

- لا أتصور أن هناك حبا صافي البياض وكرها «أسود» بل ألوان طيف متدرجة ومتغيرة، فحتى في الحب ثمة حدود بين الأنا والآخر يتم التنازل عنها طوعًا ولكن عندما لا يقدِّر الآخر تنازلك فأنت تكره فيه هذا الأمر، وينال هذا وربما غيره من مساحة الحب. النفس الإنسانية معقدة وخاصة إذا وُجدت في مجتمعات كرَّست، عبر أوضاعها الاجتماعية غير المنصفة، الكذب والحيلة كوسيلة لاسترداد الحق بدلا من مواجهة تخسر فيها كل شيء.

• العديد من الشخصيات تظهر حياتهم بعكس دلالات أسمائهم التي اعتدناها في تراثنا، فيونس غرق ورضوان ليس بحارس للجنة بل هو شخص قاس يستعدي الناس. على أي أساس تختارين أسماء شخصياتك وإلى أي مدى تشغلك فكرة إعادة قراءة تراثنا بشكل جديد وتقديم سردية مغايرة عن السائدة؟

- نعم، أحيانًا تكون دلالة الاسم عكسية من أجل السخرية من الشخصية، وأحيانًا من أجل: إعادة النظر في السائد من الحكايات وغربلتها، فالتراث علامة استفهام كبيرة وبحر عميق، وكل صاحب مصلحة يصيد منه ما يريد، وأقصى ما أردته في «شجرة اللبخ» هو اجتراح بعض التساؤلات حول الحب «شياطينه وملائكته» من جهة،، والسلطة وتجلياتها المختلفة وسبل مقاومتها من جهة أخرى.

• فارس تزوج من سوزان الفرنسية وعاد بها لقريته كما عاد حامد البحيري بطل رواية «اصوات» لسليمان فياض بزوجته الفرنسية سيمون كيف ترين ثنائية الشرق والغرب؟

- لا أُدين في المطلق ولا أنحاز بالمطلق سواء للشرق أو الغرب، إدانتي الحقيقية للحرب والعنف والجشع والأنانية ومحاولة تدجين الشعوب تحت أي راية تكون.

• سؤال اللغة واحد من الأسئلة المهمة التي يواجهها كل كاتب كيف تتعاملين مع هذا السؤال وهل وعيك باللغة وماهيتها اختلف من مرحلة لأخرى؟

- لا أوافق على اختزال الرواية بمقولة «الرواية لغة»، لا أبحث عن لغة منمقة، بل أسعى إلى لغة مُعبِرة، دِقة الكلمة والعبارة الأقرب للمعنى هي التي تهمني، وأجتهد حتى أجدها، وبعدها صار يهمني: قابلية هذه اللغة لتحمل الطاقة، وقدرتها على بثها بنفس المتلقي.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي