عبدالله كمال / ... ولكن / أين يساركم؟

تصغير
تكبير
دعنا نذهب إلى إيطاليا في إطار مناقشتنا لموضوع «اليسار» و«اليمين»، ومناقشة مبدأ «الذي تغلب به إلعب به» وحديث المنظرين العقلاء عن سقوط الأيديولوجية وثبوت مبدأ النفعية وتحقيق المصالح من دون النظر إلى كونها «اشتراكية» أو «رأسمالية»، في حين يردد بعض ورثة اليسار أنه لابد من العودة إلى مبدئهم لأنه الحل. وقبل أيام نشرت صحيفة «روزاليوسف» القاهرية اليومية رسالة في صفحة الأحزاب لناشط ناصري يقول، ويا للعجب، «الناصرية» هي الحل!
إيطاليا يحكمها واحد من أيقونات «اليمين» مبدأ وتطبيقاً، بيرلسكوني الذي قبل أن يكون رئيس وزراء هو «أيقون» رأسمالي، وأوروبا من حوله كلها الآن تعاني من الأزمة المالية الطاحنة التي لم نسمع لها صوتاً عالياً بعد في إيطاليا، فلا بنك سقط ولا مؤسسة تهددت ولا خطط للإنقاذ، بخلاف ما تم اتخاذه أوروبياً ومن خلال الدول السبع الكبار. ورغم ذلك لم نسمع عمن يقول إن هذه الأوضاع قد تعيد برودي «الاشتراكي» إلى الحكم، بل على العكس هناك من يقول إن «اليسار» يكاد أن يختفي إيطالياً.
«ريبابليكا»، جريدة معروفة براديكليتها، مديرها اسمه إيزيو ماورو، قال إن الحزب الديموقراطي «اليسار» الذي ترك السلطة منذ ستة أشهر، ويضم تشكيلة من الشيوعيين والكاثوليك، لم يتمكن خلال وجوده في السلطة من تحقيق أي نجاح، ولم يطرح حلولاً للمشكلات.
الذي فعله كله الحزب منذ خرج من السلطة أنه نظم مظاهرة ضمت 300 ألف مؤيد للتنديد بسياسات بيرلسكوني، لكن هذه التظاهرة الضخمة لا تنفي أن شعبية الملياردير الحاكم تزداد، رغم الزلزال المالي المحيط بإيطاليا، ويقول باحث وناشط في الحزب الديموقراطي واسمه جوزيبي فرنزانزو إن الحزب فقد مصداقيته حين كان في السلطة.
إذا ما عدنا إلى مدير صحيفة «ريبابليكا» فسوف نجده يقول إن الحزب في حاجة إلى جهد ثقافي وليس سياسياً، لكي يعود إلى الساحة بقوة، والمعنى في الاختلاف ما بين الثقافي والسياسي أن الحزب لا يحتاج إلى التظاهر وإنما إلى جهد فكري في البحث عن حلول عملية وأفكار مبدعة، لكي يقول إنه موجود ويستطيع أن يمثل بديلاً.
هنا تستوقفنا ملاحظات متنوعة:
الملاحظ الأولى: إن الإيطاليين يناقشون وضع الحزب المعارض، رغم أنه لا يوجد استحقاق انتخابي قريب، لسبب بسيط وهو أن السياسة لا تستقيم من دون معارضة قوية تمثل بديلاً يقظاً، ولديه حلول... ووجود هذه المعارضة يفرض على الحزب الحاكم تحديات متنوعة ويبقيه يقظاً.
الملاحظة الثانية: أن إيطاليا لا تعيش هذا الجدل العبثي بين «اليمين» و«اليسار»، وأيهما أصلح على أساس أيديولوجي. ولكن على أساس الحلول العملية التي يقدمها كل منهما لعلاج مشكلات الفقر والهجرة، الركود المتوقع والبطالة وغير ذلك.
الملاحظة الثالثة: تخص أوضاعنا نحن فالبعض في مصر يتحدث عن أنه لابد من العودة إلى حلول ماضية، ويطالب بعودة اليسار وتدخل الدولة، ومن ثم السؤال هو: أين اليسار ما هي حلوله وما هي أفكاره وما هي برامجه ومن يؤيده ومن يعضده؟ أم ترى أن الذين يتحدثون عن ذلك يريدون من الحزب الحاكم (وغالبه قوامه ينتمي إلى الوسط) أن يتحول هو إلى «اليسار» ويحكم لهم بأجندة عفا عليها الزمن... أجندة فاشلة؟
مرة أخرى نعود إلى ما قاله الصينيون، وهم يحكمون البلد بحزب اسمه شيوعي ويطبق جميع قواعد السوق وآلياته، ومقولتهم هي: «ليس مهماً لون القط... المهم أن يأكل الفأر». وقد ابتدع الصينيون قطاً يلتهم الفئران بمعدل نمو فاق كل توقع وصل في بعض الأعوام إلى ما فوق 10 في المئة، وها هم يتعرضون إلى احتمالات بانخفاض المعدل نتيجة للأزمة الدولية، فهل هذا يعني أنهم سوف يبدلون القط ويعودون إلى النظام الاقتصادي الشيوعي؟ إذا كان بينكم من يقول هذا، فليتجرأ ويعلنه.
لقد هجر العالم الأيديولوجيات، وصارت الأحزاب تقترح أفكاراً ورؤى، والجميع في العالم وفي مصر يعيش لحظات رعب حقيقية من توابع الأزمة المالية الدولية. لكنني لم أرَ حزباً مصرياً معارضاً «يسارياً» أو حتى يمينياً يقول ما هي أفكاره للتعامل مع الأزمة.

عبدالله كمال
رئيس تحرير «روزاليوسف» ومستشار «الراي» بالقاهرة
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي