عرض قدمته «لابا» بصورة تجريبية

«فوضى»... بين الحرب والسلام

تصغير
تكبير
رسول الصغير:

لا نمتلك خشبة مسرحية... فحاولنا الاحتيال من خلال اختيار «مسرح المكان»

«فوضى» تحتوي على أكثر من قصة منفصلة عن بعضها البعض
كم من الجميل أن يكون هناك مجال للتجربة نستشف منه آراء من حولنا قبل الإقدام على خطوة مهمة بالنسبة إلى عمل ما يهمنا.

على هذا المبدأ يسير القائمون على قسم الدراما المتمثل بفرقة فرقة أكاديمية لوياك للفنون الأدائية «لابا» في كل عمل مسرحي يقدمونه للجمهور، إذ منه تتم الاستفادة بعد الأخذ بالملاحظات والآراء من النقاد والمسرحيين، ومن ثم نشهد ولادة لعمل مسرحي متكامل العناصر وناجح بكل المقاييس.

أول من أمس، ولدت تجربة مسرحية جديدة من نوعها بعنوان «فوضى» في داخل مقر «لوياك»، قدمتها فرقة «لابا» للفنون الأدائية، حيث تم استغلال أكثر من مرفق من مرافق المبنى وتوظيفه مسرحياً وفقاً للنص، وعليه تمّ تنقل الجمهور من هناك إلى هناك وعلى هذا المنوال حتى اكتملت الفرجة المسرحية التي قادها المخرج رسول الصغير وبمساعدة المخرجين عبدالله الحسن وشيرين حجي، وبمشاركة مجموعة من الممثلين الشباب هم سالم مال الله، نوران القاضي، فارت، فواز حمادة، عبدالله البلوشي، عبدالله الشمري، غزلان العنزي، سمر سعدالدين، زينب الباشا، سلطان نجم، ناصر القطان، قاسم المويل، دوس، محمد الحموي، محمد فؤاد، محمد، علي الزنكوي، عثمان عاشور وسيف.

«فوضى»، ذلك العمل المسرحي الذي تمّ تقديمه يحتوي على أكثر من قصة منفصلة عن بعضها البعض، تمّ اقتصاص بعضها من أعمال مسرحية مثل «عزف النخلة» للكاتب العراقي محمد العبادي، ومسرحية «نهاية عالم» للكاتب سامي بلال، إلى جانب مسرحية «عرس الدم» للكاتب العالمي لوك، ولا ننسى افتتاحية المسرحية التي كتبها المخرج رسول الصغير. لكن كل تلك القصص ارتبطت في مضمون ورسالة واحدة متمثلة بالحرب والسلام.

ففي بداية العمل المسرحي، نشاهد في الممر المظلم شاباً جالساً فوق تلفاز وهو يتكلم عن قصته والمعاناة التي عاشها مع والده، وعن ذلك الخوف الذي زرعه في داخله منذ الصغر. والواضح في ذلك الوقت، أن ذلك التلفاز لم يكن يبثّ أي شيء مفيد، بل كان متوقفاً عن العمل في دلالة إلى وسائل الإعلام الصامتة التي تشاهد وتسمع عن الظلم من دون أن تحرّك ساكناً. ومع الانتقال إلى مكان آخر، كذلك نشاهد المسرحية المونودرامية «الخوف» التي يؤديها عثمان عاشور، ومن ثمّ ننتقل إلى مسرحية «عزف النخلة» التي تتناول قصة أم فقدت ابنها في الحرب، فتبقى تعيش على أمل أن يعود، حيث يشارك في بطولتها نوران القاضي التي قدمت شخصيتها بشكل مبهر رغم أنها تبلغ من العمر الرابعة عشرة، وهي تجربتها المسرحية الأولى إلى جانب زميلها سالم مال الله، بعد ذلك، جاءت مسرحية «نهاية عالم»، التي تناولت قضية قصة الحرب من خلال ما حلّ بأحد المجمعات الكبرى من دمار بسبب زلزال، وفيها يظهر ذلك العالم الذي يأخذ بالقول إن ما حصل هو بسبب قرب نهاية العالم، ومن ثمّ يظهر رجل فقير وآخر غني يوضح أنه مالك المبنى المنهار، حيث يحاول أن يفرض السيطرة على كل من يظهر أمامه بالرغم من أنهم جميعاً في المأساة نفسها وفي القارب المنهدم نفسه - إن صحّ التعبير- وكانت سلطته تلك من خلال منعه الماء والطعام عن كل من يرفض الانصياع له، تاركاً إياه يموت عطشاً. لكن ومع ظهور فتاة غير متزوجة من تحت الحطام، يحاول الغني استمالتها طالباً منها الزواج من خلال إغوائها بأملاكه، وفي المقابل يحاول بقية الموجودين. وعندما ترفض تلك الفتاة أن تكون سلعة بين أيديهم، يأخذها ذلك الغني غصباً عنها، ومن ثمّ يتم الانتقال إلى موقع آخر حيث نشاهد مسرحية «عرس الدم»، وهي قصة تدور رحاها ما بين عالمي الشرق والغرب، من خلال رحلة الصراع على الفتاة في محاولة لتسليط الضوء على الحرب بمفهومه العام، ومنها تتم الدلالة على أن الحروب عندما تحلّ على منطقة ما، فهي لا تفرق بين بلاد الشرق أو بلاد الغرب، بل تقوم بتدمير المكان بأسره أينما كان. وفي الختام أتت مسرحية «فوضى»، التي تم فيها تقديم مقتطفات من كل المسرحيات السابقة، ليتضح في النهاية أن كل هؤلاء مجانين يعيشون داخل مستشفى للمجانين، كل واحد منهم روى قصّته ومعاناته التي عاشها على طريقته.

وعلى هامش العرض المسرحي، صرّح المخرج رسول الصغير لـ «الراي» عن السبب في اختياره لهذا اللون والقالب المسرحي الجديد من نوعه، مقارنة بالأعمال التي تقدمها دائماً «لوياك»، فقال: «نحن أشخاص في (لوياك) لا نمتلك خشبة مسرحية نقدّم فوقها أعمالنا السنوية من دون أن نستعين بمسارح الدولة، لذلك جاءت فكرة تقديمنا لهذا العمل المسرحي (فوضى) في هذه الصورة التي قمتم بمشاهدتها، إذ حاولنا قدر الإمكان أن نحتال على القضية من خلال اختياري نوعاً من المسرح يعرف بـ (مسرح المكان)، أي تطويع المكان لخدمة العرض المسرحي». وتابع: «قمنا باستغلال أماكن كثيرة داخل مبنى (لوياك) من أجل تعميق الحكاية، بحيث كانت كلّ حكاية في مكانها المخصص، بحيث عندما كانت القصة كلاسيكية جعلنا من المكان أيضاً نفس الفكرة مرتبطاً مع الأزياء، وعندما كانت القصة شعبية طوّعنا المكان ليكون مناسباً لها مع الأزياء، وعلى هذا المنوال مع بقية القصص».

وأضاف الصغير: «الجميل في ما قدمناه، أننا أحببنا مشاركة المُشاهد في العرض من خلال تجواله معنا من منطقة إلى أخرى، واستمتاعه بكل ما يشاهده مندمجاً مع الحدث الذي يشاهده أمامه، كأنه جزء لا يتجزأ منه، فالمسافة التي كانت ما بين الممثل والمشاهد لا تتعدى متراً أو مترين كحدّ أقصى، ما جعله يغوص في العمق من دون أن يشعر». وأردف: «كذلك في عرضنا التجريبي، حاولنا إعادة الحكاية مرة واثنتين وثلاث لمن فاتته مشاهدة قصة من القصص، فقمنا بتحويل العرض إلى حالة حية وقدمنا طاقات جديدة، ونأمل في المستقبل في العرض الأساسي أن يشاهدوا شيئاً مغايراً وأفضل مما شاهدوه اليوم».

وختم الصغير كلامه بالقول: «من نالا إعجابي في هذا العمل هما شيرين حجي وعبدالله الحسن اللذان قاما بتدريب هذا العدد الكبير من الشباب الموهوب، ممن لا يمتلك أي معرفة أو خبرة مسرحية. لكن في المقابل، استطاعا إخراج المواهب الدفينة التي في داخلهم لتقديم ما شاهدتموه، والذي أعتبره مجرد 40 في المئة من العرض النهائي الذي سنقدمه لكم».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي