تفتقد نسخته الـ 60 «الجمْهرة المعهودة»
معرض بيروت للكتاب «منارة للحرية» والضوء... خافِتٌ
افتتاح المعرض
جانب من أجنحته العامرة بالكتب
تشكّل معارض الكتب واحدا من أبرز مؤشرات بورصة الكتاب في لبنان والعالم العربي. أسهم الشراء التي تنخفض في موازاة أسهم الإنتاج المرتفعة تُفضي إلى كسادٍ على الرفوف وفي الصناديق الكرتونية التي لا يُضطر غالباً أصحابها إلى إفراغها لملء نقصٍ في كتبٍ نفذتْ كل نسخها.
معرض بيروت العربي والدولي للكتاب تفتقد نسخته الـ 60 «الأخيرة» إلى تلك الجمْهرة المعهودة. الحضور إليه في ساعات النهار يشبه التجوّل في أحياء لا يقطنها إلا ناسها ولا يجتاز طرقاتها إلا العاملون فيها. والمعرض على هذه الحال يحتشد قبل مغيب الشمس بالمنظّمين والقيّمين على مقصورات «قطار الكتب» الآتي من بلدان عربية عدة ومكتبات محلية لا تخلف موعداً مع المعرض في مختلف نسخه.
يُرجِع بعض أصحاب المكتبات أو المنتدبين عنهم الحضور الخجول إلى عامل الطقس الذي يجعل من المعرض خياراً مستبعداً للدافئين في منازلهم، ويرى آخرون أن «موضة الكتاب ليست رائجة وأنهم يحْضرون وفاءً لأولئك الذين يوفون بدَورهم للكتاب ويخلصون له»، بينما يقرّ آخرون بأن «الاختلاف بين الليل والنهار يُطاول في مفهومه الحضور إلى المعرض فالقلّة تأتي نهاراً والكثرة تتوافد ليلاً بعد الفراغ من العمل أو الدراسة».
لعل ما يؤكد التأويل الأخير ـ دون أن يلغي احتمالية صواب ما سبقه ـ هو ذاك الرتل الطويل من السيارات التي تتسابق مساءً على الدخول إلى موقف السيارات بالقرب من المعرض في مجمّع «البيال» على الواجهة البحرية للعاصمة بيروت. ابتداءً من الساعة السادسة تمدّ وسائل نقل متنوعة (باصات وسيارات) ردهات المعرض بالناس/ من مختلف الأعمار ومن مختلف المناطق اللبنانية. لكلّ واحد منهم غايته، فيحضرون للتسوق أو لـ «الفرجة»، او مشاهدة بعض العروض كالقصّ أو حضور توقيع كتاب والمشاركة في ندوة فكرية.
مَن يحضر للمرة الأولى يُفاجأ بزحمة الكتب، ويتهيّب الخطوة الأولى التي سينطلق بها في هذا الاتجاه أم ذاك لبدء عملية البحث عن ضالة محدّدة أم عشوائية سيقع عليها أثناء بحثه عن كتاب آخر. أما أولئك الذين يحرصون على ارتياد المعرض في كل عام، فسيجدون توزيعاً مألوفاً للدُور وترتيباً معروفاً للكتب. حتى ان بعض المكتبات تختار زاويتها المعتادة وتتعمّد تنظيم أو بعثرة معروضاتها كما في كل عام كـ «بازار» الكتب الذي يجذب الناس بعفويته وأسعاره المخفّضة.
وإذا كان المعرض يكاد في الشكل ان يتطابق مع نفسه في كل عام، فإن مضمونه يحافظ على خط تصاعدي من المواكبة لكل جديد. ففي السياسة، العناوين تتشابه مع الأحداث وتقاربها. في الأدب تغدق دور النشر على رفوفها بآخر إصداراتها من الرواية والشعر، أما في التاريخ والفلسفة والفكر والدين والفقه فللجديد مساحة مستحدَثة وللقديم مكان دائم ومكانة لا تزول.
ما يخرج عن العرض التقليدي لـ «الإنتاج» الورَقي من الكتب والروتيني من الألعاب ودفاتر التلوين، هو تلك الزوايا التي تكسر الروتين وتقدّم متعاً بصرية تغري المارّة فتستوقفهم. فمع الكثرة ما الذي يميّز القلّة في زمن «الماركيتينغ» والترويج سوى طريقة التقديم؟
الخياط الصغير، أحد «الأكشاك» المميزة والملفتة للنظر. ورغم أن ما يعرضه يُصنّف ضمن زوايا الأطفال بالنظر إلى القصص التي يعرضها، إلا أن الكبار قبل الصغار يتوقفون لتفحّص الكتب ونوعيتها والطريقة التي غُلفت بها. قد تكون البومة «المهضومة» ذات النظارتين، أو القصر الفاره الملون بالأبيض والأسود هو أداة الجذب، إلا أن ألوان الإضاءة وعدّة القصّ و«مفروشاته» الموجودة بالداخل تتضافر لتفرح العين فتشدّها لإلقاء نظرة فتَصفُّح كتاب، ومن ثم شرائه.
الحضور الذي يتذبذب على مدار الساعة وعلى امتداد مختلف أيام المعرض الذي يستمرّ حتى 14 الجاري، والذي ستبيّن الإحصاءات حجمه بالنظر إلى إجمالي نسبة المبيعات، يتمايز بزيارة شخصيات معروفة وأعلام في السياسة والأدب والفن ليومياته. بعضهم يخترق العشرات المتجمهرين عند طاولات تواقيع الكتب، والبعض الآخر يتجوّل بين الناس ويتوقف عند رفوف وصنوف الكتب فيلفت الأنظار ويجذب الحاضرين لالتقاط صور «السلفي».
«الراي» التي زارت المعرض والتقت رئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني خلال جولته في الأرجاء فأخبرها أنه يقصد المعرض في كل عام ولا يفوّت هذه المناسبة الثقافية المهمة، قائلاً: «يصلني من دور النشر ما هي آخر إصداراتها فأحضر لشراء ما أريد قراءته».
ويلفت إلى أنه كرجل سياسي لا تنحصر لائحته من الكتب بالسياسة بل يهتم بشراء الكتب التاريخية والاجتماعية، متحدثاً عن اهتمامه بقراءة الرواية «ومنها أعمال الكاتبتين اللبنانيتين مي منسي وجمانة حداد».
الحسيني يرى بدوره أن الإقبال على القراءة متدنٍّ «فيما يفترض بلبنان وبالنظر إلى شعبه الراقي والمهم أن يكون فيه إقبال أكبر على المطالعة والاستفادة».
أما الكاتب والإعلامي اللبناني أحمد علي الزين فيرى في حديث لـ «الراي» خلال تواجده في المعرض أن «معرض الكتاب كحالة ثقافية عمرها ستين عاماً تشبه المنارة للبحارة البعيدين إذا أحبوا الوصول إلى الشاطئ»، لافتاً في الوقت عيْنه إلى أن «غالبية العرب هم بحارة بعيدون ـ ويا ليتهم يعرفون الإبحار أصلاً ـ وليس أمامهم من حل سوى قراءة الكتب ليهتدوا إلى شواطئ الحياة».
الزين يشير من جانبه إلى أن الإقبال متدنٍ على القراءة «فلو كان هناك نرجيلة لأتى الناس أكثر»، مضيفاً: «هذا زمن لا أحد يقرأ فيه ولا يفكر. زمن الإسفاف والغرائز. زمن القتل ـ قتل كل شيء».
وإذ يلفت إلى كتابه (وقّعه في الثامن من الجاري خلال المعرض)، يقول رداً على سؤال «الراي» لمَن تكتب إذن: «أكتب لنفسي». يضحك ثم يكمل: «بالتأكيد هناك قارئ ولا بد أن يقرأ، فنحن لم نقطع الأمل من فكرة الكتاب كمعنى وقيمة إبداعية، ولكن 90 في المئة إن لم يكن أكثر مما يُكتب لا معنى له، فدور النشر تحوّلت إلى دور تجارية. كتب التراث تجترّ نفسها، وما من قراءة تراثية جدّية تضع النقاط على الحروف. بعض الكتّاب الروائيين ـ وهم قلّة جداً ـ من الممكن أن يقولوا شيئاً مختلفاً لأن مساحة الرواية مفتوحة أكثر وتعفيهم من المسؤوليات الفكرية لأن بطل الرواية هو مَن يقول أموراً خطرة وليس الكاتب».
ويختم: «لم يعد هناك نقد بمعنى النقد. وهناك استسهال بالكتابة وبمعناها. التاريخ يغرْبل مع الوقت، ولكن لا يمكننا أن نراه دائماً على التاريخ».
يستمر معرض بيروت العربي والدولي للكتاب العربي حتى الرابع عشر من ديسمبر الجاري، ويستمر توافد الزوار إليه كلٌّ بحسب غايته ووجهته واهتماماته أياً تكن. فالمعرض يشرّع أبوابه ويفرد رفوفه ويوزّع معروضاته مقدّماً فرصة للزاد، وخير الزائرين مَن أحسن الاختيار واغتنم فرصة التزوّد.
معرض بيروت العربي والدولي للكتاب تفتقد نسخته الـ 60 «الأخيرة» إلى تلك الجمْهرة المعهودة. الحضور إليه في ساعات النهار يشبه التجوّل في أحياء لا يقطنها إلا ناسها ولا يجتاز طرقاتها إلا العاملون فيها. والمعرض على هذه الحال يحتشد قبل مغيب الشمس بالمنظّمين والقيّمين على مقصورات «قطار الكتب» الآتي من بلدان عربية عدة ومكتبات محلية لا تخلف موعداً مع المعرض في مختلف نسخه.
يُرجِع بعض أصحاب المكتبات أو المنتدبين عنهم الحضور الخجول إلى عامل الطقس الذي يجعل من المعرض خياراً مستبعداً للدافئين في منازلهم، ويرى آخرون أن «موضة الكتاب ليست رائجة وأنهم يحْضرون وفاءً لأولئك الذين يوفون بدَورهم للكتاب ويخلصون له»، بينما يقرّ آخرون بأن «الاختلاف بين الليل والنهار يُطاول في مفهومه الحضور إلى المعرض فالقلّة تأتي نهاراً والكثرة تتوافد ليلاً بعد الفراغ من العمل أو الدراسة».
لعل ما يؤكد التأويل الأخير ـ دون أن يلغي احتمالية صواب ما سبقه ـ هو ذاك الرتل الطويل من السيارات التي تتسابق مساءً على الدخول إلى موقف السيارات بالقرب من المعرض في مجمّع «البيال» على الواجهة البحرية للعاصمة بيروت. ابتداءً من الساعة السادسة تمدّ وسائل نقل متنوعة (باصات وسيارات) ردهات المعرض بالناس/ من مختلف الأعمار ومن مختلف المناطق اللبنانية. لكلّ واحد منهم غايته، فيحضرون للتسوق أو لـ «الفرجة»، او مشاهدة بعض العروض كالقصّ أو حضور توقيع كتاب والمشاركة في ندوة فكرية.
مَن يحضر للمرة الأولى يُفاجأ بزحمة الكتب، ويتهيّب الخطوة الأولى التي سينطلق بها في هذا الاتجاه أم ذاك لبدء عملية البحث عن ضالة محدّدة أم عشوائية سيقع عليها أثناء بحثه عن كتاب آخر. أما أولئك الذين يحرصون على ارتياد المعرض في كل عام، فسيجدون توزيعاً مألوفاً للدُور وترتيباً معروفاً للكتب. حتى ان بعض المكتبات تختار زاويتها المعتادة وتتعمّد تنظيم أو بعثرة معروضاتها كما في كل عام كـ «بازار» الكتب الذي يجذب الناس بعفويته وأسعاره المخفّضة.
وإذا كان المعرض يكاد في الشكل ان يتطابق مع نفسه في كل عام، فإن مضمونه يحافظ على خط تصاعدي من المواكبة لكل جديد. ففي السياسة، العناوين تتشابه مع الأحداث وتقاربها. في الأدب تغدق دور النشر على رفوفها بآخر إصداراتها من الرواية والشعر، أما في التاريخ والفلسفة والفكر والدين والفقه فللجديد مساحة مستحدَثة وللقديم مكان دائم ومكانة لا تزول.
ما يخرج عن العرض التقليدي لـ «الإنتاج» الورَقي من الكتب والروتيني من الألعاب ودفاتر التلوين، هو تلك الزوايا التي تكسر الروتين وتقدّم متعاً بصرية تغري المارّة فتستوقفهم. فمع الكثرة ما الذي يميّز القلّة في زمن «الماركيتينغ» والترويج سوى طريقة التقديم؟
الخياط الصغير، أحد «الأكشاك» المميزة والملفتة للنظر. ورغم أن ما يعرضه يُصنّف ضمن زوايا الأطفال بالنظر إلى القصص التي يعرضها، إلا أن الكبار قبل الصغار يتوقفون لتفحّص الكتب ونوعيتها والطريقة التي غُلفت بها. قد تكون البومة «المهضومة» ذات النظارتين، أو القصر الفاره الملون بالأبيض والأسود هو أداة الجذب، إلا أن ألوان الإضاءة وعدّة القصّ و«مفروشاته» الموجودة بالداخل تتضافر لتفرح العين فتشدّها لإلقاء نظرة فتَصفُّح كتاب، ومن ثم شرائه.
الحضور الذي يتذبذب على مدار الساعة وعلى امتداد مختلف أيام المعرض الذي يستمرّ حتى 14 الجاري، والذي ستبيّن الإحصاءات حجمه بالنظر إلى إجمالي نسبة المبيعات، يتمايز بزيارة شخصيات معروفة وأعلام في السياسة والأدب والفن ليومياته. بعضهم يخترق العشرات المتجمهرين عند طاولات تواقيع الكتب، والبعض الآخر يتجوّل بين الناس ويتوقف عند رفوف وصنوف الكتب فيلفت الأنظار ويجذب الحاضرين لالتقاط صور «السلفي».
«الراي» التي زارت المعرض والتقت رئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني خلال جولته في الأرجاء فأخبرها أنه يقصد المعرض في كل عام ولا يفوّت هذه المناسبة الثقافية المهمة، قائلاً: «يصلني من دور النشر ما هي آخر إصداراتها فأحضر لشراء ما أريد قراءته».
ويلفت إلى أنه كرجل سياسي لا تنحصر لائحته من الكتب بالسياسة بل يهتم بشراء الكتب التاريخية والاجتماعية، متحدثاً عن اهتمامه بقراءة الرواية «ومنها أعمال الكاتبتين اللبنانيتين مي منسي وجمانة حداد».
الحسيني يرى بدوره أن الإقبال على القراءة متدنٍّ «فيما يفترض بلبنان وبالنظر إلى شعبه الراقي والمهم أن يكون فيه إقبال أكبر على المطالعة والاستفادة».
أما الكاتب والإعلامي اللبناني أحمد علي الزين فيرى في حديث لـ «الراي» خلال تواجده في المعرض أن «معرض الكتاب كحالة ثقافية عمرها ستين عاماً تشبه المنارة للبحارة البعيدين إذا أحبوا الوصول إلى الشاطئ»، لافتاً في الوقت عيْنه إلى أن «غالبية العرب هم بحارة بعيدون ـ ويا ليتهم يعرفون الإبحار أصلاً ـ وليس أمامهم من حل سوى قراءة الكتب ليهتدوا إلى شواطئ الحياة».
الزين يشير من جانبه إلى أن الإقبال متدنٍ على القراءة «فلو كان هناك نرجيلة لأتى الناس أكثر»، مضيفاً: «هذا زمن لا أحد يقرأ فيه ولا يفكر. زمن الإسفاف والغرائز. زمن القتل ـ قتل كل شيء».
وإذ يلفت إلى كتابه (وقّعه في الثامن من الجاري خلال المعرض)، يقول رداً على سؤال «الراي» لمَن تكتب إذن: «أكتب لنفسي». يضحك ثم يكمل: «بالتأكيد هناك قارئ ولا بد أن يقرأ، فنحن لم نقطع الأمل من فكرة الكتاب كمعنى وقيمة إبداعية، ولكن 90 في المئة إن لم يكن أكثر مما يُكتب لا معنى له، فدور النشر تحوّلت إلى دور تجارية. كتب التراث تجترّ نفسها، وما من قراءة تراثية جدّية تضع النقاط على الحروف. بعض الكتّاب الروائيين ـ وهم قلّة جداً ـ من الممكن أن يقولوا شيئاً مختلفاً لأن مساحة الرواية مفتوحة أكثر وتعفيهم من المسؤوليات الفكرية لأن بطل الرواية هو مَن يقول أموراً خطرة وليس الكاتب».
ويختم: «لم يعد هناك نقد بمعنى النقد. وهناك استسهال بالكتابة وبمعناها. التاريخ يغرْبل مع الوقت، ولكن لا يمكننا أن نراه دائماً على التاريخ».
يستمر معرض بيروت العربي والدولي للكتاب العربي حتى الرابع عشر من ديسمبر الجاري، ويستمر توافد الزوار إليه كلٌّ بحسب غايته ووجهته واهتماماته أياً تكن. فالمعرض يشرّع أبوابه ويفرد رفوفه ويوزّع معروضاته مقدّماً فرصة للزاد، وخير الزائرين مَن أحسن الاختيار واغتنم فرصة التزوّد.