بعد نحو 6 أعوام على إطاحته... الحريري يعود إلى رئاسة الوزراء بأكثرية 112 من 126

لبنان: حكومة «شبْك الأيدي» في مرمى... شِباك التأليف

تصغير
تكبير
صار زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري بعد ظهر أمس الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الاولى في عهد الرئيس العماد ميشال عون بأكثرية 112 نائباً (من أصل 126) من مختلف الكتل البرلمانية والنواب المستقلين بما حقّق للحريري رقماً كاسحاً في التكليف (لم يسبقه اليه في «جمهورية الطائف» الا الرئيس تمام سلام حين أوكل اليه تشكيل حكومة ربْط النزاع في ابريل 2014 بأكثرية 124 نائباً)، وهو ما اكتسب دلالات سياسية بارزة عبّرت عنها احتفالاتٌ وتظاهراتٌ واسعة أعدّها أنصار «المستقبل» الذين اندفعوا بتظاهرات سيّارة في مناطق لبنانية عدة.

وبدا اليوم الثاني من الاستشارات النيابية الملزمة التي أنجزها الرئيس عون لتكليف الحريري متمحوراً حول موقف الثنائي الشيعي اي حركة «أمل» و«حزب الله»، بعدما كانت كتلة الحزب طلبت إرجاء موعد لقائها مع رئيس الجمهورية من الاربعاء الى البارحة للتنسيق مع رئيس مجلس النواب نبيه بري في الموقف من تكليف الحريري.


وفيما امتنعتْ كتلة «حزب الله» عن تسمية الحريري أسوة بما درجت عليه دائماً، اذ لم تسم مرة لا الرئيس الشهيد رفيق الحريري ولا الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة، اتّضح ان الحزب، الذي فوّض الى بري اتخاذ الموقف الملائم من موضوع تكليف زعيم «المستقبل» كما مجمل ملف تشكيل الحكومة، لم يشأ ان يشكل امتناعه عن تسمية الحريري عقبة خطرة في وجه حليفه اي الرئيس المنتخب عون في بداية عهده، فترك لبري ان يسدّ العقبة الشيعية التي كان يمكن ان تنشأ في حال امتناع الفريقين الشيعيين عن تسمية المساهمة في تكليف الحريري.

وهذا البُعد تَرجمه بري في تسمية كتلته للحريري في نهاية الاستشارات ليحصل بذلك الرئيس المكلف على نسبة عالية جداً من أصوات النواب. ولم يبق خارج هذا الإطار الإجماعي سوى كتلة «حزب الله» (13 نائباً) ونائباً من حزب «البعث العربي الاشتراكي» الموالي للنظام السوري هو عاصم قانصوه، بعدما التحق النائب البعثي الثاني قاسم هاشم بقرار الكتلة التي ينضوي فيها (بري)، واحتُسب صوتا نائبيْ الحزب «السوري القومي الاجتماعي»، اللذين كانا وضعا تسميتهما في عهدة رئيس الجمهورية، لمصلحة الحريري.

ومع ان تكليف الحريري لم يكن مفاجئاً إطلاقاً في سياق الدينامية التي بدأتْ مع انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية يوم الاثنين الماضي، فإن شبه الإجماع الذي حصل عليه حتى من النواب الذين عارضوا انتخاب عون (انتُخب بـ 83 صوتاً) اتّخذ طابعاً سياسياً مهماً لجهة رسْم مشهدٍ سياسي متغيّر مع الاستعدادات لتشكيل الحكومة الجديدة التي تستند الى أرضية سياسية واسعة من شأنها ان توفّر للحريري كما للعهد انطلاقة قوية اذا سارت عملية تأليف الحكومة بحد أدنى من التعقيدات ولم تستهلك وقتاً طويلاً لإنجاز التشكيلة.

وتمّت مقاربة عودة الحريري الى رئاسة الحكومة على انها حدَث سياسي استعاد معه «المستقبل» وزْنه ضمن تركيبة السلطة في لبنان واستعاد معه المشهد اللبناني «توازنه» بالمعنى الداخلي كما الاقليمي نظراً الى الامتداد الذي يشكّله زعيم «المستقبل» كحليف وثيق للسعودية، رغم تظهير البعض انتخاب عون رئيساً على انه انتصار لحزب الله وايران. علماً ان الحريري كان خرج ومعه قوى 14 آذار من السلطة قبل نحو 6 أعوام مع الانقلاب الذي نفّذه فريق 8 آذار على حكومته في يناير 2011 اذ أعلنت استقالة وزرائه الـ 11 من دارة العماد عون، كتتويجٍ لفشل مسعى «السين سين» حينها (سورية والسعودية) لتسوية بين 8 و 14 آذار حول المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري وسائر العناوين المتصلة بالأزمة اللبنانية التي بقيت تعتمل منذ 2005. وقد بقيتْ 14 آذار و«المستقبل» خارج السلطة ابان حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الذي استقال في مارس 2013 ليكلف الرئيس تمام سلام تشكيل حكومة (وُلدت في فبراير 2014) اعتُبرت عنوان «مهادنة» بين طهران والرياض وسماها الحريري حكومة «ربْط نزاع» مع «حزب الله» الذي كان انخراطه بالحرب السورية صار مكشوفاً.

ولم تحجب الدلالات البارزة لعودة الحريري الى رئاسة الحكومة كعنصر توازن في التسوية التي أفضت الى انتخاب عون رئيساً، وقائع الفصول الإجرائية الدستورية التي تتالت امس باجتماع بين الرئيس عون والرئيس بري بعد انتهاء الاستشارات لاطلاع رئيس البرلمان على النتائج الرسمية النهائية للاستشارات، قبل ان تتم دعوة الحريري الى الانضمام للرئيسين ومن بعدها صدر مرسوم تكليف الحريري تشكيل الحكومة الجديدة.

وفيما زار الحريري عقب تكليفه ضريح والده في باحة مسجد محمد الأمين في وسط بيروت حيث قرأ الفاتحة على روحه وسائر الشهداء، قبل ان يقوم بجولة على رؤساء الحكومة السابقين ويستقبل المهنئين في «بيت الوسط»، من المقرر ان يبدأ الرئيس المكلف الاستشارات النيابية حول شكل الحكومة الجديدة والحصص فيها مع جميع الكتل والنواب ابتداءً من اليوم في مقر البرلمان.

وتقول الاوساط الوثيقة الصلة بالحريري لـ «الراي» ان الأخير الذي اعلن بعد تكليفه انه يريد حكومة وفاق وطني على قاعدة «شبْك الأيدي»، يبدو مطمئناً الى ان عملية التأليف لن تستمر وقتاً طويلاً وان لديه قناعة بأن اسبوعين او ثلاثة ستكون كافية لانجاز التأليف مبدئياً.

ولكن أوساطا نيابية وسياسية أخرى لا تبدي تفاؤلاً مماثلاً اقله لجهة مدة التأليف السريعة، وتعتقد ان ثمة واقعاً ناشئاً عن تَعدُّد حلفاء العهد وتداخل طموحاتهم وحصصهم المنتظرة في الحكومة ستكون عقبة مهمة في طريق تأليف سريع للحكومة فضلاً عن الجانب المتصل بالترضية الكبيرة التي لا بد ان ينالها بري لقاء تسميته الحريري. علماً ان رئيس البرلمان أعطى اشارت بالغة الدلالات من القصر الجمهوري عقب اعلان تسمية كتلته للحريري اذ اكد «ان للرئيس الحريري ديناً بذمتي منذ ان قلت انني معه ظالماً او مظلوماً. واليوم قررت مع الكتلة وقيادة الحركة التي أنتمي إليها، أن أوفي هذا الدين بالكامل»، معلناً «إذا أرادوا التعاون نتعاون وإذا أرادوا أن نكون في المعارضة نكون في المعارضة».

واعتُبر كلام بري على انه مؤشر الى ان المرونة في التكليف انتهت عند هذا الحدّ وان لمفاوضات تأليف الحكومة حسابات وقواعد أخرى أكثر تشدُّداً وهو خلالها في «حلّ» من اي عهود تجاه الحريري وإن أبدى الاستعداد للتعاون معه بما يكفل دخوله و«حزب الله» معاً الحكومة وإلا بقيا خارجها، وهو ما يضع الحكومة الجديدة امام مشكلة ميثاقية كبيرة.

ولفتت الاوساط نفسها في سياق متصل الى ان حبل التعقيدات كان بدأ يطلّ برأسه من خلال ما طرحه رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع ليل الاربعاء من مطالبة بإعطاء وزارة المال لحزبه، علما ان هذه الوزارة السيادية الاساسية صارت بحكم العرف للطائفة الشيعية، لان اي مرسوم او اجراء لا يمر الا بتوقيع وزير المال ويستحيل مبدئياً ان يتخلى بري عن هذه الحقيبة متى بدأت معه المفاوضات لتشكيل الحكومة. كما ان جعجع طالب بعدم التزام تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم الجميع ملمحاً الى إمكان حصرها بالأفرقاء الذين ايّدوا انتخاب الرئيس عون.

واذا كانت الاوساط اعتبرت ان رفع سقوف المطالب يشكل امراً طبيعياً في بداية عملية تأليف الحكومة، الا انها رسمت الكثير من التساؤلات حول قدرة كل من الرئيسين عون والحريري على انجاز سريع لتشكيلة الحكومة وإمكان التوفيق بين المطالب الواسعة التي سيجدان نفسيهما أمامها، علما انه يبدو شبه مؤكد اعتماد حكومة من ثلاثين وزيراً كي تتسع لأوسع مشاركة سياسية مع انطلاقة العهد.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي