لبنان يطوي الإثنين فراغ الـ 900 يوم بانتخاب رئيسٍ جديد / جمَع صداقات كثيرة وعداوات أكثر وكسب رهاناً خسره الآخرون - 2

جبران باسيل ... «رئيس الظلّ» في عهد عون

تصغير
تكبير
الابن الذي لم يلده عون وكاتم أسراره

معروف بإلمامه بكل ملفاته ويحوط نفسه بأصحاب المال والنفوذ

يحبّ أن يكون نجم الطبْخات السياسية ولا يقبل كثيراً النقاشات أو الانتقادات
الزمان: الاثنين 31 اكتوبر 2016... إنه الاثنين الكبير الذي ما بعده ليس كما قبله. اثنين تأخّر وصوله نحو 900 يوم، وهو يوم ينطوي على ألف سؤالٍ وسؤال.

المكان: مبنى البرلمان في ساحة النجمة وسط بيروت. المبنى الشاهد على حال الجمهورية في حُلوها ومُرها، يفتح أبوابه لحقبةٍ جديدةٍ يصعب التكهّن بـ «خيْطها الابيض من الأَسْود».

صندوق زجاجي لـ «الاقتراع السري» و127 ورقة. مرشّحان بأوزانٍ متفاوتة وتحالُفاتٍ متداخلة و«حبسُ أنفاسٍ». مطرقةٌ ورئيسٌ وقسَم. أسارير، وجوم، وما بين بين.

فبعد 29 شهراً من جمهوريةٍ مقطوعة الرأس، يشقّ «الرئيس الجديد» طريقه الى القصر المهجور يوم الاثنين المقبل بعد معركةٍ بين المرشحيْن الحليفيْن «أبناء الخط الواحد»، زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون، ورئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية.

العماد عون، الأوفر حظاً، كسَب المعركة قبل لعبة التصويت بعدما وفّى الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله بوعده الى حليفه المسيحي الرقم واحد، وصولاً الى تقديمه ما اعتبره «تضحيةً كبيرة جداً» بعدم الممانعة في عودة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري الى رئاسة الحكومة، فيما تجرّع الحريري «المخاطرة الكبرى» لانهاء الفراغ الرئاسي بتبنّيه ترشيح عون، أكثر خصومه السياسيين شراسةً.

النائب فرنجية «المرتاح» لتكريسه منافساً قوياً ورئيساً مؤجلَّاً لما بعد عهد عون، يخوض معركة «أصواتٍ»، وخلفه يحتشد خصوم «الجنرال» على تَعدُّد ولاءاتهم، وفي مقدّمهم رئيس البرلمان نبيه بري، الذي توعّد العهد العتيد بمعارضةٍ شرسة قد تُفسِد على العماد عون «شهر العسل» الرئاسي في القصر.

كل ذلك يجري من خلف ظهر الإقليم المشتعل بين جبابرة المنطقة والعالم. ربما هي من المرات النادرة التي يُترك للاعبين محليين في لبنان تَدبُّر أمر رئاستهم، بعدما كانت «كلمة السرّ» الخارجية حاسمةً في تغليب الكفة ورسْم مصائر العهود والتحكم بخياراتِ زعماء «الجمهورية الهشّة».

ومع الاستعداد لوداع «فخامة الفراغ» واستقبال فخامة جنرال آخر في القصر، تفتح «الراي» ملفاً على حلقات يتناول «صناعة» الرؤساء في لبنان والسيرة الصاخبة للعماد عون و«رئيس الظلّ» في جمهوريته، صهره الوزير جبران باسيل، وحكاية مُنافِسه منذ ان كان «سليمان الصغير» وحتى بلوغه «حافة» القصر. ويتضمن الملف ايضاً إطلالة على تجربة «زعيم المعارضة» في العهد الجديد الرئيس بري، وتحقيقاتٍ عن سيّدات القصر والتحديات السياسية والاقتصادية التي تنتظر المرحلة الجديدة.

ليس سهلاً ان يكون وزير الخارجة جبران باسيل صهراً للعماد ميشال عون. هو بنفسه كرّر ذلك مرات عدة، فبقدر ما يُتهم باسيل بأنه وصل الى منصبه الوزاري والى رئاسة «التيار الوطني الحر» والى ما بدأ يقال عنه حالياً انه «رئيس الظل»، بقدر ما يدافع هو عن نفسه بأنه دفع ثمن خياره السياسي وضحى وجاهد في التيار قبل ان يصبح «صهر الجنرال»، منذ ان كان شاباً ومناضلاً حين بدأ عون حياته السياسية من لبنان رئيساً للحكومة العسكرية الانتقالية، وخوضه لاحقاً حربيْ التحرير والإلغاء، ومن ثم انتقاله الى المنفى ليستكمل النضال السياسي من فرنسا.

هو جبران باسيل، ابن البترون، من عائلة معروفة في المدينة التي تقع على البحر. عمّه كسرى باسيل كان رئيس بلدية البترون لسنوات. وُلد العام 1970، ونال شهادتيْ الهندسة والماجستير في المواصلات من الجامعة الاميركية في بيروت. وتزوّج العام 1999 من شانتال ميشال عون.

اختصار حياته العملية والعائلية، لا يُقارن بحياته السياسية وتاريخه الحزبي الحافليْن بمحطاتٍ تداخلتْ فيها السلبيات كما الايجابيات. هو الابن الذي لم يلده «الجنرال» الذي أنجب ثلاث فتيات، وهو كاتم أسراره والمتحفظ والمعروف بعدم كشْف كل أوراقه.

كتوم في السياسة لكنه يحب الاعلام والتصريحات والظهور الاعلامي والسياسي، ولا يفوّت فرصة لحضور مناسبة او رحلة عمل، لإطلاق التصريحات والخطب السياسية.

يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي من اجل صورته الاعلامية، تارةً مع أولاده على اليخت، او مع زوجته وقريبين منه من وزراء او نواب في رحلات خاصة او حين يمارس رياضة المشي في المناطق الجبلية «الفخمة»، حتى خلال سفره في رحلة عمل. اتُهم بأنه يعمل في بيع البيوت القديمة المرمَّمة، لكنه دافع عن نفسه بانه مهندس ويملك شركة تختص بهذا النوع من الأعمال.

يهوى الصِدامات السياسية ويفرح بالخصومات التي اكتسبها كما بالصداقات. يُتهم بأنه يحيط نفسه بأصحاب المال والنفوذ والمتنفعين، ويقول خصومه في التيار انه لم يعد نفسه المناضل والمهندس الذي عرفوه، لانه يختار فقط للنيابة والوزارة كل مَن ينتمي الى عالم المال.

لا تهمّه الانتقادات بغض النظر عن أصحابها، خصوصاً في المرحلة التي انتُقد فيها بشدة بسبب تصريحاته عن اللاجئين السوريين. اتُهم بالعنصرية، لكن الأيام أثبتت أنه على حق حين تبنّت الحكومة موقفه من ضرورة تقييد التدفق السوري الى لبنان وضرورة تحمل المجتمع الدولي عبء استضافة لبنان لهم. واتُهم بالطائفية لأنه عطّل الحكومة مصراً على استعادة حقوق المسيحيين.

بدأ نجم باسيل يلمع محلياً، بعد عودة عون من المنفى في مايو من العام 2005. اذ ان ظِلّ «الجنرال» في المرحلة السابقة لم يكن يسمح لأي قيادي بأن يبرز في التيار حتى لو كان صهره. فعون بقي على تواصُل مع جميع الناشطين من التيار والاتصالات الهاتفية بين بيروت وباريس لم تنقطع، وكانت غالبية الناشطين على تَواصُل مع بيت الجنرال ومكتبه في باريس، الذي تحوّل مقصداً للناشطين الآتين من لبنان واوروبا.

كان العونيون في لبنان يتحرّكون ويعملون في السر وتحت وطأة الملاحقات، ولم يكن العمل السياسي متاحاً لهم في تلك المرحلة من الوجود السوري، ومع ذلك ظلّوا صامدين، وباسيل من بين هؤلاء الذين فتحوا منازلهم ومكاتبهم للعمل الناشط.

عودة عون الى بيروت العام 2005، أرّخت لمرحلة بدء العمل السياسي للتيار ولباسيل الذي ترشّح عن دائرة البترون في اول انتخابات نيابية أُجريت بعد الانسحاب السوري من لبنان وسقط امام نائب «القوات اللبنانية» انطوان زهرا والنائب المستقلّ بطرس حرب. وعاد وسقط امامهما مرة ثانية في انتخابات العام 2009.

أثار سقوط باسيل في الانتخابات ردة فعل سياسية، من داخل التيار وخارجه، لان عون أصر على ان يوزّره في الحكومات التي تألفت لاحقاً، رغم العرف القائل بعدم توزير اي شخصية فشلت في الانتخابات.

وقد شغل باسيل منصب وزير الاتصالات العام 2008 ووزير الطاقة والمياه العام 2009، وعُيّن مجدداً في الوزارة نفسها العام 2011، ليتولى في فبراير 2014 حقيبة الخارجية. وهو عمل كوزير مع الرؤساء فؤاد السنيورة وسعد الحريري ونجيب ميقاتي وتمام سلام.

يُعرف عن باسيل إلمامه بكل الملفات التي توضع بين يديه، من الاتصالات الى الطاقة والخارجية، وبعمله الدائم في الوزارات التي تولى شؤونها. نشيط ومتابع، يدرس كل ملفاته ويحوط نفسه بطاقم من المستشارين والاختصاصين في كل القطاعات التي تولى العمل فيها.

راكم في عمله الوزاري الكثير من الخبرات طوال ثماني سنوات، لكنه راكم ايضاً عداوات كثيرة لاسيما وانه تسلّم وزارات حساسة، دار الصراع فيها مع خصومه السياسيين كـ «تيار المستقبل» في الاتصالات، ومع حلفائه ايضاً، كما في وزارة الطاقة وخلافه مع رئيس البرلمان نبيه بري تارةً حول ملف النفط وتلزيم البلوكات النفطية وتارة أخرى حول ملف المياومين الذين غالباً ما تَظاهروا ضده. وتفاقم خلافه مع بري في ملفات التشريع والعمل الحكومي، الى ان تحوّلت العلاقة الشخصية المتوترة بينهما خلافاً سياسياً مستحكماً جرْجر ذيوله حتى الانتخابات الرئاسية.

باسيل الوزير، هو نفسه رئيس «التيار الوطني الحر»، الذي ايضاً جمع عداوات داخل التيار بعدما اتّهموه بأنه فَرض نظاماً داخلياً وفصّله على قياسه وأبعد جميع المعارضين له داخل التيار وفصَل بعض القيادات التي كان لها دور أساسي في نضال التيار وعمله أيام الوصاية السورية والتظاهرات والتجمعات الميدانية بعدها.

بعد مخاض طويل، تحوّل «التيار الوطني الحر» حزباً، وبعد معركة سياسية وحزبية داخل صفوف العونيين، «عُيّن» باسيل او زُكي رئيساً للتيار بدعمٍ من «الجنرال»، في ما اعتُبر تسوية بين الموالين له والمعترضين على توليه الرئاسة، من حزبيين ونواب وقياديين.

خصم باسيل الأساسي داخل «التيار» كان ابن شقيق الجنرال نعيم عون الذي كان والده «ابو نعيم» شقيق عون الأكبر، حامي العونيين زمن التظاهرات، ومعه زياد عبس القيادي المرشح العوني السابق عن دائرة بيروت الاولى. لكن خصومة العونيين لم تؤثر في تغيير رأي الجنرال او رئيس التيار، بل بالعكس فقد وقف العماد عون الى جانب صهره، وقال: «ابن شقيقي في البيت لكن عناصر التيار عليهم التزام التعليمات الحزبية».

لا يركن باسيل كثيراً لشخصيات في التيار معروفة بنشاطها التقليدي، وهو يثق ببضعة أشخاص وقياديين، ويصرّ على التراتبية الحزبية التي جعلتْه آمرا ناهياً في التيار بحسب ما يأخذ عليه خصومه فيه. خصوصاً ان نواباً ومرشحين للانتخابات النيابية عملوا على كسب وده كي يظلوا في مناصبهم او يكونوا مشاريع مرشحين.

انتشرت إشاعات كثيرة حول باسيل، عن ثروته وعن شرائه أراضي شاسعة في لبنان والبترون، وعن امتلاكه منازل خارج لبنان، وعن طائرة خاصة يملكها فاضطر أكثر من مرّة الى تكذيب الخبر.

واجه الكثير من الخصوم، وهاجمه عدد كبير من السياسيين وكتب صحافيون ضدّه، ونُشرت صور له في اطار كاريكاتوري، تارة بسبب ضحكته وتارة أخرى بسبب قصر قامته، واستُخدم اي حدَث معه ليتحول قصة كبيرة و ووجه بتعليقات قاسية وسخرية من أدائه في مواقع التواصل الاجتماعي، كما في حادثة مع احدى الديبلوماسيات اللبنانيات في نيويورك، والتي اضطر ايضاً الى نشر توضيح حولها.

حصد باسيل عداوات سياسية، في «تيار المستقبل»، مع الرئيس نبيه بري والوزير علي حسن خليل، ومع «القوات اللبنانية» قبل التفاهم بينهما، ومع النائب سليمان فرنجية في شكل حاد، تُرجم أكثر بعد ترشيح الحريري لفرنجية الذي ذهب في معرض ردّه على سؤال حول اذا كان باسيل سيكون «رئيس الظلّ» في عهد عون الى القول ان «الجنرال» هو الذي سيكون «رئيس الظلّ» في إشارة الى الدور المحوري الذي سيلعبه «الصهر الأول» في القصر ودائرة القرار الرئاسي.

عادى باسيل الحريري وصادقه، وذهب الى منزله مرات عدة، واشتهرت له صورة وهو يركب دراجة نارية برتقالية في منزل الحريري في السعودية.

«الرجل الأقوى» في عهد عون المقبل، يتمتّع بقدرة على التكيّف مع الخصوم والحلفاء. هو يهنْدس اليوم مشروع عودة الجنرال الى بعبدا، ويفاخر بأنه حقق هذا الفوز لعون وللتيار، نتيجة عمله السياسي وحواراته ولاسيما مع الحريري ومستشاره نادر الحريري، فجمع بين علاقته بزعيم «المستقبل» وعلاقته بـ «حزب الله» ولاسيما مستشار الأمين العام الحاج حسين خليل ومسؤول الارتباط والتنسيق وفيق صفا.

وباسيل، الذي كان له دور في صوغ التفاهم مع «حزب الله» (في فبراير 2006) الذي وضع «التيار الحر» على خطّ التموْضع الاستراتيجي للحزب ومحوره الاقليمي الذي تقوده ايران في المنطقة، استكمل على طريقته الخاصة مشروع التفاهم مع «القوات اللبنانية»، الذي بدأه عون، وهو مستمرّ فيه ويضعه موضع التنفيذ. وعلاقته برئيس حزب «القوات» الدكتور سمير جعجع تتوطد في شكل يومي، على عكس علاقته مع حزب الكتائب او الرئيس نبيه بري الذي لا يجمعه به اي ودّ او صداقة مهما تَحاورا وتَشاورا. فرئيس البرلمان يرى فيه شخصية انقلابية وغير موثوقة، فيما لا يرى باسيل في بري الا الرجل الذي يريد ان يحكم منفرداً.

لكن باسيل يحبّ دائماً ان يكون نجم الطبْخات السياسية، ولا يقبل كثيراً النقاشات او الانتقادات. ويصرّ دائماً على ان «الجنرال» هو الذي يتخذ المواقف اولاً وآخراً، وانه ينفذ ما يطلبه الجنرال. لكن القريبين منه يعرفون ان لباسيل هامشاً من الحرية والحركة السياسية، لم يعطهما عون لأيّ شخص. فعون يدافع عن باسيل، ولا يقبل عنه شكوى، مثله مثل زوجة الجنرال، ويعترف له بالذكاء وبالقدرة على الحروب السياسية والمعارك الناجحة والنجاح في الوزارات مهما تَعدّد اختصاصها.

لم ينجح باسيل في الوصول الى مجلس النواب، لكنه نجح كوزير، واليوم ينجح في ايصال عون الى قصر بعبدا. ومنذ ان أعلن الحريري ترشيح عون، بدأتْ الاتهامات مجدداً لباسيل بانه هو الذي وصل الى بعبدا، وسيكون رئيس الظل وجامع كل الوزارات في يديه، وهو المرجّح ان يتخلى عن اي منصب في الحكومة العتيدة ليكون «حارس عهد الجنرال».

شخصية مركّبة استفزازية. قد تكون الصدفة لعبت دورها في حياة باسيل، لان كثراً من خصومه لا يرون انه مخطط واستراتيجي، بل قانِصا للفرص ومتقلبا. لكن باسيل اليوم ربح الرهان الذي خسره كثيرون.

حكايته تختصر فصولاً من حياة لبنان

«نافورة مياه» قصر بعبدا تستعيد «عملها» الإثنين

تعود «نافورة المياه» في القصر الجمهوري الى «العمل» في 31 الجاري إيذاناً بانتهاء الفراغ الأكثر «نفوراً» في تاريخ الجمهورية.

الاثنين المقبل، يدخل «جنرال» الى القصر رئيساً، هو العماد ميشال عون، بعدما غادره جنرال آخر قبل نحو 29 شهراً هو الرئيس ميشال سليمان.

بعد أربعة أيام، ترتفع السارية مجدداً وعليها يرفرف العلم الذي «نُكّس» منذ 24 مايو 2014، ليدخل عون القصر من دون عملية تسلُّم وتسليم بين السلَف والخلَف وهي العملية التي لم تشهدها جمهورية الطائف الا مرة واحدة العام 1998 حين تسلم الجنرال إميل لحود الرئاسة من الرئيس الياس الهراوي.

في 31 الجاري، تشعشع الأضواء من جديد في المقر الرئاسي الذي تختزل حكايته فصولاً من تاريخ لبنان الحديث بحُلوها ومُرها، ترحيباً بالرئيس 13 منذ الاستقلال (1943).

وهذا القصر «المسطح» على «هضبة» بعبدا المطلة على بيروت، سيكون على موعد مع عودة الروح اليه بعدما كاد ان «ينبت العشب» على أدراجه التي ستستقبل العماد عون بعد 26 عاماً من مغادرته اياه عنوةً بعد العملية العسكرية السورية التي دمّرته في 13 اكتوبر 1990 وأخرجتْ «الجنرال»، الذي كان دخله العام 1988 رئيساً لحكومة عسكرية انتقالية، الى السفارة الفرنسية ومنها بعد 9 أشهر الى المنفى الباريسي.

ومع بدء العدّ العكسي لانتخاب عون المرجّح بقوة، يتحضّر حارسا الشرف لاستعادة حركتهما «الأنيقة» على المدخل، فيما الحدائق استردّت ألقها هي الاخرى بعدما تخلّصت من العشب اليابس.

ومنذ ان لاحت مؤشرات إمكان الإفراج عن الانتخابات الرئاسية، اكتملت ورشة التأهيل والصيانة التي أُخضع لها الجناح الرئاسي بقاعاته الكبرى والصغرى والمكتب الرئاسي والجناح الخاص بسكن الرئيس وعائلته، في حين أنجزت دوائر القصر كل الاستعدادات لاستقبال الرئيس الجديد الذي سينتقل الى المقر الرئاسي بعد إعلان فوزه على ان تصطحبه المرسيدس الرئاسية المصفحة من مقر البرلمان، ليُستقبل من ثلّة من الحرس الجمهوري عند مدخل القصر ومن موظفي المديرية العامة للرئاسة وقائد لواء الحرس والضباط.

ورغم الأنظار الشاخصة على القصر الذي بقي مهجوراً لنحو 900 يوم، فإن هذا المقرّ لم يكن «ملجأ» الرئاسة الوحيد، اذ هناك امكنة اخرى سكنتها الجمهورية قبله وبعده، مثل قصر القنطاري والزوق وبيت الدين والكفور والرملة البيضاء وسواها.

غير ان حكاية قصر بعبدا تعود الى عهد الرئيس كميل شمعون (عام 1953) حين وضع خرائطه مهندس سويسري وجمعت هندسة القصر بين الحداثة والطابع التراثي، فجاءت مزيجاً من القناطر والصالات الواسعة، في بناء شيّد بالعرض وبسقف مسطّح.

وكان البدء بتنفيذ المشروع تأخر حتى نهاية عهد الرئيس شمعون (1958)، ما جعل الرئيس فؤاد شهاب يتسلّم الرئاسة من دون قصر رئاسي.

وكان الرئيس شارل حلو أول من وقّع اسمه على سجلّ الشرف، كأول رئيس يدخل إلى قصر بعبدا، في السنة الأخيرة من ولايته (من منتصف العام 1969 الى منتصف العام 1970).

ولم يسْلم القصر من شظايا الحرب الأهلية، اذ دمّر القصف الغرفة المفضّلة والأحبّ على قلب الرئيس سليمان فرنجية، وكانت عبارة عن غرفة زجاجية تطلّ على البحر لجهة الغرب، فقرّر نقل مقرّ الرئاسة إلى بلدة الكفور، ولم يعد إلى بعبدا إطلاقاً إلى أن سلّم مقاليد الرئاسة إلى الرئيس الياس سركيس في قصر بلدية الذوق الذي شكّل مقرّاً رئاسياً ليوم واحد فقط.

وفي الفترة الأولى من ولايته، أقام الرئيس الياس سركيس في منزله الخاص في انتظار انتهاء إصلاح القصر، وعندما انتقل إليه بقي فيه حتى انتهاء ولايته. وفيه سلّم الرئاسة إلى الرئيس أمين الجميل (1982) الذي تسلّم مقاليد الحكم بعد اغتيال شقيقه بشير الذي لم يدخل القصر وظلّ رئيساً «منتخباً» فقط. أما الرئيس رينيه معوّض فقد أمضى المدّة القصيرة من ولايته متنقّلاً بين الشمال ومقرّ الرئاسة الموقّت في الرملة البيضاء، قبل اغتياله في قلب بيروت يوم عيد الاستقلال. وبين عامي 1993 و1998 وفي أعقاب عملية ترميمه سكن القصر الرئيس الياس الهراوي، بعد انتقاله من مبنى الرملة البيضاء الذي تحوّل الى مبنى لجريدة «المستقبل».

وبذلك، يكون الرئيسان ميشال سليمان واميل لحّود اثنين من 3 رؤساء فقط سكنوا القصر طوال مدة ولايتهم، والثالث هو الجميل... أما الباقون، فإما لم يدخلوه (شمعون، شهاب، بشير الجميل ومعوّض)، وإما سكنوه فترة معينة (حلو، فرنجية، سركيس والهراوي).
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي