علاف لـ «الراي»: مخطط التهجير سيفشل وأهلها المقاتلون سيخرجون من تحت الأرض إذا استحال من سطحها

حلب ... هل ترفع «الرايات البيض»؟

تصغير
تكبير
لن تستسلم للمحتلّين الروسي والإيراني

هناك احتمال بأن يُباد ربع مليون من سكان حلب إذا تخلى العالم عنها
تصرخ حلب لوحدها اليوم...«المدينة الشهيدة» تحمل قضية الثورة وآهات شهدائها من تحت الركام. دماء أطفالها وصرخات أهلها لوقف المذبحة لا تجدي نفعاً، لا داخل أروقة الامم المتحدة ولا في قاعات مجلس الأمن او في ضمائر رؤساء العالم الذين يشيحون النظر عن المأساة وبعضهم... «يصنعها».

«الراي» تضيء في التحقيق الآتي على واقع مدينة حلب المحاصَرة اليوم وسط الصمت المريب، وهي حسب كثيرين بوابة الحل للأزمة السورية لو رغِب البعض، وقصة سيرويها التاريخ لو نجح مخطط تقسيم سورية.

عند انطلاقة الثورة السورية وقبل ان يُستخدم السلاح، كان الجميع يتطلعون الى حلب ويسألون متى تتحرك ضد نظام الأسد، اذ كان يتوقع ان تنطلق منها شرارة الثورة، وكان النظام السوري يجري استعداداته لمواجهة هذه اللحظة بخطط استراتيجية شملت كل نواحي الحياة، بتعيين قادة لفروع الأمن يشرفون على المساجد والتعليم ووظائف الدولة المختلفة لمنع ولادة أيّ معارضة، اذ كانت تقوم بتصفية المعارضين بشكل مستمر.

ويقول ابن مدينة حلب معاون وزير الطاقة في الحكومة السورية الموقتة عبدالقادر علاف لـ «الراي» ان «المفارقة كانت ان الثورة السورية انطلقت في أقصى الجنوب بدرعا وبعيداً عن حلب وحماة، معاقل المعارضة تاريخياً، وقد شاركت حلب منذ اليوم الأول بتظاهرة تم الإعداد لها بعد صلاة الجمعة في الجامع الأموي الكبير دعماً لأهالي درعا وجرى قمْعها بطريقة هستيرية وباستخدام فعاليات شعبية (شبيحة آل بري وغيرهم)».

أحجم تجار حلب وموظّفوها عن الثورة في البداية بينما انخرط فيها طلاب وعمال ومزارعون من أهل الريف القاطنين في حلب، وهم يمثّلون أكثر من نصف سكانها الذين تجاوزوا خمسة ملايين نسمة. ويوضح علاف ان «هؤلاء غادروا بلداتهم لاستحالة مواجهة البطش الأمني، وانطلقوا لحلب المدينة بعد مرور عام على الثورة ليحرّروا الطرف الشرقي ونصف المدينة بأسابيع، فيما انكفأ النظام إلى غرب المدينة واستدعى قوات كبيرة جداً وبدأ مسلسل التدمير تدريجاً بالمدفعية وصولاً للصواريخ الباليستية والبراميل المتفجّرة قبل دخول روسيا بطيرانها».

ويؤكد أن «تحرير حلب بالكامل وعودة الحياة اليها يعني فعلياً انتهاء حكم الأسد لسورية لأنها الخزان البشري الفاعل في تحريك عجلة الصناعة والزراعة ورؤوس الأموال»، موضحاً «ان الحلبيين نقلوا مصانعهم، وبمهارة حرفييهم وبوفرة أموالهم، بدأوا يحرّكون عجلة الاقتصاد في مناطق الساحل الآمنة، أما الذين نزحوا لتركيا فأنشأوا أعمالهم الناجحة، ومَن وصل الى السودان افتتح مشاريع واستثمارات فرضت نفسها بقوة هناك». وأضاف: «الآن بدخول الثورة السنة السادسة نرى أعداد المقاتلين في مختلف الفصائل وعمادها الحلبيون، وهو ما يجعل النظام يصرّ على عدم تركها إلا بعد تدميرها. علماً ان خريطة السيطرة العسكرية للثوار السوريين بالتعداد والعتاد والمساحة تتركز في حلب وأريافها، وهذا المقصود بثقل حلب الذي يجعلها مركز الصراع في سورية».

تُحاصَر اليوم الأحياء الشرقية من حلب وتضمّ عشرات نقاط التماس على الجبهات الفاصلة بين فصائل المعارضة وقوات النظام السوري. ويتردد انه لم يتبقَ من قوات الجيش السوري سوى أعداد قليلة داخل المدينة فيما تتمركز في المحيط ميليشيات «حزب الله» و«النجباء» و«أبو الفضل» و«زينبيون» و«فاطميون» و«الحرس الثوري» و«لواء القدس». وفي المقابل فإن فصائل «الجيش الحر» المختلفة تتواجد على نقاط التماس.

منذ نهاية العام 2012 تتعرّض حلب لحملة تدمير ممنهجة. اذ وصلت نسبة الدمار في بعض أحياء المدينة الشرقية إلى أكثر من 70 في المئة، فيما تم تدمير غالبية البنية التحتية في المناطق المستهدَفة. ويُقدّر عدد الأبنية المدمّرة بنحو مليون. وحسب الامم المتحدة فإنّه «بحلول نهاية 2016 ستكون حلب الشرقية مدمّرة بالكامل».

ووفق تقديرات البنك الدولي، فإنّ محافظة حلب كانت الأكثر تضرراً من أعمال القصف، حيث وقع فيها 40 في المئة من كل الضرر الذي تم توثيقه حتى نهاية 2015 في كل سورية. وقد ارتفع معدّل الضحايا بشكل تصاعدي، اذ وصل إلى 39 في المئة في الأشهر التسعة الأولى من 2016. وفي المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، يقدّر أن نحو 80 في المئة من المدارس لم تعد صالحة للاستخدام، فيما 95 في المئة من أطباء حلب تركوا المدينة أو قُتلوا أو اعتُقلوا. اما نسبة النزوح والهجرة فطالت أكثر من ثلثيْ سكان المحافظة.

ويوضح علاف انه «بعد الحصار، انعدمت وسائل الكسب والآن يقتصر غذاء الحلبيين على الخبز الذي تم تخزين كميات معقولة منه تحسباً للحصار مع بعض المزروعات في الحدائق وعلى سطوح البيوت حيث وفّرت بعض المنظمات حبوباً مخصصة للزراعة يجري توزيعها على السكان. وتبقى محطة ضخ المياه الرئيسية في منطقة سليمان الحلبي والواقعة داخل حلب المحاصَرة والتي تؤمن المياه لحلب بشطريْها، اذ تمّ تدميرها بالقصف الروسي المركّز والمتعمّد، ما وضع السكان تحت ظرف صعب ودفعهم الى الاعتماد على الآبار غير الآمنة صحياً».

يبلغ تعداد السكان في حلب المحاصَرة 250000 نسمة، وقبل الحصار كانوا يصدّرون صناعاتهم لمختلف المناطق رغم التدمير والقصف المتواصل. وقد توقفت المصانع الكبيرة عن العمل ووجدتْ بديلاً بالاعتماد على الصناعات الخفيفة والورش الحرفية التي أمّنت الاستمرارية في الإنتاج.

ويلفت علاف الى وصول «أحذية وألبسة من صناعة حلب المحرَّرة الى المناطق المحرَّرة الأخرى ومناطق النظام ومناطق داعش وحتى الى الموصل العراقية، وذلك بتبادل تجاري مقابل وصول المحروقات من مناطق داعش والتي لم يستطع المجتمع الدولي تأمينها للمناطق المحرَّرة ليتم الاستغناء عن داعش، وهذا يعكس الفشل الدولي في إدارة المعركة لإنهاء داعش وتجفيف مصادر تمويلها».

ويضيف: «حتى ممارسة الزراعة ضمن المدينة بدأت تنتشر في الحدائق وسطوح المنازل مع توافر البذور. ولم يعجب النظام والروس الانتعاش الاقتصادي الذي يعزز صمود السكان في حلب رغم المعارك، فقرروا تدمير حلب بقنابل ما تحت النووية وتكرار نموذج غروزني واستهداف البنية التحتية للمدينة ومشافيها وأفرانها، ما أدى لتوقف الحياة الاقتصادية تماماً والاعتماد الكامل لسكانها على المساعدات والحصص الاغاثية».

بعد مرور ثلاثة أشهر على الحصار انعدمتْ مصادر الطاقة وباتت حلب المحاصَرة في ظلامٍ تام. ومع ذلك يصرّ الأهالي على الصمود واختيار الموت تحت ركام بيوتهم المهدَّمة وداخل ملاجئهم المدمَّرة بفعل القنابل الروسية الارتجاجية وما تحت النووية. ويوضح علاف انه «من اجل تأمين الصمود، يتمّ توزيع حصص من الخبز وبعض المواد المخزَّنة بشكل يومي من قبل لجان الأحياء ومندوبي المنظمات العاملين في المدينة والذين استشهد العديد منهم أثناء تأديتهم أعمالهم»، معتبراً ان «المعاناة الأكبر عند الأهالي هي في معالجة الجرحى نتيجة القصف بعد تدمير كل المشافي ونفاد المخزون من الأدوية وعدم توافر الوقود لتشغيل أجهزة غسيل الكلى وما شابهها، ما يجعل الجريح ذات الإصابة البليغة مشروع شهيد. أما إرادة البقاء والتشبث بالأرض فهي أهمّ أسباب الصمود المتوافرة في حلب المحاصَرة، وهذا الشعور يعزز إمكان فك الحصار بأي لحظة. وقد حدث ذلك في أكبر قلاع النظام بمنطقة الراموسة حيث الكليات العسكرية التي استعادها النظام كتلاً مدمّرة وخسر 1500 عنصر إرهابي من ميليشياته المدرَّبة في ايران وهي عناصر النخبة».

اما عن الدور الذي تقوم به الحكومة الموقتة لتخفيف المصاعب، فيعتبر ان «الحكومة السورية الموقتة جرى تعطيل دورها منذ أكثر من عام، ولا دور فاعلاً لها في حلب المحاصَرة والتي لم تستطع الدول العظمى إدخال المساعدات الإنسانية لأهلها المحاصرين»، موضحاً ان «دور الحكومة الموقتة يقتصر إدارياً على الإشراف على المجالس المحلية وملفيْ التعليم والصحة من دون توفير أي دعمٍ تشغيلي أو تنفيذ مشاريع، لعدم توافر أي دعمٍ لها».

ورغم الوضع الصعب في حلب، فإن علاف متفائل بصمودها وفشل عمليات تهجير سكانها، ويقول: «لن تستسلم للمحتلّين الروسي والإيراني لأسباب كثيرة، وربما هناك احتمال أن تنكسر حلب ويباد ربع مليون من سكانها اذا تخلى العالم عنها وترَكها وحيدةً تواجه مصيرها للقنابل الارتجاجية وربما النووية».

ويشير الى ان «مقاتلي حلب هم من أهلها ومعهم نساؤهم وأطفالهم وشيوخهم وهم يعرفون أرضهم، ولا أخفي سراً بقولي إنهم سيخرجون من تحت الأرض اذا استحال من سطحها، فحلب كلها سراديب ومغارات، وأهل حلب أدرى بشعابها. ومعززات الصمود والمواجهة ما زالت كبيرة ما يجعل سيناريو تهجير أهلها غير وارد».

وعن تفاصيل الخريطة الجديدة التي يعمل عليها الروس والايرانيون ويُغض الطرف عنها من الولايات المتحدة وأوروبا، فهي حسب علاف، «نفوذ روسي غرب سورية مع النظام، نفوذ إيراني في دمشق حتى الحدود اللبنانية مع النظام، نفوذ للفصائل الكردية شمالاً برعاية أميركية وأوروبية. وسط سورية من البادية حتى الحدود العراقية مناطق نزاع بوجود داعش وبقايا فصائل الثورة لتفني بعضها. التخلي عن حلب وادلب بعد تدميرهما وإرضاء الأتراك بنفوذ فيهما مع حلفاء لهم من الجيش الحر».

ومع ذلك، فان علاف يؤكد ان «السوريين لن يقبلوا وسيتابعون معركة تحرير بلدهم من الاحتلال الروسي الإيراني، ولديهم نقاط قوة كثيرة منها ذاتي وأخرى يتمثّل أهمها بدعم أشقائهم في الخليج وجيرانهم الأتراك لتَضرُّر الجميع ووقوعهم وسط الاستهداف. والكل يدرك حجم الخسارة بانحسار الثورة السورية وانعكاسات ذلك عليهم جميعاً».

وعن طرح مبعوث الأمم المتحدة الى سورية ستيفان دي ميستورا خروج فتح الشام (النصرة سابقاً) من حلب، يلفت علاف الى ان «فصيل فتح الشام غير موجود داخل حلب المحاصَرة، وهناك أعداد رمزية فقط تتواجد في إحدى الجبهات وليس كما ادّعى السيد دي ميستورا. وقد لقي مقترحه استهجاناً كبيراً لاحتوائه على رسالة خبيثة بتبرير القصف الروسي وتبرئة الإجرام الذي أقرّت به كل الدول على لسان ممثليها، واعتبرت روسيا دولة تتصرف كدولة مارقة على القانون الدولي والإنساني بحجة وجود أعداد من فتح الشام وعدم ذكر الميليشيات الإرهابية المحاصِرة لحلب والعابِرة للحدود والتي جرى أخيراً أسْر وقتْل العشرات من عناصرها وهم يحاولون الهجوم على المحاصَرين لإبادتهم كما هي عادتهم عند الدخول لكل بلدة سوريّة».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي