من «سرايا المقاومة» إلى «سرايا التوحيد» مروراً بـ «حماة الديار» وسواها

هل بدأت «عسْكرة» الشارع اللبناني؟

تصغير
تكبير
هشام الأعور: «سرايا التوحيد» ذات طابع مدني وتحت سقف القانون وتقف خلف الجيش والقوى الأمنية

رالف شمالي: «حماة الديار» ترفض السلاح المتفلت خارج الدولة والحملة على الحركة توقفت

نزار عبدالقادر: «عسْكرة» المجتمع السياسي رأيناها في الستينات والسبعينات من منظمة التحرير الفلسطينية
تتزايد في لبنان، مع استمرار تعليق الدولة «المقطوعة الرأس» والمشلولةِ الأجنحة التشريعية والتنفيذية، مظاهر مُقْلقة عبر قيام تشكيلاتٍ إما ذات طبيعة ميليشيوية وإما تنضوي تحت يافطاتٍ مدنية وكشفية وتُقدِّم نفسها على أنها في خدمة الجيش والقوى الأمنية لمؤازرة جهودهم في مكافحة الإرهاب.

وتترافق هذه الظاهرة مع تقارير وأشرطة فيديو تطلّ بين الحين والآخر متحدّثة عن تدريبات عسكرية لمجموعاتٍ من أحزاب عقائدية ارتبط اسمها بالحرب الأهلية التي كانت دهمت لبنان بين 1975 و 1990.

واذا كان «حزب الله» يجاهر بامتلاكه ميليشيا مسلّحة في الداخل تُعرف بـ «سرايا المقاومة» وتضمّ نحو 50 ألف عنصر ينتمون لطوائف مختلفة، وموزّعين على امتداد الجغرافيا اللبنانية، فان اللافت كان «تفريخ» سرايا مماثِلة لجماعاتٍ أخرى تُحاذِر تقديمها على أنها ميليشيات وتحرص على إعطائها الطابع «المدني» المؤازِر للجيش والقوى الأمنية.

ومن الواضح ان الفراغ المتعاظم في آليات الحكم في لبنان و«وهج» الحرب السورية و«عصْفها» على الداخل اللبناني ساهما في «تحضير المسرح» لقيام هذه التشكيلات التي بدأت مع إعلان الشيخ أحمد الأسير قبل أكثر من ثلاثة أعوام عن قيام «سرايا التحرير» في مواجهة سرايا «حزب الله»، لتنهار إثر المواجهة مع الجيش اللبناني في عبرا (صيدا) صيف 2013.

ولم تكن هدأتْ الأصداء السلبية التي رافقت ظهور جماعة «حماة الديار» التي هدّد وزير الداخلية نهاد المشنوق بسحب ترخيصها، حتى أطلّ الوزير السابق رئيس حزب «التوحيد العربي» وئام وهاب، معلناً عزمه على إطلاق «سرايا التوحيد» في العشرين من الشهر المقبل.

و«النقزة» التي أثارتها «حماة الديار» تَعزّزت بتسريب أشرطة فيديو عن تدريبات كانت تخضع لها مجموعات منها في ثكن للجيش اللبناني. أما كلام وهاب عن إطلاق سراياه فترافق أيضاً مع تصريحات لمسؤولين في حزبه أثارت مخاوف من ان تكون هذه المجموعة أقرب الى فصيل مسلّح تحت عنوان «الدفاع عن الوطن».

وجاء «تفريخ» مثل هذه الظواهر ليفاقم التوجّس من ان تكرّ سبحة تشكيلات مماثلة في لحظة ارتفاع وتيرة الاستقطاب في الشارع اللبناني، وعسْكرة الصراع السياسي، وتالياً الوقوف أمام منزلق شبيه بالذي عاشته البلاد عشية الحرب الأهلية.

«الراي» وإزاء ما أُشيع عن رغبة حزب «التوحيد العربي» بإنشاء سراياه المسلّحة، سألت مسؤول الإعلام في الحزب هشام الأعور عن حقيقة هذه السرايا ودورها وخصوصاً انه أُعلن عن استعراض سيقوم به شباب منها في احتفال سياسي لـ «التوحيد» في العشرين من نوفمبر المقبل.

وقد أوضح الأعور أن اللبنانيين سيكونون في العشرين من نوفمبر المقبل «على موعدٍ مع يومٍ تضامني مع أهلنا في الجولان العربي السوري المحتلّ وجبل العرب وجبل الشيخ تحيةً لصمودهم في مواجهة الجماعات التكفيرية»، لافتاً إلى أن «هذا الاحتفال، الذي دعت إليه هيئة العمل التوحيدي، وهي الهيئة الدينية التابعة مباشرة للوزير وئام وهاب، ستتخلله مجموعة كلمات واستعراض رياضي لسرايا التوحيد». وكشف أن «الاستعراض الرياضي ستنفذه مجموعة من الشباب المتعلّم من طلاب المدارس والجامعات كتحية على طريقتهم الخاصة لأهلنا في سورية»، ونافياً وجود أي سلاح في هذا الاستعراض.

وذكّر بأن وهاب لفت عند الإعلان عن إنشاء سرايا التوحيد إلى «ممنوعات ثلاثة لا نقربها في الحزب وهي السلاح، الأمن الذاتي والعمل الميليشيوي»، مشدداً على أن «هذه السرايا دورها شبابي كشفي، فهي ذات طابع مدني وتحت سقف القانون وتقف خلف الجيش والقوى الأمنية، وليست كما يقول البعض إنها ذكّرتنا ببدايات تَشكُّل الميليشيات في لبنان في فترة السبعينات من القرن الماضي، فهي بعيدة كل البُعد عن هذا الموضوع».

ورداً على سؤال «الراي» عمّا إذا كانت «سرايا التوحيد» تتقاطع مع «سرايا المقاومة» في الأهداف، أجاب: «نؤيّد عمل سرايا المقاومة وندعم مبادئها، لكن هذا لا يعني أن سرايا التوحيد هي سرايا مقاوَمة ولها عمل عسكري»، داحضاً مقولة إن سرايا التوحيد هي «سرايا مقاومة» في المناطق الدرزية. وقال: «سرايا التوحيد هي سرايا كشفية رياضية وكل أعمالها ذات طابع مدني خدمةً للمجتمع، فعلى سبيل المثال إذا اندلع حريق في منطقة الشوف ستقوم هي بالتنسيق مع الدفاع المدني والنزول على الأرض»، لافتاً إلى أن «سرايا التوحيد إطار أكبر من كشافة طلائع التوحيد العربي التابعة للحزب، فهي لديها نشاطات تربوية ثقافية اجتماعية».

وإذ شدد على التفاف حزب «التوحيد» حول المؤسسة العسكرية، حيّا جهودها «وخصوصاً مخابرات الجيش»، وأثنى «على دور شعبة المعلومات والأمن العام وكل الأجهزة الأمنية التي تقوم بدورها وبما هو مطلوب منها»، موضحاً «أننا عنصر داعِم معنوياً لهذه الأجهزة ونؤيد مواقفها سواء بمواقفنا أو من خلال الندوات وتوجهات رئيس الحزب»، وجازماً بأن «سرايا التوحيد لم يتم تشكيلها لتكون ضد الجيش أو الأجهزة الأمنية، لا بل على العكس».

ونفى أن يكون لدى «سرايا التوحيد» معسكر «رياضي» تدريبي حالياً، لافتاً إلى «أننا سنتفق مع مؤسسات تهتمّ بهذا الموضوع، فالمسألة رياضية تقنية لها أصولها وأساتذتها، ولذا سنتعاون بالتأكيد مع بعض الناس ضمن مؤسسات رسمية أو من المجتمع المدني لتكون الدروس بين النظرية والتطبيق».

والواقع ان «سرايا التوحيد» جاءت بعد نحو شهرين من خروج مجموعة «حماة الديار» الى الضوء كحركة أعلنت انها «مدنية أنصارها من كل الطوائف اللبنانية وليس لديها اي أسلحة او أعمال تسليح او جانب عسكري»، وهدفها «دعم الجيش اللبناني». لكن صور التدريبات ومقاطع الفيديو في ثكن الجيش اللبناني التي نشرتها على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أثارت حينها حملة تساؤلات عن صدقية ما تعلنه وعما اذا كانت فصيلاً ميليشيوياً على غرار ما اعتاده اللبنانيون.

رئيس الحركة رالف شمالي تحدّث الى «الراي»، وقال تعليقاً على ما يُحكى عن «سرايا التوحيد» وعن وضعها مع الحركة في الإطار نفسه: «سمعت ككل الناس عن تشكيل سرايا التوحيد، غير أن الموضوع لا يعني لي شيئاً ولا فكرة لدي عنه ولا يهمني فهذا «مش شغلنا نحنا».

وأضاف: «صرنا كفريق يتعاطى الشأن العام في لبنان نعمل على مستوى تخريج كوادر بفكر وطني وحديث موحّد. وحماة الديار تتجه بعد أسبوع إلى بدء أول جامعة شعبية لتخريج الكوادر وستضمّ هذه الدفعة مئة مسؤول». واستطرد: «عملنا إذاً ينقسم إلى شقين الأول فكري وفيه تخريج الكوادر ضمن دورة ممنهجة لمدة شهر، وفي الوقت عينه هناك الرياضة التي نقوم بها والمحاضرات في الثكن العسكرية والقرى، أما التركيز الأكبر فهو على فتح مكاتب أكثر فأكثر في كل المناطق اللبنانية لاستيعاب الأعداد التي تتوافد إلينا، مع الحرص على توزيع منحوتات صخرية تحمل شعاريْ الجيش والحركة في كل مناطق وجودنا في لبنان».

وأضاف: «وفق ما تَقدّم نكون كَوْدرنا حراكنا ضمن مسؤولين مثقّفين إلى جانب أن يكون المرء في الوقت عينه رياضياً وواعياً ومتعلماً»، نافياً أن يكون تعبير التدريب الرياضي«تغطية» لتدريب عسكري على استخدام السلاح «نحن لم نتدرب يوماً على السلاح، وليس لدينا أي تدريب على السلاح».

وعما إذا كانت الحركة تتقاطع في الأهداف مع «سرايا التوحيد»، ذكّر «بأن الأخيرة تتبع لحزب، فيما نعلم أن لكل حزب ارتباطاته الداخلية والخارجية»، مشيراً إلى «أننا كحركة لسنا حزباً بل حراك مدني أنشئ في كل القرى اللبنانية وفي كل لبنان من دون أن يكون هناك مَن يوجهنا لا من الداخل ولا من الخارج»، ومؤكداً «أننا أناس وطنيون». وأضاف:«ليس لدينا إيمان كثير بالأحزاب في لبنان ولم نعد نثق بها، فالأوضاع في لبنان منذ العام 1975 وحتى اليوم هي في تراجع. ولو كنا تجربة مماثلة للأحزاب لَما هاجمنا أحد، فنحن نموذج لشعب مخيَّر وليس مسيَّراً، فنحن ضد الإقطاع ولا نتبع لأحد، وككل الشعب اللبناني (قرفنا) من الحال المذرية التي بلغتها الأوضاع، وهدفنا إنشاء مجتمع لبناني وطني بإمتياز من دون أي شوائب وخال من الطائفية والفساد وضدّ المخدرات».

ولفت إلى أن «الهجمة توقفت على الحركة بعدما تبيّن للجميع أننا (أنظف) من كل مَن هاجمنا، فنحن لا نريد أي خلاف مع أحد، بل نحاول أن نكون قدر الإمكان مرنين ونستوعب الجميع كي يستوعبونا بدورهم».

وعمّا إذا كانت لدى الحركة جهوزية لمؤازرة الجيش، أجاب:«نحن ككل الشعب اللبناني، ليس دورنا حمل السلاح ولا القتال. فكل ما يمكننا فعله هو أن نكون حاضنة شعبية للجيش نحتضنه معنوياً وعقائدياً وفكرياً، فقد نؤمّن لهم الرمل أو الماء والدواء. فنحن خريجون جامعيون ونتحدى ونرفض الميليشيات والسلاح المتفلت خارج الدولة اللبنانية فهل نقوم بالمثل؟».

ورغم كل محاولات القيمين على هذه «التشكيلات» الجديدة التخفيف من وطأة ما تعبّر عنه، فإن الخبير الإستراتيجي العميد المتقاعد نزار عبدالقادر يقول لـ «الراي» إن «هناك وجهين لـ (قطعة النقد) في موضوع سرايا التوحيد مثلاً، فالحزب يقول إنها لمساعدة الجيش ومساندته، أي انه يحاول أن يغطي هذا الموضوع بإعطائه نوعاً من الشرعية كي لا يقال له إنك في صدد تشكيل مجموعات مسلحة وهذا الأمر لا يجيزه القانون وهو سيكون مسؤولاً عنه، أما الوجه الآخر فهو في الواقع محاولة لتشتيت المجتمع السياسي وعسْكرته من جديد، وهذا ما رأيناه في الستينات والسبعينات من القرن الماضي من منظمة التحرير الفلسطينية، حيث كثرت التنظيمات تحت أسماء مختلفة وكانت في النتيجة كلها عسكرية أو انتهت بانشقاقات إلى جماعات صغيرة تعاطت فيما بعد العمل المسلح والإرهاب»، موضحاً أن ما يخشاه هو أن «يكون الوجه الثاني هو الوجه الصحيح لقطعة النقد، ولكن لننتظر ونرى».

وأضاف: «أعتقد أن المفروض أن تواجه الدولة أو ما تبقى منها هذه الظاهرة، لأنني أرى أنها خطيرة وخصوصاً إذا حصلت انشقاقات. فنحن نعلم أنه في فترة وجود المقاومة الفلسطينية قامت مجموعات من هذا النوع وانشقّ عنها بعض الأفراد لتأليف جماعات لا تلبث أن تتحول مجموعات مسلحة وتسطو على البنوك حتى. فالمنظمة الشيوعية العربية التي انشقت عن التنظيمات اليسارية وشكلت مجموعة انتهت بسرقة 3 بنوك على الأقل في لبنان وتفجيرات في دمشق وحلب. من هنا نجد أن هذا الموضوع خطير»، مردفاً: «وقد لا يستطيع حتى مَن أَوْجد مثل هذا التنظيم فيما بعد الإمساك بكل عناصره. ومن هنا فإن هذا الموضوع يضع في الواقع أمن المجتمع أمام مخاطر لا يمكن لأحد إدراكها في البداية بل فقط عندما تقع الواقعة».

وتعليقاً على شعار مؤازرة الجيش الذي تحمله هذه التشكيلات، قال: «لا أعتقد أن الأجهزة الأمنية بحاجة لمؤازرة من أي نوع من هذه التنظيمات والأحزاب، وإذا أصبحت بحاجة إلى مؤازرةِ مثل هذه التنظيمات، فإنها تكون خسرتْ مهمتها القانونية والفعلية في حماية الوطن والمواطن. ولذلك، لا أعتقد أن الجيش أو أي جهاز أمني بحاجة لمؤازرة جماعات تتشكّل ضمن تنظيمات عسكرية»، وآملاً في أن «تتم دراسة هذا الموضوع أولاً من صاحب الدعوة، وثانياً أن تجري دراسته من الأجهزة وثالثاً ان يكون للجيش موقف من هذا الموضوع».

وعن الهدف من «تفريخ» مثل هذه التشكيلات، أجاب عبدالقادر: «مررنا بأحداث أمنية وكانت فيها تشكيلات شبه عسكرية، وندرك أن هذه الأخيرة والتنظيم شبه العسكري أدى في إحدى المرات إلى محاولة انقلاب من القوميين في مطلع العقد السادس من القرن الماضي»، لافتاً إلى «أننا شهدنا مثل هذه التنظيمات التي بدأت تَظهر هنا وهناك على أساس أنها تنظيمات عقائدية وسياسية ومن ثم انقلب السحر على الساحر وأصبحت تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية أو حتى تنظيمات إرهابية».

وإذ لفت إلى أن «تاريخ لبنان غنيّ بمثل هذه التجارب»، أكد أن «على الجميع التعلم من تجارب الماضي»، مشيراً في الوقت عيْنه إلى «أنني لا أقرأ في النيات، ولا أحاول قراءة نيات الوزير السابق وئام وهاب».

وعمّا إذا كان قيام هذه التشكيلات سيحفز أطرافاً مقابلة على القيام بالمثل، قال: «دائماً عندما يحدث أي عمل ستكون هناك جهات متضررة تحاول القيام بردّ فعل، وقد يكون ذلك من خلال تشكيل جماعات من هذا النوع. ونحن ندرك أن الخطأ هو في وضع تشكيلات مقابل تشكيلات أخرى لأن ذلك يؤدي إلى اختلال أمني كبير».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي