الواقع يؤكد الإمكانية في ظل تعاظم مشاكلها... وكل مبررات الصعوبة واهية

كيف يستغني الكويتي عن الخادمة في منزله؟

تصغير
تكبير
753 مليون دينار متوسط ما تدفعه الأسر الكويتية سنوياً رواتب للخدم

أجر الخادمة الشهري يتراوح بين 80 و110 دنانير حسب جنسيتها

أكثر من 3300 دينار تدفعها الأسرة للاستعانة بخادمة سنتين فقط

مبررات عدم وجود وقت لربة المنزل «تفنده» ساعاتها الطويلة على مواقع التواصل الاجتماعي

عذر حاجة البيت للخادمة بسبب الأطفال تدحضه المبالغ الضخمة التي تدفع للحضانات الخاصة

أجهزة البيت الكهربائية توفر الجهد والوقت وأسعار الغالية منها لا تصل لقيمة «آيفون»

بقاء ربة المنزل في المطبخ منذ دخولها إلى الانتهاء من تشطيب كل شيء لا يتجاوز ساعتين

الاستغناء عن الخادمة مرتبط بالإيمان بقدسية المنزل وتنظيم الوقت والمشاركة في الواجبات
بعد أن تتجاوز عقارب الساعة الواحدة بعد الظهر، يسرع «عبدالله» إلى مدرسة ابنته، ينتظرها حتى تخرج فيصطحبها إلى البيت، وفيما تتولى البنت الصغيرة ذات الأعوام السبعة أمر تغيير ملابسها، يتحول عبد الله ــ وهو الاسم الحركي للشخص الذي رغب في عدم الكشف عن اسمه الحقيقي ــ إلى المطبخ ليقوم بإعداد وجبة الغداء التي طبختها زوجته الليلة السابقة، حيث يقوم بتسخين الطعام وتحضير المائدة، فتنضم إليه زوجته التي تكون قد عادت هي الأخرى من عملها.

بعد تناول الغداء يتعاون الزوجان برفع المائدة وتنظيف المكان، ومن ثم التحول إلى البيت لمتابعة شؤون حياتهما اليومية مع البنت الصغيرة.


قد يبدو للوهلة الأولى أن القصة تخص وافداً يعيش مع عائلته في الكويت، ولكن الحقيقة أن «عبدالله» كويتي يقدم نموذجاً للمواطن الذي يمكن بإرادته أن يكسر قاعدة سار عليها مجتمعه حتى أصبحت عرفاً لا يمكن تجاوزه، فهو ــ ورغم قدرته المالية كأي مواطن آخر ــ أراد أن يقول إن الكويتي يمكن أن يعيش حياة طبيعية بلا... خادمة.

هذا المثال قد ينظر إليه الكثيرون على أنه «استثناء» في مجتمع أصبحت الخادمة ــ وأكثر ــ من مستلزمات البيت الكويتي التي لا يمكن الاستغناء عنها، ولكن المواطن يؤكد أن كل بيت كويتي يستطيع العيش بلا خادمة إذا كانت المرأة فيه لديها القدرة والإرادة على فعل ذلك، لتتجنب الكثير من الاثار السلبية والسيئة الناتجة عن الاعتماد بشكل كامل ومطلق على الخادمات.

وفي واقع الأمر فإن ما تشهده البيوت من سرقات للخدم واهمال وممارسات غير اخلاقية، وصولاً الى استخدام العنف الذي يصل الى الاذى الجسدي في بعض الاحيان داخل المنزل، وخصوصا اتجاه الاطفال، يحتم على ربة الاسرة أن تعيد حساباتها في ادارة شؤون منزلها وتحمل مسؤوليتها الاجتماعية والاسرية وعدم ترك «الحبل على الغارب» للخادمة بشكل كامل.

ووفق آخر الاحصائيات الرسمية لعدد العمالة المنزلية في البلاد الصادرة عن الادارة المركزية للاحصاء في شهر مارس الماضي، فإن عددهم بلغ 662.114 عاملا وعاملة، تترواح اجورهم ما بين 80 و110 دنانير شهريا حسب الجنسية. واذا احتسبنا متوسط تلك الاجور عند 95 دينارا، نجد ان اجمالي الاجور التي تدفعها الاسر الكويتية مجتمعة التي تستعين بتلك العمالة يبلغ 62.800 مليون دينار شهريا، أي ما يعادل 1.140 دينارا شهريا للاسرة الواحد، أي نحو 753.600 دينار سنوياً

وفي المقابل، نجد ان اجمالي الأجور ورسوم ومصاريف الاستقدام التي تدفعها الاسرة الكويتية للخادمة في سنتين يتجاوز 3300 دينار، علما بان مدة عقود الاستقدام سنتان فقط وتجدد، وفي هذه الحالة يمكن ان تدفع الاسرة، بعد انتهاء فترة السنتين في حالة عدم رغبة الخادمة بتجديد العقد، مبلغا يتراوح بين 1000 و1300 لاستقدام خادمة جديدة.

ولاشك ان هذه المصاريف الكبيرة التي تدفع خلال سنتين لخادمة تقوم بتنظيف البيت واعداد وجبات الطعام، يكون افراد الاسرة انفسهم «أحوج» لها، وخصوصا بالنسبة للمعاريس «الجدد» والاسر التي تقطن في شقق وادوار مؤجرة التي يقع على عاتق اربابها التزامات مالية كثيرة ومختلفة ما بين ايجارات واقساط سيارات وبنوك وغيرها.

أما إطلاق ارباب الاسر، خصوصا الامهات، المبررات في شأن عدم قدرتهن على القيام بواجباتهن المنزلية على اكمل وجه بسبب ضيق الوقت ومتطلبات الحياة اليومية التي تحتم عليهن العمل طوال الفترة الصباحية حتى الظهيرة، أمر مقبول من الناحية النظرية، ولكن في الواقع يمكن ان تكون تلك المبررات «واهية» اذا ما نظرنا ما تفعله «ربة الاسرة» طوال ساعات اليوم بعد عودتها من الدوام. كما ان احد المبررات التي يمكن وصفها بـ«الغريبة» التي دائما ما تطلق، هو حاجة البيت للخادمة بسبب الاطفال، علما ان الغالبية الساحقة من الاسر تقوم اليوم بوضع اطفالها ممن لم يتجاوزا 14 شهرا في حضانات خاصة طوال الفترة الصباحية، وهم ايضا يدفعون مبالغ ضخمة لتلك الحضانات تصل الى اكثر من 1500 دينار سنويا للطفل الواحد.

ولمواجهة هذه المبررات، يجب اولا الاعتراف بما حصل على ارض الواقع من منظور ومنطلق واقعي، حيث ان غالبية الامهات بعد عودتهن من الدوامات يقضين ساعات طويلة في امور «ثانوية» ممكن الاستغانة عنها للقيام بواجبات المنزل، لان «التحجج» بعدم وجود وقت مردود على من يدعيه، و«تفنده» الساعات الطويلة التي تقضيها ربات المنازل في مشاهدة التلفاز او التنقل ما بين صفحات «السناب شات» و«الانستغرام» و«تويتر» في الهواتف الذكية. كما ان عملية ادارة شؤون المنزل التي كانت أمهات الرعيل الأول في السابق يدرنها بانفسهن ويعملن بايديهن من دون مساعدة احد، اصبحت سهلة في ظل وجود كم هائل ومتنوع من الاجهزة الكهربائية المنزلية التي توفر الجهد والوقت والمتوافرة باسعار معقولة وفي متناول الجميع ولا تصل في معظم الاحيان لقيمة جهاز «ايفون».

ومثلا، نجد ان عملية غسل الملابس اصبحت اليوم سهلة وبسيطة ولا تسغرق اكثر من ساعة من الزمن، بفضل الغسالة «الأوتوماتيك» التي تقوم بكل شيء بضغطة «زر» فقط، وذلك ابتداء من مرحلة الغسيل بالصابون وتحديد نوعية الغسيل ودرجة حرارة الغسيل، وصولا الى تنشيف الملابس، وما على ربة المنزل عند عودتها من «الدوام» سوى وضع الملابس وضغط «الزر» ومن ثم الانتقال الى المطبخ لاعداد وجبة الغداء. كما ان عملية اعداد وجبات الطعام الرئيسية وادارة شؤون «المطبخ» يمكن ايضا ان تقوم بها ربات المنزل اللاتي يعملن في الوظائف الصباحية، حيث يمكن تجهيز كل شيء لوجبة الغداء قبلها بليلة حتى لو كانت طبخة «مجابيس»، وما على ربة المنزل بعد عودتها من الدوام الا ان تقوم بطهي الطعام والذي لا يستغرق في أحسن الاحوال لاكثر من ساعة ونصف السعاة من الزمن، وبدلا من ان تكون وجبة الغداء عند الساعة الثانية ظهرا يمكن تأجيلها الى الثالثة عصرا.

وبعد انتهاء وجبة الغداء، تستطيع ربة المنزل ادخال جميع اطباق الغداء في غسالة الاطباق التي ستقوم بهذه العملية «اوتوماتيكيا» وفي فترة لن تتجاوز 10 دقائق والتي يمكن لربة المنزل اثناءها اكمال تنظيف بقية المنزل، وبهذا ستكون المدة التي تستغرقها ربة المنزل منذ اللحظة الاولى لدخولها المطبخ الى حين الانتهاء من غسل و«تشطيب» كل شيء لا تتجاوز الساعتين.

وبعد ذلك، ستتمكن ربة المنزل من ان تنهي كل شيء عند الساعة الرابعة عصرا، وتأخذ بعدها فترة راحة حتى الساعة الخامسة ومن ثم تبدأ عملية تدريس ومتابعة واجبات ابنائها، ومن ثم اعداد وجبة العشاء والتي تكون عادة خفيفة ولاتحتاج الى جهد ووقت، وقبل ذهابها الى النوم تقوم بإخراج وتجهيز طعام الغداء لليوم التالي.

هذا الافتراض قد يراه البعض صعب التحقيق، وان هناك ضغطا ذهنيا وجسديا ستتحمله ربة المنزل، ولكن الحلول كثيرة ومتنوعة، تندرج تحت ظروف كل ربة منزل ومدى قدرتها فعلا على القيام بواجباتها، وتوفير كل تلك المبالغ المالية التي تدفع مع امكانية الاستعانة او الاتفاق مع «خادمة» غير مقيمة في المنزل تأتي مرتين او ثلاث مرات اسبوعيا.

ان الاستغناء عن الخادمة ونجاح عملية ادارة ربة الاسرة لشؤون منزلها ليست عملية مستحيلة او صعبة كما يعتقد البعض، وهي مرتبطة بالنهاية بشكل رئيسي ومباشر في ثلاثة عوامل هي الايمان بقدسية المنزل وتنظيم الوقت والمشاركة في الواجبات المنزلية.

قضايا فرعية مهمة

فوائد الوقت النفسية والصحية

تنظيم الوقت له فوائد عديدة ليس على مستوى الاسرة فقط، وانما ايضا على المستوى النفسي والصحي والمهني، لان كل الامور والواجبات المتعلقة بشؤون الانسان سواء كانت داخل محيط الاسرة او خارجها لا يمكن تنفيذها او تحقيقها من دون وجود تنظيم للوقت، وذلك حسب جدول يومي واضح للمهام والواجبات المطلوب عملها.

إيمان المرأة الغربية

لا شك ان تنظيم الوقت والاستعانة بالأجهزة الإلكترونية المنزلية، ووجود ايمان لدى ربة البيت بأن كل ما يتعلق بالمنزل من مسؤوليتها واختصاصها، مع افراد الاسرة، جعل من ربات الاسر في المجتمعات الغربية ينجحن في القيام بكل الامور المتعلقة بالمنزل بشكل فردي ومن دون الاستعانة بخادمة، بالرغم من ان ساعات العمل في تلك المجتمعات تمتد الى 8 ساعات وتبدأ الساعة 9 صباحا وتنتهي 5 مساء.

نشر ثقافة المشاركة

من الوسائل المعينة على التخلص من الخادمة غرس ثقافة التنظيم والمشاركة المنزل، لدى الاباء والأبناء من اجل ان يتحملوا مسؤولياتهم من اجل ضمان عدم تحميل الأم للمزيد من الضغوط والواجبات، مثل المشاركة في تنظيف موائد الطعام وترتيب المنزل وغيرها،بحيث يصبح كل فرد مسؤولا عن غرفته و«اغراضه» لضمان عدم تراكم الاعمال وانتشار الفوضى والاوساخ في المنزل.

مساوئ التكنولوجيا المعاصرة

يجب الاعتراف ايضا ان استخدام الهواتف الذكية ساهم بشكل كبير في عزلة افراد الاسرة عن بعضهم البعض، وجعل لكل منهم عالمه الخاص الذي يقضي فيه ساعات طويلة منتقلا مابين «تويتر» و«السناب شات» وصولا الى «الانستقرام» ،ولهذا نجد ان الهاتف النقال اصبح ملتصقا بيد الاباء والامهات والاولاد طوال اليوم،وهذا ماجعل عدم المبالاة والاهمال وعدم تحمل المسؤولية هي السمة الغالبة علي الجيل الحالي.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي