«التيار الحر» عاد إلى «بيت الطاعة الحكومي» بـ «نصف مشاركة» في جلسة مجلس الوزراء

الحريري في منتصف الطريق لترشيح عون هل يمضي حتى النهاية... أم يتراجع؟

تصغير
تكبير
إذا كانت عودة مجلس الوزراء اللبناني الى الانعقاد أمس بعد انقطاعٍ دام أكثر من ثلاثة أسابيع بفعل مقاطعة وزراء «تكتل التغيير والاصلاح» الذي يترأسه العماد ميشال عون شكّلت عنواناً إضافياً لثبات استمرار الحكومة كخطٍّ أحمر متوافَق عليه الى ان تتبلور الجهود الجارية لاختراق الأزمة الرئاسية، فان العلامة الفارقة في هذه العودة تظهّرت عبر إشارتيْن بارزتيْن: أوّلهما مشاركة وزيريْ «حزب الله» في الجلسة بما وفّر النصاب القانوني لها، والثانية اعتماد عون خيار «نصف المشاركة» والذي عبّر عن نفسه بحضور وزير التربية الياس أبو صعب وغياب وزير الخارجية جبران باسيل (رئيس «التيار الوطني الحر» وصهر عون).

واعتُبر سلوك عون حيال الحكومة في سياق المسار الجديد الذي يتبعه على قاعدة دعم المساعي التي أطلقها زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري والتي يستكشف من خلالها إمكان السير به رئيساً، وهو ما لمّح اليه الوزير ابو صعب الذي وصف هذه الخطوة بأنها «رسالة ايجابية ومبادرة حسن نية واختبار» من جانب فريقه ضمن الايجابيات التي تحصل خارج مجلس الوزراء.


ومع ذلك لم يكن انعقاد الجلسة أكثر من مؤشرٍ لاستمرار إدارة الأزمة السياسية بالحدّ الأدنى من تصريف الأولويات عبر الحكومة المتعبة، بدليل انه بالكاد تأمّن للجلسة نصاب الثلثين في حين تتركّز الاهتمامات السياسية على التطوّرات الأخرى المتصلة بتحرك الحريري في شأن الاستحقاق الرئاسي والعدّ العكسي لجلسة مجلس النواب المقبلة في 31 الجاري لانتخاب رئيس الجمهورية.

ذلك ان «كتلة المستقبل» النيابية عقدت اجتماعاً امس للاطلاع من الحريري على النتائج التي استجمعها حتى الآن من تحرّكه الداخلي والخارجي في شأن طرح استكشاف بلورة الخيار الرئاسي المتصل بترشيح عون تحديداً، وسط مناخٍ استبعد ان تقوم الكتلة في هذا الاجتماع بإعلان تبني ترشيح زعيم «التيار الحر» في انتظار مزيد من التحركات التي سيقوم بها الحريري قبل التوصل الى قراره الحاسم سلباً او ايجاباً.

ورغم ذلك، استبقت الأوساط الوثيقة الصلة بالعماد عون اجتماع كتلة المستقبل بأجواء توحي بأن الرابية (حيث مقر عون) تعيش على رهانٍ متوهّج للغاية مفاده ان الكتلة ستعلن تبنيها لترشيح عون.

في مقابل ذلك، تصاعدت في كثيرٍ من الكواليس السياسية المعطيات التي تستبعد ان يبلغ الحريري القدرة على تبني ترشيح عون بعدما تراكمتْ أمامه خريطة اختلالٍ واسعٍ لغير مصلحة خيار زعيم «التيار الحر»، بما سيردعه عن ارتكاب خطأ مماثل لإقدامه قبل 11 شهراً على تبني ترشيح النائب سليمان فرنجية من دون ضمان موافقات الغالبية من القوى السياسية حتى من حلفاء فرنجية أنفسهم في «8 آذار». علماً ان أوساطاً أخرى لا تُسقط من حسابها إمكان ان يذهب الحريري حتى النهاية في «تعرية» الرافضين الفعليين لانتخاب عون والذين «انكشف» منهم حتى الآن رئيس البرلمان نبيه بري وسط شكوكٍ حيال موقع وموقف «حزب الله» من تصدُّر حليفه الشيعي جبهة الممانعة لوصول زعيم «التيار الحر» الى الرئاسة.

واذ بدا لافتاً ان تضجّ وسائل إعلامٍ بسيناريوات مضخّمة وغير دقيقة عن مواقف سعودية او روسية من خلال الكلام عن زيارة الحريري لموسكو وما تردّد عن زيارة له للرياض لم يُعلن عنها والتقى خلالها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، رسمتْ مصادر واسعة الاطلاع عبر «الراي» علامات شكوك كبيرة على نجاح محاولات اختراق المأزق السياسي الداخلي في لبنان في هذا التوقيت، متوقّعة ان يشكل موعد الجلسة الانتخابية المقبلة ما يشبه سكب المياه المجلّدة على رؤوس المراهنين على نجاح محاولات الاختراق هذه.

وقالت المصادر ان أكبر دليل على الصعوبات الكبيرة التي تواجه مسعى الحريري في تسويق خيار عون تتصل بعامليْن، أوّلهما صمت الحريري تجنّباً لإحراق ما تبقى لديه من أوراق قبل ان يعلن موقفه النهائي، وثانيهما صمت خصمه الأول والأكبر «حزب الله» حتى الآن عن كل مجريات تحرك الحريري وسواه من تطورات متصلة به مثل المواقف البارزة الأخيرة للكنيسة المارونية.

وفي ظل هذيْن العامليْن داخلياً، تبدو المصادر جازمة بأن بتّ مصير تحرّك الحريري صار وشيكاً ولن يتأخّر في ظل مجموعة عوامل منتظَرة تباعاً. فهناك أولاً ضغط العدّ العكسي لموعد جلسة 31 الجاري الذي يفترض ان يسبقه اعلان الحريري حصيلة تحركه وان يبني عليه موقفه الحاسم سواء لمصلحة خيار عون او الاستمرار في خيار فرنجية او الذهاب الى خيار ثالث، وربما الى تعليق الخيارات ورمي الكرة في ملاعب الآخرين. وهناك ثانياً موقف مرتقب للسيد حسن نصرالله قبل نهاية الأيام العشرة لعاشوراء اي قبل الثلثاء المقبل يُتوقع ان يتطرق فيه الى هذا التحرك والموقف منه. علماً ان الاوساط المتصلة بالحزب لا تزال تدأب على القول ان الأخير ينتظر اعلان الحريري موقفه الواضح من تبني ترشيح العماد عون ليبنى على الشيء مقتضاه. وهناك ثالثاً تحرك ورشة مجلس النواب في مستهلّ العقد الثاني بعد منتصف اكتوبر اذ ان بري يتجه بعد اجتماع سيعقده الاثنين المقبل لهيئة مكتب المجلس الى برْمجة الدعوات الى جلسات تشريعية للبرلمان لا تزال المواقف السياسية منقسمة حيالها، ومن شأن ذلك ان يثير عامل تعقيد اضافياً أمام تحرك الحريري الذي يفترض به ان يسارع الى عزْل مسعاه عن هذا الملف قبل نهاية الشهر الجاري.

وتلفت المصادر الى انه اذا كانت العوامل الداخلية لا تسمح بتمديد انتظارات الحريري لئلا يرتّب تحرّكه مزيداً من الإرباكات والخسائر، فان مجمل المعطيات الخارجية المتفجّرة تضغط بدورها لبتّ مصير هذا التحرك بسرعة في ظل انصراف العالم الى ترقّب نتائج المواجهة الاميركية - الروسية في سورية من جهة واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الاميركية من جهة أخرى.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي